إعلان

''جرجس" و"هادي".. منسيون في أحداث ماسبيرو

08:08 م الخميس 09 أكتوبر 2014

هادي فؤاد

كتبت-رنا الجميعي:

طرقات بيضاء مليئة بالدم، أقدام تهرول، وأصوات متشنجة من البكاء، مشهد آخر بأحد العمارات، جثث مترامية، منها وجه يبدو عليه الدهس، فبدت ملامحه مشوهة، وفتاة عشرينية بوجه شديد الأسى تُمسك بيد جثة قريب لها، تلك كانت نهاية يوم لم يرغب أحد في انتهائه بهذا الشكل، سمي بمذبحة ماسبيرو، 17 رجلا –على أقل تقدير-  لم يعودوا لأهلهم بعدها، وثلاثة أعوام مرت دون حساب.

قلوب مازالت على العهد، تتذكر من ذهب دون رجعة، البعض ارتبط برباط الدم أو الزواج، فتظل سيرة "جرجس الراوي" على لسان زوجته "جيهان لطفي"، ويتذكر "فؤاد عطية" ابنه الصغير "هادي الراوي" كلما رأى سيارته.

يلعب الصغير "ديفيد" بصوت مشاغب فيما تتحدث "جيهان" عن أبيه، في ذلك اليوم بدا أن "جرجس" خطط للخروج من عمله بأحد الشركات إلى ماسبيرو على الفور، فاتصل بزوجته يبلغها، يعلم أنها لا توافقه في الخروج إلى المسيرات، ولم تكن هي بحال يسمح لها بالاشتراك أيضًا، فقد كانت حامل بعد زواج استمر لثمان أشهر.

حينما علمت "جيهان" أن الضرب يحيط بمسيرة دوران شبرا، اتصلت به ترجوه أن يعود "ارجع يا جرجس"، فرد عليها قائلًا "احنا ربنا معانا"، لم تسمع "جيهان" صوت "جرجس" مرة ثانية بعدها، اتصلت به مرة أخرى لكن التليفون مغلق، بعد ذلك بساعات سمعت باسمه يلفظ ضمن قائمة الشهداء على إحدى القنوات.

لم تركض "جيهان" لتلحق به بالمستشفى، وضع حملها لا يسمح، لأنها ستلد "ديفيد" بعد ذلك باثنتي عشر يوم، أصيب "جرجس" بآلة حادة في رأسه، توفي على إثرها، تحكي زوجته أن زوجها تملكه الحماس والاعتراض لما حدث من اعتداء على كنيسة الماريناب، أصر على المشاركة في الاحتجاج رغم كونه لا يخوض في حديث السياسة "كان بيحب كنيسته ويغير عليها".

 بعض المواقف لا تنساها "جيهان" عن زوجها، ففي الأيام الأخيرة رغب في تسجيل رسالة بصوته لديفيد قائلًا لها "عشان يعرفني لو حصلي حاجة"، لكن ذلك البرنامج الذي رغب في التسجيل عليه كان معطل فلم يسجل شئ، تقول والدة "ديفيد" أن جملة "لو حصلي حاجة" كثر تكرارها في تلك الأيام، منها ورقة تأمين الشغل الذي أطلعها عليها مرددًا نفس العبارة.

قدمت "جيهان" بلاغ للنائب العام ضمن أهالي الشهداء للتحقيق في مذبحة ماسبيرو، حتى الآن لم يحدث تطور في القضية ولم يتقدم أحد في دائرة الاتهام التي تضم "محمد حسين طنطاوي"، متولي شئون البلاد في ذلك الوقت ضمن المجلس العسكري.

يذكر "فؤاد عطية" الهدية التي جلبها لابنه "هادي" بعد حصوله على بكالوريوس نظم ومعلومات، كانوا ثلاثة أشقاء "فادي"، "شادي" و"هادي"، غير أن الأصغر نقصهم بعد الأحداث، تلك السيارة التي طلبها الشقيق الأصغر كتبها باسم شقيقه لأنه كان قاصرًا في ذلك الوقت، وأصبحت السيارة هي الدالة عليه في أوقات تطوعه في مسيرات الاحتجاج السابقة للمذبحة، فقد شهدت تلك السيارة الإصابات التي نقلها "هادي" بها كما قال والده.

السيارة لم تكن رفيقته في ذلك اليوم، لم تنقله حينما أصيب بطلق ناري، انضم "هادي" لأصدقائه في مسيرة دوران شبرا، وما إن بدأ الضرب بمنطقة القللي، على حد قول "فؤاد"، ترجّاه أصحابه للعودة غير أنه أكمل الطريق بمفرده "كانت العيشة مضايقاه"، وحينما اتصل به أبيه رد عليه صوت آخر يقول له "تعالى ابنك في المستشفى القبطي"، ولكن الوالد لم يتمكن من اللحاق بابنه "لما وصلت كان مات".

من حمل "هادي" ذلك اليوم كان زميله في المرحلة الابتدائية، يحكي "فؤاد" أن زميله قدم للعزاء ساردا له أنه لم يكن يعلم بأنه زميله، فالوجه مغطى بالدم، اثنان كان عليه حملهما إلا أنه لم يتمكن سوى من التقاط مصاب واحد، بالمستشفى بعدما خلا وجه هادي من الدم، تعرف عليه.


كان هادي محب للحياة، يحب الكومبيوتر لذا تعلم بكلية النظم والمعلومات، غير أنه لم يستقر بعمل، سنة واحدة تمت بعد تخرجه تنقل فيها حتى رحيله.

ثلاثة أعوام مرت على مذبحة ماسبيرو، وبلاغ معلق لدى النائب العام حتى الآن، أما "فؤاد" فيتهم المجلس العسكري مسئول إدارة البلاد في ذلك الوقت فيما حدث، وبشكل أساسي يدين "حمدي بدين"، قائد الشرطة العسكرية في ذلك الوقت و"إبراهيم الدماطي" نائبه، قائلا "عاوز أعرف مين اللي دهس التاني".

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: