إعلان

التذكرة.. طريقك إلى الآخرة (بروفايل)

09:55 ص الثلاثاء 10 فبراير 2015

تذكرة مباراة الزمالك وانبي

كتبت-دعاء الفولي:

ورقة صغيرة، لا يجاوز طولها أصابع الكف، يحصل عليها أحدهم بشق الأنفس. ثمنها 20 جنيها، كُتب فوقها اسم نادي الزمالك ومقابله انبي، وميعاد المباراة؛ تماما في السابعة والنصف. يسمونها ''تذكرة''؛ صك الدخول الذي يضمن لصاحبه حضور المباراة دون أن يمسسه ضُر، تقول الدولة إن الذين قضوا نحبهم أمام إستاد الدفاع الجوي لم يحصلوا عليها، فأرادوا الدخول عنوة، ويحاول أهالي الموتى تفسير ما حدث، يتساءلون عما إذا كان ثمن التذكرة سببا وجيها لموت الأبناء؛ فيجيب رئيس نادي الزمالك أن ''الأولتراس بلطجية على إخوان مسلمين على اشتراكيين على عيال واخدة ترامادول''.

22 شخصا لقوا حتفهم أمس الأول على أبواب الإستاد الذي يسع 40 ألف مشجعا، بينما يلعب أعضاء النادي بالداخل، أصوات الاستغاثة على الأبواب تصدح في عقول الناجين. يقترب أحدهم على فقدان عقله، عندما يفتش في جيوب صديقه الكائن بثلاجة المشرحة؛ فيجد فيها تذكرة، مطوية بعناية، كأنها صك دخول الجنة، مُشربة بسحجات جسد صاحبه نتيجة التدافع، ممتلئة ببقايا الغاز المتسلل إلى رئته، لكنها على عكس تي شيرت نادي الزمالك الذي ارتداه، لم يصبها سوء.

''عايز تبلطج وتدخل ماتشات الدوري من غير تذاكر؟.. لا يا حبيبي كان فيه وخلص''، هكذا كُتب على صفحة الشرطة المصرية على فيسبوك. في مذبحة بورسعيد كانت التذاكر موجودة بالفعل، بدأ الأمر من داخل الإستاد إلى خارجه، وانتهى بفقد 72 شخص لأرواحهم، ليحمل الباقون على قيد الحياة تفاصيل المشهد كأنه أمس، يتذكرون عجزهم عن إنقاذ الآخرين عندما يرون المتمسكين بسور إستاد الدفاع الجوي، يناديهم أخواتهم في الأولتراس من أسفل دون فائدة: ''خد بإيدي يا كابتن والنبي''. بماذا تنفع التذكرة على كل حال مع حشر ما يقارب الـ400 شخص في مساحة ضيقة للغاية؟.

التذاكر لا تُشترى فقط نظير حضور المباريات؛ تزداد الأحوال الاقتصادية قحطا، يموت الشباب بين ثورة ومباراة ومظاهرة ومحاربة إرهاب بالصدفة في الشارع، فيبذل الواقفون على حافة الجنون مالا للحصول على تذكرة سفر للخارج، وفقا للتقارير الدورية لوزارة الداخلية، فإن الذين اختاروا الهجرة بطرق شرعية وحصلوا على موافقة، قد بلغ عددهم 2169 من 2011، وحتى 2014، وازدادت النسبة في عامي 2012 و2013، فيما أظهرت المحاضر الرسمية أن هناك 14690 حالة هجرة غير شرعية، على الحدود الغربية لمصر عام 2014، يُصبح عدم الانتماء للدولة أمرا يسيرا على الشباب مقابل الخروج منها، يقدم أحدهم طلب التنازل عن جنسيته المصرية طالما يحمل أخرى، وإن قيل عنه ''خائن''. 

الدولة والمواطنون أيضا يقدمون منذ أربع سنوات ثمن تذكرة التمتع بالاستقرار لفترة وجيزة دون وقوع ضحايا؛ فما أن يحدث أمرا بسيطا حتى تشتعل النار فجأة، كأحداث سجن بورسعيد عام 2013، عندما خرج المعترضون على الأحكام التي أخذها ذويهم بسبب مذبحة بورسعيد – التي راح فيها أيضا 72 مشجعا من جماهير الأهلي - ، لتدور معركة جديدة على أعتاب السجن، يسقط فيها ضابطي شرطة و40 مدنيا، ويُحاكم فيها 51 من أبناء المحافظة بعد ذلك.

هناك الثأر النائم بين الأولتراس وقوات الشرطة كذلك، فالطرف الأول يبتغي محاسبة من تسببوا في قتل أصدقائه، ولأن الطرف الثاني أقوى بطبيعة الحال، فالأول يدفع مقابل تذكرة ''القصاص'' دماء، مع كل اشتباك، بينما يخسر الثاني أرض التأييد بين المواطنين مع الوقت. 

يبقى لأعضاء الأولتراس من الناديين عقب كل مذبحة قلوب ملتاعة، إذا ما اتبعوا القضاء مرة، فلن يفعلوا ذلك في الثانية، لم يعد الأمر يجدي نفعًا في نظرهم، كما جاء في بيان أولتراس وايت نايتس على صفحتهم الرسمية بموقع فيسبوك ''يا حضرة القاضي وفر ورقك.. احنا مش هنتسحل في السكة دي.. الحقيقة واضحة ادام العالم كله والجاني واللي حرض على القتل عارفينهم.. واحنا مرينا في محاكمكم كتير لا نصرتوا حق ولا اقتصيتم لمظلوم.. فآن الاوان تمروا لمحاكمنا.. وعلى الباغي تدور الدوائر''، هكذا يصبح ثمن تذكرة ''شفاء صدور'' الشباب أغلى على كل الأطراف المتسببة في الضرر.

تذكرة الحصول على ''العيش والحرية والعدالة الاجتماعية'' التي دفعها بعض ثوار يناير، كانت حيواتهم؛ كي لا يموت أحد بعدهم بنفس الطريقة، لتقل درجة الهوان على الوطن قليلا، حتى لا يضطر أب أن يذهب إلى مشرحة زينهم للتوقيع على تقرير الطب الشرعي الخاص بابنه، مكتوب فيه طريقة موته التي لا تخرج عن الرصاص أو الغاز أو ''التدافع'' هربا من كليهما.

تابع باقي موضوعات الملف:

شهداء ''الوايت نايتس''.. السلام أمانة للـ''74'' (ملف خاص)

1

أمام المشرحة.. أي رعب أكبر من هذا سوف يجيء؟

2

بالصور: أولها ''غربة''.. وتانيها ''تشجيع''.. وآخرها ''عم أمين مات''

3

بالصور.. حكاية أصغر شهيدة ماتت في حب ''الزمالك''

4

مرتضى منصور.. صاحب نبوءة الموت المتحقق "بروفايل"

5

بالصور.. اللحظات الأخيرة في حياة ''محمد صلاح'' شهيد ''مجزرة الأولتراس''

6

شريف الفقي.. من الزمالك وإليه نعود "بروفايل"

7

بالصور.. مصراوي يكشف حقيقة وفاة شقيقين في مذبحتي ''بورسعيد والدفاع الجوي''

8

بالفيديو.. ''ضياء'' شاهد ''ممر الموت'' في مذبحة الاستاد: الله يرحم اللي عاشوا

9

أولتراس أهلاوي وزملكاوي: سنظل أوفياء لـ''الدم''

10

مصراوي يحاور ''أحمد لطفي''.. ''أمين'' خزانة ''مجزرة الدفاع الجوي''

11

بالصور.. هل ارتكب أبناء ''شبرامنت'' مجزرة استاد الدفاع الجوي؟

13

أحمد الليثي يكتب.. لماذا قتلت الشرطة ''الأولتراس'' في مصيدة الفئران؟

14

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان