على هامش التعويم.. حيل أصحاب المعاشات: "زوجان انفصلا للبقاء على قيد الحياة"
كتب - هاجر حسني:
قبل 6 أعوام عمل ناصر عبد العزيز كموظف في إحدى جهات القطاع الخاص، قبل أن يُقرر تسوية معاشه بعد إصابته بتهتك في فقرات الظهر وبات غير قادرًا على أداء مهامه الوظيفية، ليُحال إلى المعاش المبكر عام 2010 ويُصبح أحد المستفيدين من المعاشات التأمينية ضمن 9 ملايين آخرين.
167 جنيهًا هو كل ما حصل عليه الرجل الخمسيني في بداية شهور المعاش حتى وصل المبلغ إلى 899 جنيهًا الذي يمثل دخل الأسرة الوحيد: "مراتي مبتشتغلش بس بتحاول تمشي الدنيا بالمعاش وولادي صغيرين واحدة في ثانوي والتاني في 3 ابتدائي"، يقول ناصر الذي أصبح مُجبرًا على مواجهة الأزمة الاقتصادية بهذا المبلغ خاصة مع عدم قدرته على العمل مرة أخرى: "المفروض أعمل عملية في ضهري وخايف من الخطوة دي، وفضلت أربع سنين أجري على المعاش الطبي ومفيش نتيجة".
كمعظم الأسر تُعاني عائلة ناصر من ارتفاع الأسعار بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة مطلع نوفمبر الماضي بتحرير سعر الصرف، وتحريك أسعار الوقود، وما ترتب على ذلك في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ونقصًا بالأدوية والمستلزمات.
تنص المادة 27 من الدستور على أن "يلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقًا للقانون".
اضطرت الأسرة لبدء إجراءات تقشفية داخلية حتى تتمكن من بلوغ نهاية الشهر بسلام، ولجأت في سبيل ذلك لسيارات المواد الغذائية التابعة للقوات المسلحة. "ماشيين على الأد خالص اللحمة والفراخ بقينا نجيبها قليل أوي علشان العيال"، إقامة الأسرة في منزل العائلة خفف أعباء أخرى تعايشها أسر أخرى "مبندفعش إيجار وده يمكن خفف الحمل عننا شوية".
التأثير على العائلة لم يقتصر فقط على الضروريات من مأكل وملبس ولكن عانى منه الأطفال أيضاً كما يقول رب الأسرة "بنتي الكبيرة في أولى ثانوي بيبقى نفسها تاخد دروس زي أصحابها بس مبنعرفش"، وبدلاً من ذلك تلجأ الفتاة إلى الدروس المخفضة بمسجد مجاور.
وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قفز معدل التضخم السنوي في مدن مصر إلى 23.3% خلال ديسمبر الماضي بعد أن وصل19.4% في نوفمبر من العام نفسه، وأظهرت البيانات أن معدل تضخم أسعار الأغذية والمشروبات بلغ 28.3% في ديسمبر المنصرم، في حين بلغ التضخم في قطاع الرعاية الصحية 32.9%، وفي قطاع النقل 23.2%.
لم يختلف الحال كثيراً لدى رضا خضر، فمع بداية العام الدراسي الحالي قرر الاستعانة بعمل يساهم في دعم مصروفاته الشهرية بجانب معاشه الذي يتقاضاه بعد خروجه معاش مبكر من عمله كموظف في المصانع الحربية عام 1990 ليسافر إلى اليونان للعمل هناك، وعندما عاد إلى مصر مرة أخرى بدأ صرف معاشه منذ 8 سنوات.
يعمل رضا حالياً سائقًا لأتوبيس طلاب المدارس حتى يستطيع توفير المتطلبات الحياتية ويساعد أبنائه على الزواج بجانب معاشه الذي يبلغ 800 جنيه، وخاصة في ظل الارتفاع المتزايد للأسعار "عندي ولدين واحد 26 سنة وواحد 24، والاتنين لسه متجوزوش".
قبل موجة ارتفاع الأسعار كانت الأسرة تواجه صعوبة في التأقلم بمبلغ المعاش فلجأ الأب إلى حيلة حتى يستطيع من أجلها زيادة الدخل "انفصلت أنا وأم الأولاد علشان تقدر تاخد معاش والدها ونزود الدخل شوية رغم إن مفيش بيننا مشاكل"، ولكن مع الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة أصبح الأمر صعب رغم ذلك "الأسعار كلها زادت والدخل تعبان"، يقول رضا.
بالعمل الجديد أصبح دخل الرجل الستيني أفضل قليلاً لا يأبه لسنه الكبيرة أو ما يترتب عليه من إرهاق يومياً "أنا راجل رياضي والشغل ده عملي انفراجه، أنا الأول كنت بستلف بنطلون دلوقتي بقدر أجيب واحد من الوكالة".
قبل وفاة زوجها كانت الحاجة صباح محمود تعيش "حياة مرتاحة" كما تصفها، إلا أن وفاة الزوج أتت بحياتها رأساً على عقب، فتتقاضى 250 جنيه معاش الزوج من عمله كسائق في هيئة النقل العام، وببداية أزمة غلاء الأسعار أصبحت تعيش في أزمة مالية.
تعاني السيدة الستينية من عدة أمراض مزمنة جعلت من الـ 250 جنيه مبلغاً لا يغطي حتى تكلفة الدواء "أنا عندي الكبد والسكر والضغط، وعلبة الأنسولين وصل سعرها لـ 70 جنيه".
المساعدات التي تحصل عليها صباح من أبنائها تساهم في مصروفاها قليلاً ولكنها ترى أنها تزيد في المقابل عبئاً عليهم "هم عندهم مسؤولياتهم وابني اللي متجوزش بيديني الفلوس اللي المفروض يتجوز بيها".
المستلزمات اليومية من طعام وشراب أمر لا يُقلق الحاجة صباح فهو آخر شئ ربما تفكر به "إحنا بنقضيها مرة فول ومرة عدس واللحمة بنطبخ عليها وناكلها 3 أيام" ولكن هناك احتياجات أخرى للمنزل وكل ذلك يمثل عبئاً عليها في بداية كل شهر "الفلوس دي أجيب بيهم أكل وشرب وعلاج ولا أدفع منهم كهرباء وغاز، بس هنعمل إيه أدينا بنعيش على الأد".
فيديو قد يعجبك: