إعلان

مقابلة- السناوي: السيسي ليس عبد الناصر.. وثورة يناير استرداد لمشروع يوليو الوطني

06:11 م السبت 23 يوليو 2016

الكاتب عبدالله السناوي

حوار – سامي مجدي وأحمد جمعة ومصطفى ياقوت:

تصوير – محمود بكار:

كعادته، وصل الكاتب عبدالله السناوي في موعده إلى إحدى (كافيهات) منطقة الزمالك المفضلة بالنسبة له، كنا قد أخبرناه بموضوعنا الذي سنحاوره من أجله، وافق على الفور. جلسنا متجاورين، وبدأنا في النقاش حول ما وصفه بـ"الحدث الأبرز في التاريخ المعاصر".

جال الكاتب الناصري الهوي يتصفح أوراق 23 يوليو 1952، يُدقق في مشروعها الأبرز "ملف العدالة الاجتماعية"، لم يرفض سؤالًا، وتحدث بالقول جازمًا؛ إنه مهما كانت الانتقادات الموجهة إلى نظام ما بعد 23 يوليو فإنها تظل الحدث الأبرز في التاريخ المصري الذي يهتم بمشروع العدل الاجتماعي، وإزالة الفوارق بين الطبقات.. وإلى نص الحوار.

* بداية.. كيف رأت ثورة يوليو مفهوم العدالة الاجتماعية وسبل تنفيذها؟

لا يوجد في التاريخ المصري كله، تجربة مصرية اجتماعية بالعمق الذي كان في 23 يوليو 1952، من حيث حجم الاتساع وكم المستفيدين منها، وتغييرها للبنية الطبقية للمجتمع، وأعتقد أنها ستظل التجربة المصرية الأفضل، رغم كل ما لاحقها من تساؤلات.

واستطاعت مصر تحقيق أعلى معدلات نمو بين دول العالم الثالث آنذاك، قدرت بـ6.7، وفق تقرير الأمم المتحدة، كمان أن معدل النمو في الخطة الخمسية الأولى لثورة يوليو، صاحبه بناء واسع للمصانع، وخدمات مقدمة للمواطن المصري في الصحة والتعليم، والحقوق الاجتماعية.

وبصرف النظر عن الأخطاء الفادحة للنظام الناصري الذي مكن –ولو بالتآمر- لعدوان عسكري على مصر ، لكننا بالتأكيد أمام نظام كرس جهوده للمجتمع المصري والمواطن، صاحبه حراك اجتماعي واسع، وقوة اقتصادية مكنت مصر من دور إقليمي كبير، واستقلال اقتصادي يعد هو الوجه الآخر للاستقلال السياسي؛ فالديمقراطية الحقيقية تتأسس على عدالة اجتماعية وأوضاع اقتصادية متماسكة.

* ماذا تبقى من العدالة الاجتماعية لثورة يوليو؟

أعتقد أن هناك أبحاثًا اقتصادية عديدة عن نتائج نجاح البرنامج المصري، ومعدلات النمو والاستقرار الاقتصادي، وتكامل فكرة التصنيع الثقيل، والمستشفيات، والحق في الصحة والتعليم المجاني.

كما أن هناك إقرارًا غير مباشرًا بقيم الحقوق الاجتماعية الأساسية، كحقوق المساواة وقيمة العمل، والعدالة في التوزيع، وتوفير فرصة هائلة لإيصال طبقات واسعة لمصاف الآدمية، حيث أن المواطن المصري قبل يوليو لم يكن له وجود فعلي، وكانت الأقليات الاجنبية هي من تملك أغلب ثروات البلد.

ويجدر بنا القول أن أي تجربة اجتماعية قد تنتكس، لكن إقرار الحقوق هي المشكلة التي عانت منها النظم التالية لثورة يوليو، حيث تبنوا سياسات اجتماعية تصادمت مع مبادئ يوليو، وهو ما مثل مصدرًا رئيسيًا من مصادر قوة عبد الناصر، لأن المصريين ظلوا ينظرون له أنه أبو الفقراء.

* هل أدت سياسات عبدالناصر لإشعال الصراع الطبقي في المجتمع؟

أي ثورة هي عمل اجتماعي جراحي، وثورة يوليو حملت مفارقة فريدة، لأنها في أي تعريف كلاسيكي هي انقلاب عسكري، لكنها في الوقت ذاته هي الثورة الوحيدة في التاريخ المصري من حيث قدر التغييرات والتعديلات الجوهرية التي أحدثتها، ومدى تغيير هيكلية المجتمع، وحجم تأثيرها وتغيير موازين القوى، في حين أن ثورات 1919، و25 يناير، و30 يونيو، هي انتفاضات حقيقية طالبت بالتغيير الاجتماعي، لكنه لم يتحقق.

كما أننا كنا أمام أوضاع بائسة للغالبية العظمى من المصريين، وشعب لا يجد قوته ولا أبسط حقوقه في الحياة، في ظل أن الكلمة الأولى والأخيرة كانت لملاك الأراضي، فلم يكن ممكنًا لمصري عادي التجول في منطقة وسط البلد، ولم يكن ممكنًا لفلاح أن يمر أمام سيده دون أن ينزل عن دابته، وإلا كان ليواجه أشد العذاب.

رجل أعمال كبير دائمًا ما يُهاجم جمال عبدالناصر في جريدته، قال لي مرة "أنا عبدالناصر هو البطل الحقيقي لحقوق الإنسان في مصر. أنا لا استطيع الآن أن أفعل في سائق سيارتي كما كان يحدث من قبل لأنني إذا لطمته فسوف يلطمني وسيذهب إلى القسم".. هذا المثال صحيح، وهذا كان تفكير عبدالناصر في توزيع الأراضي الزراعية، لأن المصري دائمًا ما كان عنده عقدة الأرض، وهذه كانت مسألة أسياسية.

____ 1

* لماذا يكرهون عبدالناصر؟

أستطيع تفهم مشاعر ضحايا الثورة، ولكني لا أستطيع أن أتنكر كذلك من ضرورات العدل الاجتماعي في هذا التوقيت، فلماذا دائمًا يتذكرون ضحايا الاجتماعيون من ثورة يوليو، رغم الاستفادة الهائلة للمجتمع والقفز به للأمام، وما أحدثته من توازن مجتمعي وحراك اجتماعي في التاريخ، في ويتناسون ملايين المصريين اللذين خسروا حقوقهم وفرصهم في التعليم وفي الصحة.

دائمًا ما تلازم تهمة "الحقد الطبقي" ولا أعرف أيهما أسوأ من الآخر؛ الحقد الطبقي أم الاحتقار الطبقي؛ اللفظتان تعني بالمشاعر الإنسانية، ولماذا يوجه الاتهام من طرف واحد؟

هناك تغييرات كثيرة حدثت في بنية المجتمع المصري، وأدى ذلك لانتقال أبناء العمال والفلاحين واتاحة فرص العمل والتعليم المجاني، والحصول على وظائف عليا، وخرج في التاريخ أن تولت رئاسات الجمهورية من أسر فقيرة، رغم أن أغلبهم تنكروا من أصولهم ولم تلمس سياساتهم الطبقة التي خرجوا منها.

في زمن عبدالناصر كان المصريون يحصلون على نفس التعليم، وهذا ساعد في الدمج الاجتماعي، اليوم أمامنا فئات لا تتعلم، وأخرى سمحت لها ظروفها المالية لتعليم أولادها في المدارس الأجنبية والحصول على جودة تعليم جيدة لتأهيلهم لسوق العمل. هذا في ترجمته يعني توقف الحراك الاجتماعي للثورة.

* هل أجهز ناصر على الحقوق المدنية والسياسية في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية؟

أي تحول ثوري له ضحايا، وأي تجربة اجتماعية كبيرة لها أخطاء بالضرورة، وهو شأن كل عمل راديكالي؛ لأن التجربة تبحث عن صورة شمولية عامة، والأمر نفسه حدث بصورة أكبر في التجارب الاشتراكية في أوروبا الشرقية وفي الصين، بعض الضحايا يستحقون العقاب والآخرون ضحايا بالمعنى الحرفي، نحن لم نبتدع التاريخ، حيثما تكون هناك ثورة تُحدث حراكًا اجتماعية فلابد أن يكون هناك ضحايا.

الحقوق السياسية من مسالب 23 يوليو، ومن نقاط الضعف الأساسية، حيث أن بنية النظام كانت أقل بكثير من قوة المشروع، وبتعبير آخر نستطيع القول أن "النظام خزل مشروعه"، واتضح ذلك في هزيمة 1967 الفادحة حيث كانت الهزيمة أكثر فداحة، وكذلك في الانقضاض على ثورة يوليو بعد رحيل عبد الناصر، عبر ما عرف بالانفتاح الاقتصادي عام 1974.

* لماذا عبدالناصر باق في الذاكرة المصرية؟

هذا السؤال يطرح من مرحلة لأخرى، وكل مرة يُطرح بطريقة جديدة، أول مرة كان بطريقة مباشرة بعد الانفتاح الاقتصادي عام 1974 على خلفية الانقضاض على سياساته، وفي يوم وليلة أصبح لدينا طبقة جديدة من المليونيرات، وسألت رئيس الوزراء عبدالعزيز حجازي وأنا طالب بقسم الصحافة عما نُشر في مجلة روز اليوسف عن وجود 50 مليونيرًا، يومها صُدم رئيس الوزراء، ونفى بطريقة انفعالية هذا الكلام واتهم روز اليوسف بالكذب، وكان هذا العدد بالنسبة للمجتمع صدمة كبيرة.

سياسات الرئيس السادات للانفتاح الاقتصادي، صنعت بين عشية وضحاياها، طبقة اجتماعية جديدة من المليونيرات، وهم من عرفوا آنذاك بـ"القطط السمان" بتعبير الدكتور رفعت المحجوب، فقرارات السادات صنعت طبقة رأسمالية اصطناعًا، بقرار إداري وتوكيلات أجنبية كان الهدف منها هو الانقضاض على مبادئ ثورة يوليو، وعمل طبقة جديدة تساند نظام الحكم لضرب توجهات يوليو.

السادات عمد لبيع القطاع العام بـ"تراب الفلوس" للمقربين من السلطة، وبقراراته أنشأ "مؤسسة فساد" التي أصبحت أقوى من رئيس الجمهورية أو أي مؤسسة أخرى بالدولة، حيث ضرب الأساس الوطني للتحول الاجتماعي، الذي أقرته مبادئ الثورة.

____ 2 (2)

* كيف أثر مشروع عبد الناصر للعدالة الاجتماعية على دول العالم؟

دولتان كبيرتان مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، أو ما تعرف بالنمور الأسيوية تأثرتا بشكل أو بآخر بالتجربة، ودرسوا بطريقة معمقة سيناريو التنمية بمصر، إلى حد اعتراف مهاتير محمد، رائد النهضة في ماليزيا، أنه حتى تحقق دولته نهضتها فعليها تحقيق التجربة المصرية.

فوفق تعبير مهاتير محمد حينما سئل عن الفارق بين تجربة سنغافورة للتنمية والتجربة الناصرية، قال "الفرق بين سنغافورة ومصر أن سنغافورة ليس على حدودها اسرائيل".

* هل كان هناك تربصًا بمشروع ناصر الاجتماعي؟

أي صراع اجتماعي أو صراع طبقي، موجود في كل العصور، الرئيس السادات في إحدى اللقاءات تصور أن إلغاء الصراع الطبقي يكون بقرار رئاسي، لكنه كان مخطئًا، وهذه حقائق ثابتة حيث أن الثورة الاجتماعية لم تكن يومًا "رحلة سهلة"، والدليل على وجود متربصين، أن هناك قوى أعربت عن تصوراتها وهويتها السياسية الحقيقية ومضت في الاتجاه المعاكس، بعد رحيل عبد الناصر.

* ما مدى تحقق العدالة الاجتماعية الآن؟

الأوضاع الحالية أصبحت تحمل فروقًا شاسعة، تحولت لمجتمعين مختلفين، أحدهما يمكن تسميته مجتمع "الكومباوند" وآخر للتسول والعلاج في مستشفيات السرطان عن طريق إعلانات التليفزيون، أكبر دليل على ذلك، فنجد مبالغة في الرفاهية، مقابل افتقار الحق في الحياة، وهو خير دليل أننا نعاني من مجتمع مريض مصاب بالشلل، أو مثلما قال أمير الشعراء أحمد شوقي "شيء ما أعلى الدماغ قد تعطل"، وهو ما ينذر بثورة جياع.

المواطن المصري لديه إحساسًا مبكرًا بأن ذلك سوف يحدث، واتضح ذلك جليًا في هتافات مشيعي جثمان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، "عبد الناصر يا عود الفل.. من بعدك هنشوف الذل" و"ابكي ابكي يا عروبة.. على اللي بناكي طوبة طوبة"، فالمصري تنبأ بانهيار المجتمع العربي والتصدع الاجتماعي الكبير بعد وفاة ناصر.

* هل تأثرت سياسات عبدالناصر بتكوينه الاجتماعي؟

جمال عبدالناصر من أسرة فقيرة، والده موظف بريد، وعانى في طفولته بفداحة، ومما رواه لي صديقي الراحل خالد عبدالناصر، أنه كان في زيارة لمنزل والده بالإسكندرية عندما كان في مرحلة الثانوية وتناول وجبة الفطار القائمة على "الفول"، لكنه اكتشف أن شقيقه الصغير كان يفطر "بيض بالبسطرمة".

عندما أمسك عبدالناصر بمقاليد السلطة بعدها بسنوات طويلة –وهو الرجل القوي في مجلس قيادة الثورة- لم يغير بيته لعدة أعوام، وعندما حصل على بيت جديد كان في منطقة منشية البكري، وعندما أراد إعداد بناته للزواج كان يصرف من المعاش، وعندما جردوا خزنته كان مبلغًا طفيفًا.

عبدالناصر لم تكن له شهوة في النساء أو المال، والناس كانت تشعر بذلك في حينها، وكان يستطيع أن يفعل مثلما قام به غيره من التمتع بالسلطة، لكنه عكس ذلك، كان يرسل "محمد أحمد" إلى محل أقمشة في وسط البلد لكي يُغير "ياقة" القميص القديمة.

الحقد الطبقي يولّد الرغبة في الثروة، لكن عبدالناصر لم يكن ذلك. كانت له مشاعر نادرة أنه يحس بمشاعر الفقراء، وحاجتهم إلى مستوى معيشة جيد، ولم يرد للأخرين أن يُحرموا مثلما هوّ حُرم. وفيما نقله خالد عبدالناصر أنه عندما يرى إحدى بائعات الجرجير بطفلة كان يتخيل زوجته وابنته هُدى.

إذا كان هناك من يريد أن يتهم عبدالناصر بالحقد الطبقي، فهذا شأنه، فشعوره بالحرمان ولد طاقة إيجابية في قضية العدل الاجتماعي، ولم يولد طاقة سلبية بالانتساب إلى عالم ليس عالمه، وأساليب في الحياة ليست أساليبه.

____ 3

* لماذا يعيبون على عبدالناصر مشروعه للإصلاح الزراعي؟

أول قرار لـ23 يوليو كان قانون الإصلاح الزراعي، فالنزعة الراديكالية الاجتماعية كانت موجودة، وهو دخل في طريق "تمصير الاقتصاد" بمعنى أن الشركات التي يملكها الأجانب تؤل للمصريين، وفتح فرص غير طبيعية أمام الطبقة الرأسمالية لكي يعمل وتُنتج وكان لديه تصور أنها من الممكن أن تساعده لكنها لم تفعل ذلك، ومن ثم جاء التأميم، والذي كان هدفه الأساسي ليس المصادرة، بل الانتاج والعمل وبناء مصر الجديدة.

تقاعس الرأسمالية المصرية عن قضية التنمية هيّ التي دفعته إلى التأميم، وأن تتولى الدولة عبر التخطيط المركزي والشركات التي أنشأتها قضية التنمية.

* ألا ترى أن هناك تشابهًا في "تقاعس" الرأسمالية في عهد عبدالناصر وما نشهده الأن؟

لم يتعلموا الدرس، ولم يستفيدوا من دروس ما مضى.

* هل من المتوقع أن تشهد مصر تأميمًا جديدًا؟

التاريخ لا يُعيد نفسه، والدستور يمنع التأميم، على الدولة أولا أن تُنفذ القيم الدستورية في الصحة والتعليم والضرائب التصاعدية، وضرب الفساد في مراكزه، والنظر إلى حقوق الطبقات الوسطى والفقيرة.

كان هناك تعبير يقال على ملاك البنوك الفرنسية بعد الثورة "لا ينسون.. ولا يندمون.. ولا يتعلمون"، هؤلاء لم يستفيدوا من تجربة جمال عبدالناصر، ولا يفكرون فيما حدث بعد يوليو أو يناير.

هناك مسؤولية للدولة أن توفر بيئة صحيحة للاستثمار، ولكن ذلك بسبب غياب الأولويات العامة للدولة، وعدم تدخل قضايا العدل الاجتماعي مع التنمية، واقتصاد السوق المتوحش الذي يدهس طبقات بأكملها. أظن أننا بحاجة لتوافق وطني في مصر.

رجل الأعمال سميح ساويرس اقترح على الدكتور حازم الببلاوي بعد ثورة 30 يونيو، فرض الضريبة على الثورة 5% لمرة واحدة، ولم يحدث ذلك. وفي اجتماع مع المهندس شريف إسماعيل طرحنا تطبيق الضرائب التصاعدية، ولكنه قال إننا بحاجة لتعديل القانون للمرة الثالثة، وبالتالي يحدث ارتباك في السوق.

هناك خلل في تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية، فبين "تدليل" رجال الأعمال بواعز حماية الاستثمار، وبين العصف بالفقراء والطبقة الوسطى باسم إصلاح الموازنة العامة.

دعنا نتفق أنه لابد من تطبيق إجراءات جراحية قاسية لإصلاح المنظومة الاقتصادية، ولكن من يدفع الثمن؟ هذا هو السؤال الذي لا إجابة عليه ولا يوجد مسار لتفسيره.

* ما مدى تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية هذه الآونة؟

أبناء الفقراء الآن لا يصلحون للوظائف الكبرى. هناك العشرات من خريجي الحقوق تم منعهم من دخول النيابة العامة لأسباب اجتماعية.

كل الرؤساء الذين تولوا مصر رغم الاختلاف بينهم، هم أبناء الطبقات الفقيرة، وبشيء من التجاوز من الممكن أن تنسب بعضهم للطبقة الوسطى؛ الرئيس محمد نجيب من أسرة فقيرة وجدت فرصتها في الترقي بانتساب أسرتها إلى المؤسسة العسكرية، جمال عبدالناصر ابن موظف صغير بالبريد، السادات ابن موظف صحة في الجيش، حسني مبارك والده مُحضر في محكمة، محمد مرسي والده فلاح أجير استفاد من الإصلاح الزراعي، الرئيس السيسي والده صاحب محل بالجمالية.

هل معقول أن تشترط النيابة العامة ما هو أكثر من المطلوب لرئيس الجمهورية؟ هناك خلل في بنية التفكير وتراجع عن فكرة الكفاءة والحراك الاجتماعي. في عهد عبدالناصر النيابة كانت تحسم اختياراتها بالمجموع الذي يحصل عليه الطالب فحسب، الآن وكلاء النيابة والمناصب القيادية تورث مثلما تورث المناصب القيادية الأخرى.

العدالة الاجتماعية ليس بتوزيع عادل للثروة، فالدستور ينص على نصيب عادل من الثروة الوطنية، بل نصيب من المساواة الاجتماعية في العيش في هذا البلد، وعدم التمييز الاجتماعي ضد الفقراء.

* البعض كان ينظر لترشح الرئيس السيسي بأنه مشروع ناصري جديد.. هل تتفق سياساته مع هذا الطرح؟

الحقيقة أنني لا أرى عبدالناصر جديدًا، والسياسات المتبعة أقرب إلى أنور السادات. دعك من النوايا، ولكن السياسات المُعلنة في الاقتراب من إسرائيل وطريقة إدارة الملف الإفريقي والعلاقات العربية، والعدل الاجتماعي كلها تقترب من الرئيس السادات.

وأفضل تعبير للناصرية بتعبير الاستاذ هيكل أنها المشروع الوطني المتجدد، عبدالناصر لم يخترع جديدًا، بل اتصال في الحركة الوطنية المصرية، واعتبر أن ثورة يناير هي استرداد لهذا المشروع الوطني بالتركيز على العيش والعدالة الاجتماعية.

هذا تعبير عن قوة حضور جمال عبدالناصر، والثقة في المؤسسة العسكرية لإنتاج ناصر جديدًا أو أحد آخر يمضي على طريقه في عصور جديدة، وهذا لم يحدث قولا واحدًا، ولا يصح من الناحية الموضوعية أي تشبيه.

لا يوجد صلة بين السياسات المتبعة حاليًا وبين التوجهات الرئاسية لمشروع جمال عبدالناصر، لكن أتمنى بالتجربة ألا نخلط بين ما لا يختلط.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان