الحج.. "ساحة صراع" متجدد بين الرياض وطهران
برلين (دويتشه فيله)
يبدو وكأن صراع النفوذ بين السعودية وإيران قد امتد لأقدس الشعائر الدينية في الإسلام، ألا وهو الحج. فبعد إعلان الطرفين عدم التوصل لاتفاق، أكدت طهران عدم إرسال بعثة الحج الإيرانية هذا العام. فهل العقبات تنظيمية أم سياسية؟
لطالما ترافق موسم الحج – قبل الإسلام وبعده – مع ما يشبه الهدنة السياسية والحربية، حيث تتوقف المعارك وتتعطل لغة السياسة، لتحل محلها مفردات الروحانية والتواصل مع الخالق. طوال ما يزيد عن 1500 عام، لم تحدث سوى استثناءات قليلة لهذه القاعدة، وقف وراءها غازون لم يأبهوا بقدسية المكان أو مختلون نفسياً وعقلياً حاولوا استغلال شعيرة الحج كمنبر للتبشير برسالاتهم. ورغم ذلك، لم تنكسر هذه القاعدة إلا مؤخراً.
في الثاني عشر من مايو، صرح وزير الثقافة الإيراني علي جنتي بأن حجاج بلاده لن يتوجهوا للسعودية لأداء فريضة الحج هذا العام، وذلك بسبب كون "الظروف غير مهيأة"، واتهم الرياض بعرقلة الاجتماعات الرامية إلى تنظيم جلسات الحج بين الطرفين.
السجال بين إيران والسعودية حول شعيرة الحج يعود إلى موسم العام الماضي، عندما تسبب تدافع الحجاج عند مشعر منى قرب مكة في مقتل نحو 2300 شخص، بينهم 450 إيرانياً. تبع ذلك قيام العشرات من المتظاهرين الغاضبين في طهران باقتحام وإحراق مبنى السفارة السعودية في طهران على خلفية إعدام الأخيرة لرجل الدين الشيعي نمر النمر، ما دفع الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إيران.
الاتهامات الإيرانية للسعودية هذا العام قابلها وزير الخارجية السعودية علي الجبير بتصريح اتهم فيه طهران بفرض "شروط من شأنها التسبب "بفوضى خلال موسم الحج، وهذا أمر غير مقبول"، وذلك خلال اجتماعات التنسيق التي تقام بين البلدين كل عام قبيل موسم الحج.
صراعات إقليمية وحسابات سياسية
لكن يبدو أن هذا السجال يتعدى موسم الحج ومقتل مئات الحجاج الإيرانيين العام الماضي، فموقف البلدين بشأن عدد من الصراعات والحروب في المنطقة معروف، لاسيما فيما يتعلق بالحرب في سوريا واليمن. فالسعودية تقود تحالفاً عسكرياً عربياً ينفذ ضربات جوية ضد جماعة الحوثي الشيعية، التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء بقوة السلاح منذ أكثر من عام، وتحظى بتأييد إيراني سياسي يُقال أنه يمتد إلى دعم لوجستي أيضاً.
أما في سوريا، ففيما تقوم الرياض بدعم بعض جماعات المعارضة السورية بالسلاح والمال والمواقف السياسية، تقف إيران دون أي غموض إلى جانب النظام السوري، بل وقامت بإرسال قوات وضباط عسكريين من الحرس الجمهوري (فيلق القدس) للقتال ضد فصائل المعارضة إلى جانب قوات النظام.
الإعلامي السعودي ومدير قناة "العرب" الإخبارية، جمال خاشقجي، أكد في حوار مع DW عربية على أن السعودية وضعت جانباً ما وصفها بـ "السياسة العدوانية لإيران في المنطقة.. ورحبت وما تزال ترحب بالحجاج من كل مكان، بغض النظر عن أي علاقات أو خلافات سياسية"، محملاً الجانب الإيراني مسؤولية التعنت في المفاوضات والتأخر فيها، ما أدى بالنهاية إلى قرار عدم إرسال بعثة الحج الإيرانية هذا العام.
وأشار خاشقجي إلى أن المطالب الإيرانية لهذا الموسم تضمنت "خطاب ضمان" بأمن حجاجها توقعه السعودية، مستغرباً مثل هذا الطلب. وتابع بالقول: "لا يمكن لأي دولة تأمين خطابات ضمان للحجاج. إذا كانوا يريدون ضماناً، فبإمكانهم شراء بوليصة تأمين من أي شركة أمريكية أو غيرها توفر تأمين على حجاجهم. ولكن لا تستطيع أي دولة كدولة أن تصدر خطاب ضمان".
موانع "خدماتية"
لكن الصحفي الإيراني مصدّق بور يختلف مع هذه النظرة ويتهم السعودية باستخدام الحج كورقة سياسية في إطار الصراع الإقليمي مع إيران. وفي مقابلة مع DW عربية، يقول بور إن "الجانب السعودي يتعامل مع إيران من باب أن العلاقات بينهما لاتزال مقطوعة. حالياً لا توجد قنصلية إيرانية في السعودية أو أي جهة تمثيل دبلوماسي، وهذا يجعل من الصعب تقديم أي خدمات للحجاج الإيرانيين، وهذا أحد أوجه الرفض الإيراني".
وأرجع الصحفي الإيراني "التعنت" السعودي في الاتفاق، من جهته، إلى ما وصفه بـ "التخبط" في القرارات السعودية، متهماً إياها بالسعي إلى مواجهة مع طهران "لمحاولة إرضاء الولايات المتحدة والغرب، رغم أن الأخيرين يسعيان إلى إقامة علاقات مع إيران".
هذا وكان سعيد أوحدي، رئيس مؤسسة الحج والزيارة في إيران، قد أشار في مطلع هذا الشهر إلى أن الجانب السعودي كان من المطلوب منه "أن يوجه دعوة خلال الأسبوعين الماضيين إلى الوفد الإيراني لحسم نتائج المفاوضات، إلا أنه لم يفعل ذلك"، وتابع أن "الحج حق شرعي لكل مسلم ولا يحق للسعودية أن تمارس أي نوع من التمييز في هذا الخصوص"، معتبراً أن "الوضع الراهن يشير إلى عدم وجود عزيمة جادة لدى السعوديين لاستضافة الحجاج الإيرانيين في موسم الحج المقبل".
ضغط غربي والشارع الإيراني لا ينسى
بيد أن الإعلامي السعودي جمال خاشقجي يرى بأن ما تقوم به إيران في هذه المسألة ما هو إلا "لعب على أوراق ضغط إقليمية ... حريّ بالدول التي وقعت اتفاق (5+1) مع إيران أن تمارس ضغطاً عليها كي تمارس مواقف إيجابية في منطقتها، وهذا ما نوّه إليه وزير الخارجية البريطاني (فيليب) هاموند خلال زيارته إلى المملكة قبل أسبوعين، إذ أعرب عن عدم رضاه من مواقف إيران في الصراعات الإقليمية".
لكن الصحفي الإيراني مصدق بور يقول إن موقف الشارع الإيراني مختلف عما يصدر عن القيادة الإيرانية، وأن "عموم الشعب (الإيراني) يعتقد بأن حادثة مقتل 450 حاجاً إيرانياً في تدافع منى العام الماضي مدبرة من السعودية، وأنه لا بد يأتي يوم لننتقم منهم"، حسب قوله.
يذكر أن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها، إذ سبقتها عام 1987 حادثة إطلاق الحجاج الإيرانيين لمراسم "البراءة من المشركين"، وهي جزء من شعائر الحج يمارسه أتباع الطائفة الشيعية، الأمر الذي أثار حفيظة المملكة آنذاك وأدى إلى إلغاء موسم الحج لعدة سنوات بعدها.
فيديو قد يعجبك: