"صالح" أصغر جاسوس في العالم.. هزم إسرائيل بـ"البيض"
كتبت - نوريهان سيف الدين:
لم يكن هو المقصود بالتجنيد لصالح المخابرات، إلا أن "فكرة مجنونة" خطرت ببال الضابط، جعلته يستميل "الابن" بدلاً من "الأب"، ويدرب "صبي" لم يتجاوز عمره حينها 11 عامًا ليكون عينًا لرجال المخابرات داخل معسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي بسيناء، وكانت الخطة تكمن في "بيضة".
"صالح عطية - أصغر جاسوس بالعالم".. كانت حياته كلها تدور في فلك رعاية أغنام والده "الشيخ عطية" البدوي السيناوي، إلا أن طفولته تفتحت على مرار "نكسة 67"، وشعر أن هناك خطرًا يحدق بهم، وتمنى حينها أن يكبر ليطرد هؤلاء الجنود العابثين بأراضي قريتهم، والمنكلين بكل من يحاول مقاومتهم.
في 1968، جاء لسيناء أحد ضباط المخابرات المصرية يدعى "كيلاني"، متنكرًا في زي أعرابي يتاجر في المخدرات، وافتعل حيلة "العطش و الإعياء" بجوار بئر مياه ملاصق لدار "الشيخ عطية"، فاستضافه الشيخ وأكرمه، وكان هدف الضابط "تجنيد الشيخ" ليكون مرسالاً لهم بالمعلومات عن تحركات جنود الاحتلال وغيرها من الأمور، لكن "الشيخ عطية" كان حريصًا في الحديث مع الأغراب، وكان "الصبي صالح" يقوم بخدمة الضيف الأعرابي ويلاعبه؛ فخطر ببال "كيلاني" أن يستهدف "الطفل"، فلن يشك به أحدًا، وبالفعل لقنه دروسًا بسيطة في التخابر وكيفية الحصول على المعلومات.
رحل "الأعرابي تاجر المخدرات" عن "دار الشيخ عطية"، واتفق سرًا مع "الطفل صالح" أن يلتقيا عند إحدى الصخور الكبيرة بالصحراء قرب الشاطئ في يوم معلوم، وفي الموعد؛ جاء الضابط ولم يأت الطفل.
شعر "كيلاني" بأن الخطة فسدت وأن الطفل لن يأت، وساوره الشك كثيرة، إلا أن وجهه تهلل بعد رؤية خيال بعيد نحيف يجري وسط الرمال حاملاً "فرخة" وبعض "الأغنام" تسير من خلفه، ولما سأله الضابط عن سبب تأخيره، أجاب "صالح": "استنيت الوقت المناسب عشان محدش يشوفني و يكشفني"، واستشعر الصبي الصغير خطورة و سرية دوره، وهنا فكر الضابط في "حيلة" تسمح للصبي بحرية أكبر في التحرك دون أن يكشفه أحد.
"الدجاجة التي تبيض ذهبًا".. كانت مهمة "صالح" هي تربية دجاج والدته "الست مبروكة" ورعي أغنام والده "الشيخ عطية"، وفكر "الضابط كيلاني" أن "تجارة البيض" داخل معسكر جنود الجيش الإسرائيلي ستمكن "صالح" من الدخول والخروج وجلب المعلومات، وكانت فكرة عبقرية، استطاع من خلالها "صالح" من تكوين بعض الصداقات مع جنود الاحتلال، وتحدثوا معه ولم يشكوا في براءته، أو أنه يعي جيدًا ما يقولون، لكن "صالح" كان "ريكوردر" يحفظ ويسجل كل ما يسمعه أو تراه عيناه داخل المعسكر، وكان أقرب الجنود صداقة منه، جندي ذا أصل يمني يدعى "جعفر".
لأكثر من مرة، تعرض "صالح" للضرب والركل وتحطيم بضاعته القليلة من "البيض" و"لبن الماعز"، إلا أن "المخابرات" كانت تمده بمزيد من "كراتين البيض" لمزيد من التردد على المعسكر، ومزيد من الأخبار، وكان يبيع البيض مقابل "معلبات اللحوم والسردين والمربى".
استطاع "صالح" الحصول على معلومات من خلال الرؤية عن أماكن المدافع الثقيلة وأماكن حقول الألغام ومخازن الذخائر والأسلحة، وتردد رجال المخابرات في استخدامه لزرع "أجهزة تصنت" داخل إحدى مكاتب المعسكر، وكانت ترى أنها مجازفة خطيرة بحياة الصبي، لكن "صالح" قبل المجازفة دون تردد، ونجح في لصق أجهزة التصنت في "أرجل السراير والمكاتب"، إلا أن دوره انتهى عند هذا الحد، وقامت المخابرات بتهجيره هو وأسرته في سبتمبر 1973 قبل 20 يوم من اندلاع الحرب.
استقرت أسرة "الشيخ عطية" مؤقتًا في "ميت أبو الكوم - قرية الرئيس السادات"، واندلعت الحرب، لتنتقل الأسرة بعدها للقاهرة، ويعلم "صالح" و أسرته خطورة وأهمية دوره في التمهيد للعمليات العسكرية في موقع عمله، واستدعته المخابرات فذهب إليها هو ووالده، وعندما دخلها، ليكتشف أن "الأعرابي كيلاني" هو "ضابطًا بالمخابرات"، بعدها يكرمه "السادات" ضمن من ساهموا في "نصر أكتوبر"، ويدور الزمان، ويصبح "صالح عطية" ضابطًا بالجيش هو الآخر كما كان قدوته "كيلاني الأعرابي.. الضابط".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك ... اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: