14 عامًا على رحيل ''سمارة''.. ''راقصة'' القصر
كتبت - نوريهان سيف الدين:
14 عامًا على الرحيل، ولا تزال ''سمارة وشفاعات وشجرة الدر ونعيمة ألماظية'' حاضرة في ذاكرة السينما المصرية، سنوات من التألق والتتويج على عرش الرقص الشرقي، تلاها سنوات من النضال النقابي والمعارضة للسياسة والاعتقال، وصولاً إلى ''سنوات أخر العمر'' والوحدة وانصراف الأضواء، ووسط كل هذه الرحلة، حملت ''تحية كاريوكا'' كثير من ''كواليس'' الزواج والإشاعات والدموع والبسمات.
''كاريوكا'' أو ''بدوية محمد علي النيداني''، الفتاة ذات 14 عامًا الهاربة من السويس من قسوة الأخ وزوجته، ولا ترى وجهة لها سوى ''الست محاسن الراقصة'' التي تعرفت عليها في أحد أفراح بلدتها، اجتذبتها ''محاسن'' ودربتها على الرقص مقابل ''3 جنيه شهري''، قبل أن تذهب إلى ملكة الاستعراض ومدرسة النجوم ''بديعة مصابني'' وتنضم لفرقتها.
ذات ليلة عام 1940، رأها ''سليمان بيك نجيب - الممثل السينمائي ومدير الأوبرا الملكية''، ترقص رقصة ''النادوجا الأفريقية''، فتعهدها بالرعاية و قدمها لمدرب الرقص الشهير ''إيزاك ديكسون''، ليدربها على رقصة ''الكاريوكا اللاتينية''، وهي التي التصقت باسمها طيلة حياتها، ودخلت ''تحية'' لدنيا السينما من خلال الرقص ثم التمثيل، وتقدم أول أفلامها ''الدكتور فرحات 1935'' إخراج توجو مزراحي، وكان أشهر أدوارها في مطلع شبابها دور ''لعبة'' أمام ''نجيب الريحاني'' في ''لعبة الست 1946''.
''راقصة القصر الأولى''.. اشتهرت ''تحية كاريوكا'' بإحيائها للحفلات داخل القصور الملكية (مثل زفاف الملك فاروق والملكة فريدة)، وأمام ضيوف مصر الكبار، إلا أنها لها مواقف لا تنسى، مثل رفض الرقص أمام ''أتاتورك'' في بيروت بعد إهانته للسفير المصري، وإهانة أحد الأمراء في مصر بعد أن ناداها ''خدي يا بت''، ولكن حتى هذا الوقت لم تكن مختلطة بالسياسة ولا تشغل بالها.
الاحتكاك الأول بعالم السياسة والمعارضة كان مع ''أنور السادات''، بعد اشتراكه في اغتيال ''أمين عثمان'' وهروبه، ليختبئ في بيت ''تحية''، وقبل ثورة 23 يوليو، وأثناء مشاركتها ضمن ''قطار الرحمة''، تزوجت من الضابط بسلاح الفرسان ''مصطفى كمال صدقي – أحد أعضاء الحرس الحديدي''، والذي اعتقل بتهمة ''قلب نظام الحكم''، واعتقلت معه زوجته ''تحية''، وبقيت أيامًا في السجن دون ذنب، وهذا ما جعلها تناصب العداء لـ''نظام عبد الناصر'' رغم تصريحها بأنها ''تحب عبد الناصر جدًا كزعيم بينما نظامه فاسد''.
''راقصة تتقن الإنجليزية والفرنسية وتقتني مكتبة قيمة''.. ليس من قبيل المباهاة، ولكنها أرادت أن تكون ''راقصة ذات شخصية خاصة''، وإقبالها على القراءة شكّل لها تفكير قيّم، وأدمجها لتكون ضمن ''المعارضة'' للنظام، وتشترك في أحد التنظيمات الشيوعية، وتدخل المعتقل أكثر من مرة، وفي السبعينات تشترك في اعتصام اتحاد النقابات الفنية وتضرب عن الطعام، ويكرمها ''السادات'' عن مسيرتها الفنية وتقديمها لمسرحيات ذات طابع نقدي سياسي مثل ''روبابيكيا ويحيا الوفد'' مع زوجها ''فايز حلاوة''، وتشارك في وفود مصر في مهرجانات فنية دولية، وتنسحب من إحدى المهرجانات بعد معرفتها بمشاركة ''وفد عمل إسرائيلي'' بعد العدوان الإسرائيلي على مصر، وتعود لتجمع تبرعات للجيش.
''16 زوج'' احتلت بهم ''كاريوكا'' المركز الأول في قائمة أكثر الفنانات زواجًا، من بينهم ''رشدي أباظة ومحرم فؤاد وفطين عبد الوهاب والمذيع أحمد سالم والمخرج حسن عبد السلام''، وكانت جميع الزيجات تنتهي بالخيانة، مما جعلها تكره جسدها وتهمله ليزداد وزنها، خاصة بعد تعب ظهرها أثناء تصوير فيلم ''شباب امرأة'' ونصيحة الأطباء لها باعتزال الرقص.
أكثر من 300 فيلم سينمائي وعدد من المسرحيات والأعمال التليفزيونية والتكريمات، وكادت أن تشارك في ''سينما هولييوود''، لكن مرض والدتها و حرب فلسطين 1948 أوقفت هذا الحلم، لكن ''العالمية'' كانت حليفتها حين ذهبت لمهرجان عالمي بـ''الجلبية البلدي والملاية اللف''، وتلتقطها عدسات المجلات الأجنبية بالزي البلدي المصري.
سنوات النهاية آثرت فيها الإنزواء، وداهمها المرض وضاقت ذات اليد دون أن تجد مورد رزق لها، لكنها رفضت أن تعيش على المعونات، ورحلت بعد غيبوبة وضيق تنفس في الثلاثاء 20 سبتمبر 1999، لتترك إرثًا من الفن والسياسة والأسرار.
فيديو قد يعجبك: