إعلان

أولنا ''انفجار'' وثانينا ''فزع'' وثالثنا ''تعايش''.. مصر ''الأمان'' تحييكم

01:41 م الأحد 13 أبريل 2014

أولنا ''انفجار'' وثانينا ''فزع'' وثالثنا ''تعايش''

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – دعاء الفولي:

بالغ ''مصطفى أبو الحسن'' في الاهتمام بمظهره تلك المرة، عالمًا أن وزير الصحة في طريقه للمستشفى، وقف خارج سورها مع زملاءه في انتظار الضيف، يوم ''جمال حسن'' يبدأ بوتيرة لا تتبدل؛ يُملي على صغيرته ''فاطمة'' بعض الحكايات، يبتسم لها مع نسمات صباحها الأولى قبل الذهاب لعمله، ''خلود خيري'' تتحرك جهة الجامعة، بإحدى الأتوبيسات من منطقة إمبابة حيث تقطن، في كلية ''فنون تطبيقية'' تُلقي السلام على الزملاء، دقائق ويتغير الحال، ثلاث انفجارات يسمعها العامل والأب والطالبة وآخرون، كمطرقة تهوي على القلوب كان الوقع عليهم، ''أبو الحسن'' يهرع بغير هوى، ''حسن يحتضن الصغيرة يطمئنها، الطالبة الجامعية تتسمر، لا تدري ما يجب فعله، والهرج يسود المكان.

لا يعرف أيًا منهم الآخر، الفزع جمعهم كلٌ في مكان وموقف مختلف، أصبح الخوف حليفهم، بين الأول الذي هز انفجار قنبلة صوتية أرجاء مستشفى ''قفط''
المركزي، بمحافظة قنا حيث يعمل، الثاني الذي يبعد بيته مسافة قليلة عن تفجير سببته الحكومة بأحد عمارات المعادي، وثالثة شعرت في يوم تعليمي عادي بثلاث قنابل بالقرب من باب الجامعة الرئيسي، اعتقدوا أن أماكنهم في المستشفى والجامعة والمنزل تقيهم خوف القنابل، وأنه ممنوع استباحة أمن أصحابها ولو من خلال السمع فقط.

''كنا واقفين برة المستشفى وفجأة الأرض اترجت تحتنا كأن زلزال''، أول مشهد يذكره ''أبو الحسن'' من واقعة الانفجار، من مسافة بعيدة رأى أحد زملاءه وقد ألقته الرجة لمسافة؛ فأوقعته أرضًا ''لدرجة إننا قلنا إنه اتكهرب''، ما زاد الأمر وطأة هو قُرب موقع المواسير التي وجدت بها الشرطة مواد البارود من مكان قابل للاشتعال ''كان فيه تانك بنزين قريب منه يعني لولا الستر كانت المستشفى ولعت''.

منذ ستة أعوام يذهب الشاب ذو الخامسة والعشرين للمستشفى المركزي، يعمل بالمشرحة فيها ''بستلم الجثث وبنضف المشرحة''، تبدو مهنة عسيرة، تحتاج قوة تحمل أكبر من المعتاد، لم يمنع ذلك حالة الخوف التي انتابته ''احنا كلنا جرينا أول حاجة جت في بالي إنه مش مهم المستشفى ولا أي حاجة مهمة غير إننا نطلع كويسين''، يبعد منزله عن العمل حوالي 60 متر ''عندي في البيت سمعوه كمان''، فأصبح الرعب مضاعف، ومع انتشار الخبر اتصل جميع الأقارب للاطمئنان.

لم يتوقع يومًا أن يمر بذلك داخل المستشفى ''مفروض دة مكان الناس بتتعالج فيه اللي رمى الحاجة دي بيفكر إزاي؟''، الوردية تقتضي بقاءه ليلًا بالمستشفى. منذ الانفجار صباحًا ''قاعد بعيد عنها مفروض ببقى جوة ناحية المشرحة.. خايف أدخل الصراحة''، ما يثير مخاوفه أكثر هو أن المستشفى العام تخدم أبناء الصعيد ''احنا ما صدقنا عندنا مستشفى كويسة وأجهزة حديثة لو حصل لها حاجة الناس هي اللي هتتضر''، قبل أن توجد كانت المنطقة تعاني نقص المرافق الصحية على حد قوله ''دي علامات الساعة والله إننا نوصل إنهم يفجروا مستشفى''.

الإعياء النفسي يصيب ''حسن'' ذو الخامسة والأربعين عامًا، القاطن بالمعادي، بسبب الانفجارات التي تحدث بشكل شبه يومي قريبًا من المحكمة الدستورية، منذ قررت محافظة القاهرة ووزارة الإسكان مارس الماضي هدم عمارات تم بناءها على أرض قيل أنها تتبع شركة المعادي للتنمية والتعمير، بطريقة ''النسف الحذر'' كما جاء على لسان المسئولين، لتسهيل هدمها بالجرافات واللوادر ''أول مرة سمعناها قلنا فيه حرب ولا حاجة''، رغم أن ''حسن'' يفصله عن المنطقة شريط مترو محطة حدائق المعادي إلا أنه يسمعها كأنها بمنزله.

أربع أولاد وأب وأم يقطنون بالدور التاسع، أسرة التاجر الأربعيني لم تعتد أصوات الانفجارات التي تهز المنزل بعد ''خاصة إننا في دور عالي بنحس بيها جدًا''، تساؤلات الأبناء لا تتوقف ''هو ايه دة يا بابا.. هو فيه إيه؟''، عين الوالدة تنضح خوفًا، الوالد يتلجلج لسانه قبل الإجابة الكاذبة ''لأ متقلقوش مفيش حاجة''، يُقنع الرد ''فاطمة'' ذو الأربع سنوات و''محمد'' الأصغر منها، أما ''إسلام'' العشريني وإسراء ذو الستة عشر عامًا فيفهمان ما يحدث ''نفسنا بس حد يهتم.. الناس هنا ذنبها إيه تقوم مفزوعة كل يوم، العيال أعصابها تعبت والله''.

مر على انفجار جامعة القاهرة أكثر من أسبوع، قنبلة تبعتها اثنتان أمام الباب الرئيسي، احتفظت طالبة الصف الثاني بكلية الفنون التطبيقية، برباطة جأشها ''لما اتضربت الأولى اتخضينا جدًا من الصوت بس أنا مروحتش''، إغلاق باب الكلية، وكلمات لتهدئة الطلاب هو ما فعلته إحدى أساتذة الكلية ''الدكتورة قالتلنا اللي وراه شغل يفضل يعمله محدش يمشي''، لم تعود الفتاة إلى منزلها إلا عقب انتهاء اليوم ''اتعودنا على الحاجات دي خلاص''، المناوشات التي لا تخلو منها جامعة القاهرة جعلت الانفجار تأثيره أهون، دفعها ذلك لبعث الطمأنينة في نفس الوالدة المفزوعة ''والدتي اتصلت بيا قالتلي آجي أخدك قلتلها هتيجي تعملي إيه متجيش''.

لن تمنع الأحداث على اختلافها ''خيري'' من النزول إلى الكلية ''تاني يوم اللي حصل نزلت لأن كان عندي شغل''، الضغط في منزلها تفتت مع إقناعها إياهم بأهمية مشروعها الذي تُكمله هناك، حتى الآن لا تعتقد أن ثمة ما يدعو لتوقفها عن الذهاب للتعليم، ''أبو الحسن'' على حافة الرهبة، لكنه سيستمر بعمله في المشرحة، موقنًا أن الأجل لم يأتِ بعد، بينما ينتظر والد الأربع أولاد انتهاء الحكومة من تفجير العمارات لعلَّ الصغار ينسون ما حدث.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان