تعليم بلا رقيب.. "مصراوي" يكشف: مدارس خاصة ودولية غير مرخصة تخدع أولياء الأمور
تحقيق - مها صلاح الدين ونانيس البيلي:
من "فيلا" مستأجرة بحي الدبلوماسيين بالشيخ زايد، غازلت مدرسة "إثيوس البريطانية" "هند يوسف" ومثيلاتها من أولياء الأمور، بعروض تنافسية أقل من عروض مصروفات المدارس الدولية بالحي الراقي، وتعاقدات شفافة ترسم خريطة المصروفات المدرسية منذ السنة الأولى، حتى عام التخرج بكل وضوح، إلا أن "رخصة المدرسة" لم تكن ظهرت في الأفق بعد.
"قالولنا الرخصة هتتاخد في شهر 10 مع بداية العام الدراسي، وبعد شهر من بدايته قالولنا احنا واقفين على ختم وإمضاء" وامتد الشهر لسنوات، وفقا لقول هند.
"المدرسة البريطانية" بالشيخ زايد ليست الوحيدة التي زاولت عملها دون تراخيص، حيث يكشف "مصراوي" في هذا التحقيق إنشاء مدارس خاصة غير مرخصة، في غياب رقابة المحليات، ووزارة التربية والتعليم، ما يهدر أموال أولياء الأمور، ويعرض مستقبل أبنائهم للخطر.
"خريطة المدارس الخاصة في مصر"
وفق قائمة مخالفات المدارس، المنشورة على موقع وزارة التربية والتعلم، هناك 18 مدرسة من أصل 100 مدرسة غير مرخصة، تم ضبتها في 2016، إلا أن "التربية والتعليم" ما زالت لا تستطيع حصر المدارس غير المرخصة في مصر، وفق قول المسؤولة عن التعليم الخاص بالوزارة، عبير إبراهيم.
جدول المدارس غير المرخصة تم ضبطها والإجراءات المتخذة ضدها
وفقا للمادة (3) من تعديل قانون التعليم الخاص، الصادر في القرار الوزاري 420 لسنة 2014، لا يجوز إنشاء المدرسة الخاصة أو تشغيلها أو التوسع فيها، إلا بترخيص سابق من مديرية التربية والتعليم المختصة، ووفقا للمادة (4) من القانون نفسه، يجب أن يتوافر مبنى المدرسة الخاصة، ومرافقها الشروط التي بواجبها قانون البناء الموحد من وجوب استخراج رخص البناء، وهو ما لم تلتزم به "مدرسة إثيوس البريطانية"، حتى أصدرت ضدها الوزارة إنذارا بالغلق.
سوء المستوى التعليمي، وغياب خبرة المدرسين أهم المشكلات التي واجهت أولياء الأمور مع "إثيوس البريطانية"، ويفسر ذلك الباحث في المركز القومي للبحوث التربوية، كمال مغيث، بأن المدارس الخاصة غير المرخصة تكون مجهولة بالنسبة لوزارة التربية والتعليم وغير موجودة في سجلاتها، وبالتالي لا تخضع لأي رقابة من الوزارة، بينما المدارس المرخصة يتم مراقبتها على المستوى المالي والإداري والفني.
فالوزارة بحسب مغيث، توفد مفتشا إداريا يتأكد من كفاءة ومؤهلات المعلمين بها، بجانب مفتش مالي يراجع المصروفات والنفقات، وعلى المستوى الفني يتم مراقبة المناهج الدراسية والتأكد من السير بنفس معدل المدارس الحكومية، مضيفا بحزم "أي حاجة غير كده تبقى تلاعب".
كان بناء محطة خرسانة بجوار المدرسة، وتعرض حياة ابن صديقتها للخطر بالمدرسة، القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لهند، فهمّت بسحب أوراق ابنها من المدرسة، تجنبا للمزيد من الخسائر، إلا أن حتى "رياح النقل" لمدرسة أخرى لم تأت بما تشتهي السفن في اللحظة نفسها، فرفضت إدارة المدرسة منح هند شهادة ولدها، بسبب عدم قدرتهم على اعتمادها من الوزارة، كون المدرسة غير مرخصة، ومن ثم خاضت هند مشوار تقديم الشكاوى للوزارة، حتى نجحت في استخراج الشهادة.
"إحصائيات مستوى الإدارات المدرسية 2010 - 2016"
ينظم الفصل الثالث من قانون 420 لسنة 2014، الخطوات الملزمة لاستخراج تراخيص المدارس الخاصة والدولية في المواد "7 و8 و9 و10 و11 و12 و13"، وعلى الرغم من أن المادة "14" تنص على أنه عند ثبوت قيام المدرسة بمخالفة تلك الالتزامات، فإنه يتعيّن على الوزارة والمحافظ إنذار المدرسة لإزالة المخالفة، مع منحها المدة الكافية التي تحدد لها في الإنذار، بحسب نوع المخالفة، وإذا تمادت في المخالفة، يتم وضعها تحت الإشراف المالي والإداري.
وعلى الرغم من أن قانون التعليم الخاص، يحظر افتتاح أو إنشاء مدارس خاصة ودولية قبل إصدار التراخيص، إلا أنه لا يعطي وزارة التربية والتعليم الحق المباشر في غلق المدرسة أو الرقابة على مدرسة أنشئت دون تراخيص، فتقوم الوزارة بإصدار "قرار غلق إداري"، وإخطار الحي من أجل تنفيذه، وفقا لمديرة التعليم الخاص بوزارة التربية التعليم، عبير إبراهيم.
"صورة من الجريدة الرسمية بمواد القانون"
"أنا بعتبر المدرسة دي سنتر تعليمي في أسوأ الظروف وخلاص" هكذا أعرب محمد سماحة عن استيائه من تقييد مستقبل أبنائه بمدرسة "الروضة الخاصة بالخانكة"، بمحافظة القليوبية، الذي اكتشف حينما استلم شهادة ابنه الأكبر في الصف الأول الابتدائي، أنها معتمدة من مدرسة أخرى ليس له بها أي صلة، إلا أنه بعد حيرة وتفكير، قرر ألا يسحب أوراق أبنائه منها نظرا لتدني المستوى التعليمي في المدارس المحيطة به.
"مستوى التعليم الأساسي في مصر منذ 2010 حتى 2017"
لهذا رافق "مصراوي" سماحة لمواجهة نجوى سمير، صاحبة مدرسة الروضة الخاصة بحي الخانكة، بمحافظة اللقيوبية، والتي لم تنف أنها لم تحصل على تراخيص للمدرسة منذ إنشائها في 2014، زاعمة أنها تقدمت بالأوراق للحصول على ترخيص جزئي بمباشرة العمل من العام نفسه، من محافظ القليوبية في حينها، اللواء محمد عبد الظاهر، إلا أن المجلس المحلي بالمحافظة أنكر تقدمها بأي أوراق.
صدر قرار غلق إداري ضد المدرسة في 2016، تم تنفيذه من قبل الحي، إلا أن أولياء الأمور ضربوا بالقانون عرض الحائط، حرصا على مستقبل أبنائهم، وقاموا بفك الشمع الأحمر، وفقا لصاحبة المدرسة، ما جعل "المدرسة غير المرخّصة" تستأنف عملها حتى الآن، دون أي علاقة أو رقابة من وزارة التربية التعليم، لتجزم بلهجة حاسمة "المدرسة غير تابعة لوزارة التربية والتعليم"، معترفة بأنها تقوم بتسجيل الأبناء بمدرسة أخرى -تابعة للوزارة- حرصا على مستقبلهم، لحين الانتهاء من أزمة التراخيص.
"كلام المدرسة مش مقنع بالنسبالي، بس هو ده الوضع الحالي" أعرب "سماحة" الذي يدفع سنويا قرابة الـ 10 آلاف جنيه مصروفات لأبنائه مقابل إلحاقهم بتلك المدرسة، عن قلة حيلته، مؤكدا أنه يعلم أن مشكلة المدرسة لن تُحل، مشيرا إلى أن إدارة المدرسة لوّحت لهم بعدم اكتراثها بالأمر أثناء الأزمة "اللي عايز يحوّل ولاده يتفضل"، إلا أن نقل الأبناء من المدرسة إذا لم ترخّص خلال العام القادم، هو الملاذ الآمن، من وجهة نظر ولي الأمر.
وفي هذا الإطار تضيف، مسؤولة التعليم الخاص بوزارة التربية التعليم، عبير إبراهيم، أن أولياء الأمور يقع عليهم جزء من المسؤولية، فالوزارة لا يمكنها الكشف عن المدارس غير المرخصة، دون التقدّم ببلاغ منهم، لاتخاذ قرار، تحيله فيما بعد إلى الحي، لتنفيذه، كما أشارت إلى أنها لا يمكنها تنفيذ أي قرارات، أو حتى الرقابة على تلك المدارس لكونها غير تابعة لها، فليس من حق الوزارة دخولها من الأساس قبل تنفيذ الجزاء من المحليات.
واجه "مصراوي" مدير المكتب الفني بوزارة المحلية، المهندس محمد السيد، باستمرار العمل في مدرسة "الروضة" بالخانكة، رغم صدور قرار الغلق الإداري، ليقول بلهجة حازمة "مش من حق حد يفك الشمع الأحمر مع على المدارس الخاصة غير المرخصة إلا بحكم محكمة"، مستنكرا مزاولة النشاط دون تراخيص من وزارة التربية والتعليم، ومن الأحياء، أو حتى ترخيص المبنى بعد إنشائه.
ويرى "السيد"، تقاعس الحي في عدم متابعة قرار الغلق الإداري، عبر عدم أداء دوره في المراقبة والمتابعة الميدانية، كما لم ترصد وزارة التنمية المحلية أي بلاغات من المواطنين بشأن مدارس غير مرخصة، ويعتبر السيّد ذلك أمرا صعب الحصر على رؤساء الأحياء، لكون تلك المدارس غير مسجّلة لديه أو تابعة له، كما أنه يتعيّن على رؤساء الأحياء إذا رصدوا فك الشمع الأحمر، إبلاغ النيابة، واتخاذ الإجراءات اللازمة، أو سيقع رئيس الحي قيد مساءلة قطاع التفتيش والمتابعة الرقابية بالوزارة، ويتخذ ضده الجزاء المناسب، سواء بلفت النظر، أو الحرمان من الترقيات.
استفاق عمرو السكري، وأقرانه من أولياء أمور مدرسة القرية الذكية، من حلم أول مدرسة دولية غير هادفة للربح، أسستها الزوجة السابقة لرئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، منى أبو العلا، في 2007، على كابوس نقل أبنائهم إلى مدرسة "نيو جيزة" الهادفة للربح التي يتولى مجلس إدارتها، شريف أحمد نظيف وعمرو السجيني، غير المرخصة، سوى لفصل واحد، بعقد استضافة من الباطن، في العام الماضي.
اندلعت الحرب بين إدارة المدرسة الجديدة، وأولياء الأمور حيث ألغت لهم عقودهم الدائمة والخصومات المتفق عليها، وضاعفت المصروفات الدراسية، لتتجاوز مصروفات الطفل في الصف الأول التمهيدي الـ 100 ألف جنيه، بحجة تغيير النظام الدراسي إلى نظام الباكالوريا الدولية، التي لم تحصل المدرسة على تراخيصها حتى الآن.
تجاوزت الأمر حدود الاعتراض على المصروفات الدراسية، حينما اكتشف أولياء الأمور أن إدارة المدرسة نقلت أولادهم إلى المدرسة الجديدة، واستغلت اسم "المدرسة القديمة"، كي تقيدهم رسميا، ناهيك عن استغلال موارد "الأولى"، حيث كشفت إدارة المدرسة الحصول على 30 مليون جنيه من ميزانية مدرسة القرية الذكية، سيتم ردها مع انتهاء عقد الاستضافة، وهو ما جرّمته اللجنة المبعوثة من الإدارة التعليمية ولجنة التعليم بمجلس النواب، كون المدرسة غير مرخصة لتستوعب ذلك العدد.
وتقدمت عضوة لجنة التعليم بالنواب، النائبة رشا إسماعيل، بطلب إحاطة لوزيري التربية والتعليم والتضامن، وفقا لتصريحها لـ "مصراوي"، بهدف حل الأزمة وإنقاذ أولياء الأمور، كما أكدت النائبة، أن الإدارة التعليمية كان من المفترض أن تصدر قرار وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري منذ شهر مضى، إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن.
تضيف النائبة بامتعاض أن مجلس النواب شكّل لجنة لحل مشكلات المدارس الخاصة منذ شهرين كاملين، إلا أنها لم تأت ثمارها حتى الآن، وفقا لقول إسماعيل، على الرغم من كونها عضوة بها، إلا أنها ترى اللجنة التي من المفترض أن تنتبه لمشكلات أولياء الأمور، لا تستمع سوى إلى إدارات المدارس.
"ترتيب مستوى النظام التعليمي بمصر"
وعن الإجراءات الصورية التي تتخذها التربية والتعليم بشأن المدارس الخاصة والدولية غير المرخصة، قالت النائبة، إن من يجب أن يوجّه له هذا السؤال هو الوزارة، مختتمة بقولها "أنا كجهة رقابية عملت اللي عليا، وراقبت، روحوا اسألوا الجهات التنفيذية عن التنفيذ".
لهذا توجّه "مصراوي" برفقة ثلاثة من أولياء الأمور الطلبة بمدرسة "القرية الذكية"، الذين تم نقلهم جبرا لمدرسة "نيو جيزة" إلى وزارة التربية التعليم، لمواجهة المسؤول عن التعليم الخاص بالوزارة، إلا أن الأمر لم يكن سهلا، فمديرة إدارة التعليم الخاص، عبير إبراهيم، لم تكن قد استلمت منصبها الحالي سوى منذ يومين من تاريخ المقابلة، وهو ما جعلها تتردد قبل الموافقة على إجراء المواجهة، التي أكدت خلالها أنها لم تكن على علم بتلك الأزمة.
ومن ثم استعانت بمسؤول الشؤون القانونية بالوزارة، الذي نفى صدور قرار وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري، في تضارب مع توصيات لجنتي الإدارة التعليمية والتعليم بمجلس الشعب حتى الآن، واختتمت إبراهيم حديثها بأنها منوطة بإصدار القرارات ضد المدارس المخالفة، لكنها لا يجب أن تسأل عن التنفيذ، لكون المدارس غير المرخصة غير تابعة لها من الأساس.
وحتى تغليظ رقابة الأحياء، وتمكين وزارة التربية والتعليم من تنفيذ قرارات مباشرة على المدارس غير المرخصة، والمخالفة، سيظل أولياء الأمور فريسة استغلال تعليم خاص ودولي بلا رقيب، وسيظل مستقبل أبنائهم يداهمه الخطر.
فيديو قد يعجبك: