إعلان

صباح ليلة "الدم".. رؤية الجثة ولا انتظارها

07:21 م الإثنين 09 فبراير 2015

أحد الكتابات على الجدران

كتبت_إشراق أحمد:

صبيحة الدم، ينفض جمع الصارخين، المنهارين في البكاء على ذويهم، المصدومين من مباغتة الموت لمشجعي كرة قدم، تهدأ الأجواء لكن الوجع لا يرحل. لم يخلُ محيط مشرحة زينهم من الوافدين عقب أحداث استاد الدفاع الجوي مساء أمس، غادر أهالي 19 لقوا مصرعهم، حملوا كفن أبنائهم وولوا، فيما ظل آخرين، وانضم إليهم مَن هرعوا بالصباح بحثا عن فقيدهم، ليس بأيديهم سوى الانتظار، يتمنون فقط أن يثلج قلوبهم خبر يقين "جثة أبني موجودة ولا فين"، وبينهم من أتوا للمشاهدة أو تسجيل تلك اللحظات إعلاميا.

"القرارات مطوحة.. والبلاغات مطوحة.. والبيانات مطوحة.. والخطابات مطوحة.. والمقالات مطوحة" كأن الشاعر نجيب سرور يعلم الحال بعد وقوع "كارثة"، هكذا كان الحال في شارع المشرحة، الوجوه تلتفت لكل قادم، تناقلت الأخبار منذ الصباح عن مجيء جثث أخرى، فالجميع في انتظار السيارة الحاملة لهم، أغلبية المتواجدين من الشباب، يملئون المقهى، وجوانب الطريق، وما بين الدخول إلى ساحة "المشرحة" والخروج منها حالهم، الصمت يخيم على الحضور، لذا ينجذب الجميع لأي صوت، خاصة إذا أتى من شباك إدارة المشرحة، أو بداية الطريق حيث الأمل بوصول عربة الإسعاف المنتظرة.

وقف حال الجميع، بزيه الكحلي المميز المدون عليه "مشرحة زينهم"، ينظر إلى الطريق كأنه في انتظار شيء لكنه ما كان رد فعل "عم سيد" عامل المشرحة إلا ترديد لحالة المتواجدين، فهو على علم أن جميع الجثث خرجت، وآخرها بالصباح الباكر "معرفش بيقولوا في جثث جاية".

حلقات بدأت تتشكل مع مرور الوقت، تتبادل الحديث، "مجزرة" هي الكلمة التي يتكرر سماعها، البعض يريد أن يعرف مصير الانتظار، وآخرين يتحسرون على الدماء المهدرة يوميا، والبعض الآخر يستعيد الأحداث "كنت بجري لقيت واحد كان جنبي وقع معرفتش أعمله حاجة"، فيما يهدأ روعهم أصدقاء جاءوا للمؤازرة.

العيون تنظر لبعضها البعض، يبادر الشباب بسؤال كبار السن المتواجدين عن إن كان لهم فقيد، فيساعدوهم في البحث عنه، الألم يعتصر الغضب، ولا قوة في التنفيس إلا برفض الحديث لأي من المتواجدين "يا أمي أنا مش إعلام أنا عايز أساعد" قالها شاب لسيدة منتقبة وقفت أمام باب المشرحة، لكنها أبت إلا أن تسأل بنفسها، وبين الحين والآخر ينفرط عقد ذلك الصمت، بتوجه أحدهم ثائرا نحو ذلك الشباك المتواجد به موظف المشرحة، فهو السبيل الوحيد لمعرفة أي شيء لكن لا جديد، اللهم إلا كلمات مواسية يلقيها البعض في الجوار بأن زيارة الرئيس الروسي ربما أخرت وصول الجثث.

مندفعا نحو موظف المشرحة توجه والد "عبد الرحمن محمد"، ابنه ذهب للإستاد منذ أمس ولم يعد، فيما تلقى اتصال من صديقه المقرب يخبره "عبد الرحمن مات"، فهرع إلى "زينهم" ليستلمه لكنه لم يجده بين الجثث، غضب الأب، أراد أن يريح الموظف صدره بأي كلمة تؤكد له مكان ابنه، غير أن ذلك لم يحدث، "أقسم بالله ما نعرف حاجة الجثث كلها طلعت" هكذا جاء الرد الموظف من خلف النافذة الحديدة، قبل أن يختفي جميع مَن بالمشرحة في غضون الساعة الواحدة والنصف، فلم يعد هناك أثر لأحد بالشباك.

الساعات تمر ثقيلة، والصبر ينفذ لدى البعض، يأكله طيلة الانتظار، فيطرق أحدهم باب المشرحة بقوة، ينهر آخرون فعله، بينما يقف شاب أخر، يقبض على حديد الشباك يصيح "يا عم كلمنا"، يطرق على المنضدة التي تطولها يده، يحاول دفع الخزانة الحديدة جانب النافذة، لكن ما من مجيب، يحتضنه صديق، يُهدأ من ثورته، التي انطلقت مع قول أحدهم "بلاش كده هيقولوا علينا بلطجية وجايين نعتدي عليهم"، فخرج الشاب عن صمته "بلطجية".. أنا صاحبي مات في إيدي وفلت مني معرفتش أعمل حاجة"، صراخه كان كفيل بلجام ألسن المتواجدين "عشان معناش تذاكر قتلونا.. عشان أنا مش عضو في النادي".

انتبذ البعض ركن قصي، يرتاح به لاستكمال مشوار البحث أو ليصمت قليلا محاولا ابتلاع قهر الموقف "أنا زعلان من نفسي شوفت صحابي بتموت ومعرفتش أعمل حاجة.. كل واحد كان بيجري ينقذ نفسه"، فيما خارت قوى البعض من عدم تصديق أن المشرحة خالية حال شاب ارتدى قميص "إنسان.. التهمة زملكاوي"، الذي ظل ينظر إلى الباب رغم ما أصابه من إغماء يخبر أصدقاه "أنا متأكد إنهم جوه".

مع تمام الثانية والنصف انفض الجمع، متوجين إلى المستشفيات للبحث بدلا من الانتظار، لكن والد "عبد الرحمن محمد" أصر على البقاء، يهرول مع كل سيارة تدخل الشارع، يعود خائبا إلى كرسيه بالمقهى مع كلمات "مفيهاش حد"، يأمل أن ينشد حال غيره، تلك الراحة على قسوتها في رؤيته ميتا، أن يحتضنه ويملأ صدى الصمت هذا بالنحيب والصراخ.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان