''عمر''..72 ساعة بين فض ''رابعة'' والبحث عن جثة أبيه
كتبت-إشراق أحمد:
فض الاعتصام، المستشفى الميداني، مشرحة زينهم، الغُسل، الدفن؛ خمس كلمات هى ملخص 72 ساعة من حياة ''عمر محمد علي''، قضاها من أجل والده بعد أن قرر الذهاب إلى رابعة العدوية.
خلاف والده كان الشاب العشريني معترضًا على فكرة الاعتصام من البداية، فلم يتردد عليه قبل يوم الأربعاء 14 أغسطس 2014، يذهب والده ويعاود بين الحين والآخر، حتى يوم الثلاثاء قبل ساعات فض الاعتصام، كان الطعام الأخير له مع أسرته، تسحر للصيام ونام حتى صباح اليوم التالي، وبمجرد أن جاء خبر الفض، سارع استشاري نظم الإدارة والتدريب إلى الميدان، مرتديًا ملابسه أخذ يردد ''رصاصة واحدة بس هتاخدها ومش هتحس''، للمرة الأولى على حد قوله ابنه يغادر وزوجته تبكي، وما كان منه إلا إيقاظ ابنه ليكون بجوارها.
شعر ''عمر'' أن عليه مرافقة أبيه تلك المرة، ''الدم محدش يقف ضده'' بذلك آمن الشاب منذ ثورة يناير، لذلك أخبر والدته أنه ذاهب للعمل حتى لا يزيد حزنها وانشغالها، واتصل بوالده يعلمه أنه قادم معه، لتبدأ ساعاته الأولى في محيط رابعة العدوية، كانت الساعة السابعة والربع حينما وصلا –عمر وأبيه- بالسيارة إلى الميدان، على مسافة بعيدة أبصرا دخان كثيف، عبر شارع الطيران دلفا، حتى العاشرة صباحًا.
برفقة أبيه ظل ''عمر'' قرب المنصة حتى زاد إطلاق النار والغاز المسيل الدموع، ما بين الافتراق والتلاقي استمر الوضع حتى الثالثة عصرًا، حيث كان الفراق الأبدي، اشتد الغاز عقب أن فارقا الجلوس خلف المنصة، بعد أن زاد عدد مَن سقطوا إثر الرصاص من مصابين وقتلى، فحدثه أبيه أن عليهم مغادرة المكان ''ليتركوا مكان للشهداء والمصابين'' على حد قوله، ثوان وأصيب الشاب باختناق جراء الغاز، وما أن التفت حتى سمع كلمات والده ''هتحرك لقدام شوية أقول لهم يحدفوا طوب على المدرعات لأنها بدأت تقرب''.
شعور تملك من قلب ''عمر'' أنها اللحظة الأخيرة لرؤية أبيه، زاد الشاب اختناقا وقرر العودة مرة أخرى لشارع الطيران، أخذ يتصل بوالده، لكن دون مجيب، وقتها تأكد إحساس الابن ''لكن كنت بضحك على نفسي'' حتى جاءه اتصال من شقيقته تخبره أن شخص غريب رد على والدتها مكان أبيه ''قال لها إنه استشهد''، حينها وفقط أعلمهم أنه برفقته في الميدان، وفي المكالمة الثانية معهم أكد لهم صحة الخبر رغم علمه به من البداية، ثم أخذ يكرر الاتصال بهاتف أبيه ليرد عليه الشخص ذاته، وطالبه بالقدوم إلى المنصة لأخذ جثمان أبيه.
وهنا بدأت رحلة البحث، فقد حال إطلاق الرصاص الكثيف بين وصوله إلى المنصة، فاحتمي بالمستشفى داخل المسجد، آوى إلى الدور الأخير لاكتظاظ الدورين السابقين بالجثث والمصابين، وظل حتى اقتحمت قوات الأمن المبنى حد قول ''عمر''، أخبره أحد المتواجدين أنه لا خيار ثالث إما الخروج أو البقاء والموت، فآثر الشاب الأمر الأول، واستطاع الوصول إلى السيارة، ليعود إلى المنزل في الثامنة مساء يوم الفض.
في استقبال الابن كانت والدته لازالت تبكي ''وكان أكتر شيء موجع أني راجع من غيره ولا حتى جثمانه''، ومع السادسة صباح اليوم التالي، كان انتقال الابن والمعارف بين مستشفى الحسين، التأمين الصحي، ومشرحة زينهم، ومسجد الإيمان، لكن بغير نتيجة، إلا باكتشاف وفاة صديق ''عبد الرحمن الشرقاوي'' كان يظن أهله أنه أُلقي القبض عليه.
وبينما في الطريق لدفن ذلك الصديق، اتصل أحد أصدقاء أبيه يخبره أنه وجد الجثمان في معهد ناصر، وبطريق الوصول تغيرت الوجهة إلى مشرحة زينهم حيث ما لبث أن انتقل إلى هناك، وكانت نهاية المطاف، وجد الابن بالفعل أبيه في الثامنة مساء يوم الخميس.
بطابور طويل كما يصفه الابن انتظر برفقة جثمان أبيه حتى يأتي دوره في التشريح، حتى السابعة والنصف صباح اليوم التالي الجمعة 16 أغسطس، ومع عصر ذلك اليوم حيث انتهت إجراءات الدفن، لكن الفكر لم يبرح الشاب ''نفرح إننا لاقيناه وأطمنا إن جثته ما اتحرقتش ولا نزعل عشان أتأكدنا إننا هنكمل حياتنا من غيره''، فوصل إلى إيثار الصمت خاصة أمام كلمات بعض الأقارب ''هو اللي يتمكم بدري''، فالسكوت بات السبيل الوحيد أمام الوجع.
''بابا عمره ما فرض علينا شيء..عشان كده ما قالش حاجة لما مكناش بننزل الاعتصام'' يقولها ''عمر'' مؤكدً أن والده كان موقن بما يفعله، ونقل إليهم هذا الفكر ''حتى أن في انتخابات الرئاسة كل حد فينا كان في حملة''، الابن مرشحًا أبو الفتوح، والشقيقة تدعم حمدين صباحي فيما يؤيد الأب محمد مرسي، والآن يمر العام على وفاة الأب بطلق ناري حسب تقرير الطب الشرعي، لا أمل كبير يعلقه الابن على إظهار الجاني ومحاسبته لكن ''الفكرة أن الناس تحترم اللي مات مهما كان الاختلاف السياسي''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: