قصة "التوربيني".. قطار الأثرياء الذي توقف في زمن الاقتصاد الصعب
كتب – عبدالله قدري:
أصبح قطار التوربيني السريع الذي يربط بين القاهرة والإسكندرية في طي النسيان، فعلى مدار أكثر من ربع قرن، ظل القطار يشغل مكانة كبرى بين الركاب والعاملين في السكة الحديد، لما له من مميزات متفردة عن غيره من القطارات.
القطار الذي تم توريده من فرنسا إلى مصر سنة 1982 من شركة ANF الفرنسية كقطار فائق السرعة، تم بيعه في مزاد أقامته هيئة السكة الحديد في حضور مندوب من وزارة المالية ومستشار بمجلس الدولة منذ أسابيع، لينتهي بذلك أكثر من ربع قرن قضاها التوربيني على أسطول السكة الحديد.
حكايات التوربيني على لسان محبي القطار من الركاب أو السائقين لا تنقطع، فالقطار الذي بلغ عمره الآن 35 عامًا، يحتل مكانة فريدة في قلوبهم، نظرًا لسرعته التي تبلع نحو 160 كم/ س ونظافته التي يتميز بها دون غيره من القطارات.
يقول شريف ياسين – أحد ركاب القطار – إن آخر مرة استقل فيها التوربيني كانت منذ 15 عامًا، مشيرًا إلى أن هذا القطار "كان أروع قطار مكيف ركبته في مصر"، فالتوربيني – حسبما يقول ياسين – كان مميزًا جدًا من حيث النظافة وسرعة وصوله إلى محطة النزول.
كان القطار يصل من القاهرة إلى الإسكندرية، ويتميز عن غيره من القطارات بأن محركاته توربينه مثل الطائرات، وليست احتراق داخلي مثل محرك السيارات، وهو ما يحافظ على البيئة أيضًا من جانب آخر، لكن التشغيل السيء للقطار وتكبيده خسائر كبيرة لخزينة الدولة، وتوقف الشركة الفرنسية عن تصنعيه مما يحول دون توفر قطع غيار، كلها عوامل أدت إلى غياب التوربيني الذي خرج عن الخدمة في 2009، ليبقى في ورش السكة الحديد، ويتم بيعه في مزاد إلى تجار الخردة.
عندما علم ياسين بهذه الأنباء أبدى استيائه، وقال إن "التوربيني كان له هيبة عن باقي القطارات، وكنت بكون في غاية السعادة عندما أشاهده"، مضيفًا أن القطار كان يصل في ساعتين وعشرة دقائق من القاهرة إلى الإسكندرية بما فيها الوقوف في محطة سيدي جابر، بينما يصل القطار المكيف الفرنساوي من القاهرة إلى الإسكندرية الآن في غضون 3 ساعات وأكثر، حسب جدول التشغيل.
أما حسن عيسى قائد قطار سكة حديد، فكانت له هو الآخر ذكريات جيدة مع التوربيني، خاصة أن القطار – الذي عمل عليه حسن نحو 3 سنوات – كان من الأشياء التي تفتخر بها سكك حديد مصر، مشيرًا إلى أن الدولة خسرت كثيرًا بفقدان هذا النوع من القطارات المميزة.
من مميزات هذا القطار التي نالت إعجاب حسن بصفته قائدًا له وميزته عما سواه من القطارات الأخرى، نظافة كابينة القيادة، وسرعته التي كان يصل بفضلها إلى من الإسكندرية إلى القاهرة في ساعتين، بالإضافة إلى سهولة التحكم في قيادة القطار، وتكييف كابينة القيادة، التي باتت شبه معدومة في القطارات الحالية، قائلًا:" كابينة القطارات الحالية في الصيف نار الله الموقدة، وفي الشتاء ثلج".
وعن سبب تسميته بقطار الأثرياء يقول حسن (54 عامًا) أن القطار كان يستقله فنانون وقضاة " فقد شاهدت فنانين مثل يوسف داؤود وسمير صبري وبوسي ومحمد شرف وإسعاد يونس"، وفق قوله، لافتًا إلى أن القطار كان يمثل نموذجًا وقدوة لكل من هو ناجح في عمله.
ويفسر حسن عيسى- الذي قاد التوربيني 3 سنوات- سبب كون القطار نموذج يحتذى به، "لأنه كان سريعًا وشامخًا، فكان كل تاجر أو موظف ناجح يسموه التوربيني، ويطلقوا عليه هذا الاسم، فصار كل من هو ناجح في عمله يطلق عليه التوربيني".
ويؤكد صحة ما ذهب إليه حسن عيسى، تسمية أحد الأفلام السينمائية بـ"التوربيني" بطولة أحمد رزق، حيث سمي بطل الفيلم بـ"التوربيني". وتدور أحداث الفيلم حول شاب يدعى محسن يعاني من حالة "التوحد"، وهو مرض يصيب الإنسان عندما يفقد القدرة في التواصل مع الأخرين، وتحدث بينه وبين شقيقه الأكبر كريم العديد من المواقف من بعد وفاة والديهما. كريم يشبه إلى حد كبير قطار "التوربيني" حيث يسعى دائماً للوصول إلى هدفه بأسرع الوسائل مهما كان الثمن.
فيديو قد يعجبك: