مصر والهجرة السرية - ورقة لتحقيق مكاسب سياسية؟
بون/ألمانيا – (دويتشه فيله):
يبدو أن مصر قد أصبحت في عيون الكثيرين البوابة الوحيدة نحو "الجنة" الأوروبية الموعودة. لكن البعض يرى أنها ربما تستغل ورقة الهجرة للتفاوض مع بروكسل حول اتفاق يشبه ذلك مع تركيا، فيما يراه البعض تكتيكا سياسيا موجها لإيطاليا.
ربما باتت مصر تنافس ليبيا من حيث عدد اللاجئين والمهاجرين السريين الذين ينطلقون من السواحل المصرية على متن قوارب، مخاطرين بحياتهم للعبور إلى الضفة الشمالية للمتوسط أملا في حياة جديدة ومستقبل أفضل. وبينما لا تتوفر أرقام دقيقة عن ذلك من جانب السلطات المصرية، عقبت وزارة الخارجية الألمانية على الأمر، وذلك في رد على استفسار من قبل صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية نُشر اليوم الاثنين .
وقالت الوزارة إن عمليات العبور التي انطلقت من السواحل المصرية قد ارتفعت بـ"نسبة 11 بالمائة لتصبح مصر ثاني أهم بلد عبور بعد ليبيا"، وذلك وفق أرقام سُجلت حتى نهاية شهر يوليو/تموز الماضي. الصحيفة ذاتها نقلت عن رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الإيطالية آمريو بارينتي في تصريح له أمام لجنة الشؤون الداخلية للبرلمان الإيطالي في روما بأن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر السواحل المصرية قد تضاعف خلال النصف الأول من عام 2016، مقارنة بأعدادهم خلال عام 2015.
مصر - بلد العبور للباحثين عن الفردوس الأوروبي؟
من جهته، كان فابريشه ليجيري، رئيس الوكالة الأوروبية لحماية الحدود "فرونتكس"، من الأوائل الذين أشاروا إلى تنامي ظاهرة الهجرة السرية عبر السواحل المصرية. ففي نهاية شهر يونيو الماضي صرح لمجموعة فونكه الألمانية قائلا: "مصر بدأت في التحول إلى بلد انطلاق" للمهاجرين، لافتا إلى أن العدد "يناهز ألف عملية عبور على سفن مهربين مصريين باتجاه إيطاليا والعدد في ازدياد".
فما أسباب ارتفاع عمليات عبور البحر المتوسط نحو أوروبا، انطلاقا من السواحل المصرية خاصة وأنها شاقة ومحفوفة بالخطر وتستغرق ما لا يقل عن عشرة أيام؟
محمد الكاشف، باحث في شؤون اللاجئين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة غير حكومية، يعزو تنامي هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة إلى عدة عوامل، منها "تنامي الصراعات في عدد من الدول العربية والإفريقية وتدهور الوضع الاقتصادي في المنطقة دفع بالكثيرين عن الفرار والبحث عن فرص عيش أفضل." أما عن اختيار الكثير من المهاجرين السريين لمصر كدولة عبور، فيوضح في تصريح لـDW عربية قائلا: "بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا وفقدان السيطرة على السواحل الليبية والصراعات التي تشهدها البلاد بين عدة كتائب مسلحة ومتناحرة فيما بينها، بدأ المهاجرون (السريون) يبحثون عن معبر جديد أكثر أمنا"، لافتا إلى أن مصر في نظر الكثيرين البديل الأفضل للعبور نحو أوروبا.
يذكر أنه منذ بداية الربيع تمت نجدة عدد متزايد من مراكب الصيد التي انطلقت من مصر وعلى متنها مئات من الأشخاص، وهم يمثلون 10 بالمئة من الواصلين إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب المفوضية السامية للاجئين. ويوضح الكاشف بأن إغلاق طريق البلقان بعد الاتفاق التركي-الأوروبي قد دفع بالكثيرين، وخاصة من السوريين، إلى البحث عن طرق جديدة للجوء إلى أوروبا، قائلا: "يبدو أن الاتفاق التركي الأوروبي قد أغلق الباب أمام أغلبية اللاجئين للعبور نحو أوروبا عن طريق تركيا واليونان ودول البلقان."
وكانت وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" قد أعلنت الشهر الماضي أن 1450 مهاجرا فقط تمكنوا من الوصول إلى اليونان خلال شهر يونيو الماضي، أي بانخفاض بنسبة 95 بالمائة مقارنة بنفس الشهر من عام 2015. وعزت الوكالة هذا التراجع إلى الاتفاق المثير للجدل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا للحد من تدفق المهاجرين وتشديد الضوابط على الحدود اليونانية-المقدونية.
ويضيف الكاشف قائلا: "كذلك في ظل الاتفاقيات ما بين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية كتونس والمغرب للسيطرة على الهجرة السرية، أصبحت مصر بالنسبة للعديدين المنفذ الوحيد نحو أوروبا".
تهريب البشر "صناعة متطور" في مصر؟
من جهتها نقلت صحيفة "تسايت" الألمانية في عدد صدر قبل بضعة أسابيع القول عن "تيوسداي رايتانو"، من المبادرة العالمية ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود، بأن تهريب البشر في مصر إنما هو "صناعة متكتمة، ناجعة جدا وشديدة الفساد".
ووفقا لمعلومات حصلت عليها منظمتها، فإن المهربين يقومون بنقل المهاجرين السريين على متن سفينة كبيرة، بطاقمها وتجر خلفها قوارب صغيرة، تنتظرهم في عرض البحر.
وعند اقترابها من السواحل الإيطالية تقوم بإنزال هؤلاء المهاجرين السريين على متن القوارب وتتركهم يواصلون رحلتهم بأنفسهم. وبهذه الطريقة يحاول المهربون تضليل السلطات الإيطالية والحيلولة دون معرفتهم من أين أتى المهاجرون السريون ولا من هرّبهم.
وتوضح رايتانو أن "الطريق المصرية نحو أوروبا" هي أغلى بكثير من الطريق الليبية نحو أوروبا، لافتة إلى أن المهاجر السري يدفع ما بين 3000 و5000 دولار للرحلة، فيما لا يتجاوز سعر الرحلة من ليبيا 1500 دولار. ولكنها على الأقل أكثر أمنا من تلك الليبية.
ولكن فيما تعيش ليبيا حالة فوضى عامة، فإن مصر تعد دولة مؤسسات وتحوز على أجهزة أمنية وعسكرية قوية. فأين هي إزاء تنامي ظاهرة الهجرة السرية انطلاقا من سواحل مصر؟
محمد الكاشف يرى أن السلطات المصرية تقوم بعمل كبير للحد من هذه الظاهرة، بحيث يقول لـDWعربية: "الحقيقة (...) هناك نشاط ملحوظ جدا للسلطات المصرية للسيطرة على الحدود الجنوبية والحدود الساحلية الشمالية وما يدل عليها أعداد الذين ألقي عليهم القبض خلال محاولاتهم العبور إلى أوروبا بشكل غير شرعي. بيد أن الإقبال الغريب والضغط الكبير على الحدود المصرية من دول الجوار العربية والإفريقية ومن جنسيات مختلفة كبير. كل ذلك يزيد من الضغط على السلطات المصرية". ويوضح قائلا: "من غير الممكن السيطرة كليا على حدود البلاد. والأكيد أن هناك من تمكن من الفرار والعبور خلسة عبر البحر نحو السواحل الجنوبية لأوروبا".
تكتيك لكسب المال أم لرد الصاع صاعين؟
بيد أن لصحيفة "تسايت" الألمانية في عددها الصادر نهاية يونيو الماضي رأي آخر، حيث أشارت إلى أن السلطات المصرية تدرك تنامي الظاهرة ولكنها لا تحرك ساكنا وبدلا من ذلك "تنتظر أن ترسل إليها بروكسل مبعوثين (للتفاوض)". وتضيف قائلة: "منذ التوصل إلى اتفاق مع أنقرة يدرك صناع القرار في القاهرة أنه يمكن استغلال خوف أوروبا من المهاجرين لابتزاز الكثير من المال".
فيما تلمح صحيفة لاريبوبلكا الايطالية في عددها الصادر مطلع شهر يوليو الماضي إلى أن السلطات المصرية إنما أرادت أن ترد الصاع لإيطاليا بصاعين. وتوضح بأن مصر انتقدت بشدة تأييد البرلمان الايطالي لقرار وقف تزويد مصر بقطع غيار طائرات حربية احتجاجا على ما اعتبرته روما عدم تعاون من القاهرة فيما يتعلق بظروف مقتل الشاب الايطالي جوليو ريجيني.
يذكر أن الأخير اختفى خلال إقامته في مصر مطلع العام الجاري قبل أن يتم العثور على جثته وعليها آثار تعذيب على طريق سريع خارج القاهرة في الثالث من فبراير.
ولفتت صحيفة لاريبوبليكا إلى تصريحات وزارة الخارجية المصرية التي قالت في بيان إن القرار الايطالي بعدم تزويد طائراتها الحربية بقطاع غيار "يستدعي اتخاذ إجراءات من شأنها أن تمس مستوى التعاون القائم بين مصر وإيطاليا ثنائيا وإقليميا ودوليا بما في ذلك مراجعة التعاون القائم في مجال الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط." واعتبرت الصحيفة أن ارتفاع عدد عمليات العبور من مصر إلى ايطاليا هو رد على القرار الايطالي بعدم تزويدها بقطاع الغيار.
الكاشف يستبعد أن تكون هناك نية سياسية وراء الظاهرة، بحيث يقول: ""قد تكون هذه وجهة النظر الأوروبية (...) لكن السلطات المصرية تحاول قدر المستطاع إغلاق الحدود في وجه الهجرة السرية. ولكن تدفق المهاجرين والضغط على السلطات المصرية يفوق طاقة تحملها."
على أي حال، الاتحاد الأوروبي ينوي إجراء محادثات مع القاهرة لمعرفة أسباب تنامي الهجرة السرية انطلاقا من السواحل المصرية.
فيديو قد يعجبك: