طبيبة سورية تروي تفاصيل العمل على بعد كيلومترات من خط النار (حوار)
حوار- هدى الشيمي:
"الاطمئنان نصف الدواء" حكمة قالها أمير الأطباء ابن سينا، ليؤكد أن الحالة النفسية تلعب دورا كبيرا في شفاء المرضى، وتبدل حالهم، فماذا إذا كان كل من الأطباء والمرضى لا يشعرون بالأمان، فقدوا الاطمئنان في مشفى ميداني يفتقر للكثير من المعدات والأدوات الطبية، ويبعد عن خط النار حوالي 6 كيلو متر تزيد وتقل بحسب ظروف الحرب في منطقة أعزاز الحدودية في سوريا .
في مستشفى "السلامة" المدرسة التي حولتها منظمة " أطباء بلا حدود " لمركز علاج، وحاولت إمداد العاملين فيها بأغلب ما يحتاجون لإسعاف المرضى والجرحى في المنطقة، ومن بين العاملين بها الطبيبة السورية ثُريا ، المتخصصة في علاج الأطفال ، ولكنها لظروف الحرب اضطرت لنقل اقامتها إلى تركيا ، لتعيش هناك ليلا ثم تعود في الصباح إلى محل عملها، ولكن قبل الوصول إلى أرض الوطن تتعرض الطبيبة وزملائها إلى مرحلة تفتيش دقيق قد ينتج عنها بعض المضايقات.
تقول ثريا إن بسبب وجود المستشفى بالقرب من منطقة الاشتباكات بالريف الشمالي لحلب، أحيانًا ما يحدث إجلاء للمرضى عند اقتراب القتال لمسافة ثلاث كيلومترات، عن طريق تحويلهم مع المسعفين إلى مستشفيات أخرى، وتؤكد أن حالة الإجلاء تضع المستشفى في حالة حرجة، فأحيانا ما يخبرون المريض بأنهم لا يستطيعون تدبير العلاج اللازم له، أو توفير ما يحتاج، فيرسلوه إلى مشفى آخر، مثلا إذا ذهبت إليهم امرأة حامل لا يستطيعون تركها تلد هناك، لأن الاشتباكات قد تصل إلى المستشفى في أي وقت، "ممكن يدخلوا علينا لا قدر الله في أي وقت".
نزوح ما يقرب من 170 ألف شخص من الريف الشمالي إلى أعزاز ، زاد الأمر صعوبة، وأثقل الحمل على عاتق الأطباء في "السلامة"، حيث عاش النازحون في الشوارع، ووصل عدد المرضى في العيادات 500 مريض على أقل تقدير، ولم يكن يعمل سوى 3 أطباء، فتضاعف عددهم وأصبحوا 5 أو 6 أطباء، يعملون على تنظيم الأمور والاستجابة للاحتياجات الماسة من هذا العدد الكبير في المكان. ومن بين النازحين كان هناك أشخاص يعملون في طاقم المستشفى، فسكن الممرضون بخيام بجانبها، وخاصة في منطقة الرفعة لأنهم لم يستطيعوا الحصول على منازل، "والله كنا بنبكي على الأطباء والممرضين، كانوا ولاد عز وهلأ صاروا في حالة مزرية"، وأصبح أطفال كثيرون بدون أهلهم، منهم من ضاع من والديه، ومنهم من مات أو استشهد.
وفي شهري نوفمبر وديسمبر انتشرت الاوبئة وأصيبت أعداد كبيرة بالإسهال لسوء الصرف الصحي، وانتشرت أمراض كـ"الانتان البولي"، و"ذات الرئة"، و"التهاب اللوزات" لضعف الخيام، وتتذكر ثُريا أن زميلة لها جاءت العمل وملابسها مبتلة، وقالت لهم إن الخيمة طارت من شدة الهواء، فأصبحوا جالسين في العراء.
كما أصابت الحرب بقسوتها الأطفال بأمراض ناتجة عن الخوف والرعب، مثل التبول اللا إرادي، تستشهد الطبيبة السورية بحالات عُرضت عليها خلال الفترة الماضية، فهناك طفلة عمرها حوالي سنة "كانت بتقول ماما وبابا بطلت تحكي من كتر الخوف"، كما يتأثر سلوك الصغار فيصبحون أكثر عدائية، أو يصابون بضعف السمع نظرا لعلو واستمرار صوت القصف، وانتشار صوت الطلقات النارية. في إحدى المرات وقعت قذيفة على بعد حوالي 5 كيلو متر، فاهتزت المستشفى بشدة، وكادت الأبواب والنوافذ أن تنخلع، "حسينا إن المستشفى طارت بينا، فنزل الكثير للمخابئ، وغادر المرضى المستشفى.
صرح نقيب أطباء سوريا، عبدالقادر الحسن منذ ثلاثة أشهر، أن حوالي 7 آلاف طبيب سوري من أصل 33 ألف طبيب منتسب للنقابة غادروا البلاد، وأعداد كبيرة جدا منهم انتقلوا إلى دول أوروبية خلال سنوات الحرب، لقسوة الظروف، وتأثير ذلك عليهم من الناحية النفسية قبل الجسدية، فأصعب شيء قد يواجهه الطبيب هو شعوره بالعجز أمام مريض يتألم أمامه، وتؤكد ثُريا إنها تلقت عروض للعمل في مستشفيات ألمانية، إلا أنها فضلت البقاء في سوريا، وفي هذه الفترة تحاول مع زملائها تقوية أنفسهم، بأن يكونوا يد واحدة، يفعلون ما يستطيعون فعله، فشعورهم بالواجب نحو علاج أبناء بلدتهم هو ما يجعلهم مستمرون في العمل رغم فرص الخروج من منطقة الخطر، "إللي بنقدر نعالجه ما بنتأخر، وإللي ما بنقدر بنبعته على تركيا"، مؤكدة أنهم باتوا لا يفكرون أبدا في المستقبل أو المجهول، بل تركوا كل شيء للقدّر.
جولة داخل مستشفى السلامة السورية:
فيديو قد يعجبك: