مُحاولة انقلاب في تركيا.. وماذا بعد؟!
كتبت – رنا أسامة:
تعليقًا على الأوضاع في تركيا، نشر مركز كارنيجي للشرق الأوسط تقريرًا عبر موقعه الإلكتروني، قال إن المشهد في تركيا بدا وكأنّه انقلابًا حقيقيًا لعدة ساعات: ما بين فرض حظر تِجوال، وتحليق طائرات ومروحيات، ووقوع التليفزيون الرسمي في قبضة الجيش، وفقًا لمعايير الانقلابات العسكرية المُتعارف عليها.
تلا ذلك ظهور للرئيس رجب طيب أردوغان عبر تِقنية "فيس تايم" في مُقابلة مع قناة "CNN TURK" ، حملت تعابير وجهه إشارات توحي وكأنّه "مأخوذٌ على غِرّة"، مُتمسّكًا بصرامته التي تجلّت في دعوته إلى الشعب بالنزول إلى الشوارع ومطار أتاتورك الدولي؛ دعمًا له في مواجهة مُدبّري الانقلاب.
وبينما كانت قوات الشرطة الموالية لـ أردوغان تُقاتل في أنقرة، خرج مئات الأشخاص إلى شوارع اسطنبول ينزعون أسلحة الجنود.
تخلّلت تلك الأثناء تنديد الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس شتولتنبرج، وأحزاب المعارضة التركية الرئيسية الثلاث، الهجوم على أردوغان وحكومته، مُشدّدين على ضرورة "احترام الشعوب للحكومات المُنتخبة ديمقراطياً".
"وسائل محدودة"
سُرعان ما وضحت الرؤية لاحقًا وتبيّن أن مُحاولة الانقلاب قد تمت باستخدام وسائل محدودة، ولم تلقَ سِوى القليل من الدعم من قِبل هيئة الأركان العامة، إذ لم تُساند العناصر الرئيسية بالقوات المُسلّحة مُدبّري الانقلاب المتآمرين ضد أردوغان، الذين فشلوا في إحكام سيطرتهم على البلاد.
مع وقوع نحو 260 قتيلًا، وإصابة 1400 آخرين، واعتقال ما يقرُب من 3000 جندي، جراء مُحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، تدخل تركيا مُنعطف تاريخي صعب.
وأشار التقرير إلى أن تلك الاضطرابات جاءت بعد يومين فقط من قمة (الناتو) التي تعهّدت خلالها بتقديم الدعم لتركيا في مواجهة تنظيم داعش، مُرجّحًا أن تتسبّب محاولة الانقلاب العسكري - رغم فشلها- في تكبّد تركيا خسائر فادحة على الصعيد الاقتصادي والسياحي لتضربهُما "في مَقتل".
أما على الصعيد المحلّي، فتوقّع المركز في تقريره أن تكون العواقب مؤلمة أيضًا فيما يتعلّق بسيادة القانون وأعمال الاستقطاب، في الوقت المُرجّح أن تُجرى خلاله مُحاكمات واسعة ضد الضباط المتآمرين الذين قاموا بتدبير مُحاولة الانقلاب؛ لاسيّما وأن رئيس الوزراء كان قد أعلن صراحة عن احتمالية إعادة عقوبة الإعدام.
الأمر الذي من شأنه أن يجعل تركيا تتقهقر للوراء بعيدًا كل البُعد عن معايير الاتحاد الأوروبي ما يُمكن أن يساهم في تعليق مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
دوليا
وفيما يخُص الصعيد الدولي، فإن الغرب "دعم أردوغان" بشكل واضح لأسباب عِدة، أهمّها: تمركز أصول أساسية تابعة للولايات المتحدة بشكل دائم في قاعدة سلاح الجو التركي "أنجرليك"، جنبًا إلى جنب مع استخدامها من قِبل تحالف مكافحة تنظيم داعش في عمليات يومية في شمال سوريا.
الأهمّ من ذلك، فإن المُتوقّع من جانب أنقرة أن تتخذ خطوات حاسمة في حربها ضد داعش، بالرغم مما ينطوي عليه من ذلك خطر الانتقام.
على نفس المِنوال، فإن العمليات العسكرية ضد حزب العُمال الكُردستاني جنوب غرب البلاد، كانت قد تسبّبت في خسائر فادحة في صفوف المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء، وأدت إلى تدمير أحياء كاملة في مدن مثل: سيزر أو نصبين.
وفي هذا الصدد يُجمِع كافة المُحلّلين على أهمية الحاجة إلى استئناف عمليات السلام التي انطلقت قبل بِضع سنوات، وتوقّفت في يوليو من العام 2015، الأمر الذي ينقلنا إلى سؤال آخر يتعلّق بمدى قُدرة واستعداد القيادة التركية للتوصّل إلى تسوية سلمية بعد محاولة الانقلاب.
وحول مصير الديمقراطية التركية (غير الليبرالية) بعد محاولة الانقلاب، اختتم المركز تقريره قائلًا إن زعزعة الاستقرار التي أثارتها مُحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة- حتى لو استمرت على مدى قصير جدًا - ستصُب في صالح القيادة الحالية؛ إذا أنها ستدفع الرئيس التركي نحو اتخاذ المزيد من الخطوات الحازِمة لاستعادة قوّته الرئاسية، مُشيرًا إلى أن الدعوات الغربية للديمقراطية وسيادة القانون لن يكون لها أثر محدود الوقت الراهن.
فيديو قد يعجبك: