خطبة الجمعة حائرة بين "الموحدة" و"المكتوبة".. وتدخل السيسي يحسم الأمر
كتب ــ عبدالرحمن أحمد:
"الخطبة المكتوبة اختزال للدين"، بهذه الجملة قضى الرئيس عبدالفتاح السيسى على الفكرة التي طرحها وزير الأوقاف أغسطس الماضى لتطبيقها على المنابر، قائلا إن "الدكتور محمد مختار جمعة تسرع في تطبيقها".
وقال السيسى خلال احتفالية وزارة الأوقاف بالمولد النبوى الشريف، الخميس الماضي، إنه يجب العمل على إعداد خطبة تتصدى للتطرف والأفكار الشاذة التي يعاني منها المجتمع، مطالبا بتشكيل لجنة تضم علماء نفس واجتماع ودين لإعداد خطب الجمعة خلال الـ 5 سنوات المقبلة.
وقرر وزير الأوقاف على الفور الاستجابة لتعليمات الرئيس السيسي بتشكيل لجنة تضم علماء دين واجتماع وعلم نفس؛ لإعداد خطبة الجمعة خلال الفترة المقبلة.
وقال "جمعة" إن اللجنة التي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيلها لإعداد خطة علمية مدروسة لخطبة الجمعة ستعقد أولى اجتماعاتها التحضيرية الخميس المقبل بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
وقال الدكتور بكر زكي عوض أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن إعداد خطبة الجمعة عن طريق لجنة هو أمر محمود لأن أحوال المستمعين وأذواقهم مختلفة، مشيرا إلى أنه لا بدّ من مرعاة الجوانب العلمية والنفسية والاجتماعية، بشأن الكلمة الملقاة، ولا يتأتي تحقيق هذا إلا إذا قام على الإعداد فريق من هذه التخصصات أجمع.
وأضاف لمصراوى، أنه إذا تم إعداد الخطبة بهذا الشكل، فإنها ستأتي جامعة ومحققة للغاية المرجوة منها، وبخاصة إذا تعلقت بالقضايا الكبرى التي ينبغي تناولها رعاية لمصالح العباد والبلاد.
ومن جانبه، قال الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، إن اللجنة ستجتمع يوم الخميس المقبل بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لبحث آلية العمل بها، مضيفًا لمصراوي أنها ستعمل على إعداد خطب تناسب العصر، وتراعى الظروف والمناسبات التي تمر بها البلد، وتضع أطر لمواجهة التطرف والتصدى للفكر المنحرف.
مراحل تطور الخطبة
وتعد هذه هيّ المرة الرابعة التي يتم تغيير فيها طريقة إعداد خطبة الجمعة، بعد أن كانت موحدة وتحولت إلى مكتوبة وعادة مرة أخرى إلى الموحدة، وأخيرا ستتولى لجنة مشكلة من قبل علماء وضعها بناء على توجيهات الرئيس السيسي.
ففي منتصف يوليو عام 2014 قرر وزير الأوقاف، تطبيق الخطبة الموحدة على جميع مساجد الجمهورية، في خطوة وصفها باستعادة المنابر مرة أخرى من المتشددين.
وقال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن الخطبة الموحدة ستُلزم الأئمة بعدة موضوعات معينة، يحددها مركز بحوث الدعوة بالوزارة، ضمانا لعدم الخروج عليها من قبل أي إمام، وبث أي أفكار متطرفة على المصلين.
وعلى الرغم من تحديد وزارة الأوقاف، لموضوعات الخطبة قبل صلاة الجمعة بفترة كبيرة، إلا أن هناك الكثير من الأئمة خرجوا عنها، وتحدثوا في موضوعات مختلفة، وتمت معاقبتهم من قبل الوزارة، بالخصم من رواتبهم والنقل إلى مناطق أخرى ومساجد بالمحافظات النائية عقب التكرار أكثر من مرة.
وقال الدكتور بكر زكي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن عدم وضع وزارة الأوقاف لعقوبات محددة، كانت سببا في خروج الكثير من الأئمة عن موضوعاتها.
وأضاف زكى في تصريحات لمصراوى، أن توحيد الخطبة له جوانب إيجاب وجوانب سلب، مشيرا إلى أن الجوانب الإيجابية في الآونة الأخيرة أكثر من جوانب السلب.
وأشار أستاذ الثقافة الإسلامية إلى أن وحدة الخطابة تهدف إلى ضبط الكلمة الملقاة ومنع التوجهات المختلفة من توظيف المنبر أو استغلاله، ومعالجة القضايا الآنية بأسلوب علمى، لافتا إلى أن ما ثيار حول أنها تؤدي لجمود العقل يمكن التغلب عليها بالدورس التي تعقد بالمساجد خلال أيام الأسبوع، ويستطيع الإمام أن يبدع فيها كما يحلو له.
الخطبة المكتوبة
وبعد عامين من تطبيق الخطبة الموحدة، قرر وزير الأوقاف، تحويلها إلى مكتوبة، لإلزام الأئمة أكثر بالموضوعات التي يتم تحديدها ــ على حد تعبيره.
وأثار قرار وزير الأوقاف، بتطبيق الخطبة المكتوبة هجوما حادا عليه من قبل بعض علماء الأزهر الشريف، الذين وصفوا الأمر بأنه سيحول الأئمة لقارئي نشرات، ويقتل الإبداع لديهم.
وقال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن الخطبة المكتوبة ليست سياسية، وإنما هي صياغة للفكر المستنير.
وقررت هيئة كبار العلماء برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بالإجماع، رفض تطبيق الخطبة الموحدة جملة وتفصيلا، وشددت على أنه يقتل الإبداع داخل الأئمة.
وقالت الهيئة في بيان لها، إن "الأئمة يحتاجون إلى تدريبٍ جاد وتثقيف وتزويدهم بالكتب والمكتبات؛ حتى يستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذَّة بالعلم والفكر الصحيح، وحتى لا يتَّكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها.
وأعلن الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الدينى، استمرار الوزارة في تطبيق الخطبة المكتوبة على جميع مساجد الجمهورية، على الرغم من رفض هيئة كبار العلماء.
وقال طايع في بيان له، إن الخطبة المكتوبة شأن إداري يخص الوزارة، لافتا إلى أن هيئة كبار العلماء رفضتها دون القول إنها خطأ أم صواب.
واستدعى الرئيس عبدالفتاح السيسى أول أغسطس الماضى، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لقصر رئاسة الجمهورية، للتشاور في بعض الأمور الدينية، أهما الخطبة المكتوبة بعد أن أشعلت الأوضاع بين المشيخة ووزارة الأوقاف.
وحين انتهاء لقاء رئيس الجمهورية بشيخ الأزهر، دعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وزير الأوقاف ومفتى الجمهورية لاجتماع عاجل بالمشيخة، تم خلاله انهاء الخطة المكتوبة.
وقال الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في تصريح له، إن المنبر له قدسيته وحرمته، ولا يمكن أن نُلزم الأئمة بخطبة مكتوبة، مؤكدًا أن ذلك لن يعمل على تجديد الخطاب الديني، بل سيجمده.
وعادت وزارة الأوقاف، مرة أخرى لتطبيق الخطبة الموحدة على جميع مساجد الجمهورية، بعد الجلسة التي عقدها الإمام الأكبر مع الدكتور محمد مختار جمعة والدكتور شوقي علام مفتى الجمهورية.
فيديو قد يعجبك: