لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سماعات طبية مغشوشة تباع عبر فضائيات في غياب الرقابة ( تحقيق)

12:47 م الثلاثاء 29 نوفمبر 2016

سماعات طبية مغشوشة تباع عبر فضائيات في غياب الرقاب

تحقيق- محمد أبو ليلة:

عبد الستار فوزي رجل تجاوز عمره الستين عاما، فقد السمع بأذنه اليمنى إثر تعرضه لجلطة، نصحه أصدقاءه بارتداء سماعة طبية كي يسهل عليه التواصل مع من حوله، وفى  شهر مارس الماضي كان يشاهد التلفاز ولفت انتباهه إعلان على إحدى القنوات الفضائية لبيع سماعات طبية، وقتها تشجّع واتصل بأحد الأرقام الموجودة على الشاشة وطلب منهم سماعة لأذنه، وبعد عدة أيام جاءه مندوب الشركة وابتاع له ما أراد.

يقول "عبد الستار" في حديثه لمصراوي، أنه استلم السماعة الطبية من مندوب الشركة وأعطاه ثمنها ألفي جنيه، لكنه اكتشف أن السماعة لا تعمل حينما استخدمها لأول مرة، كانت عبارة عن جهازين أحدهما يدخل في الأذن اليمنى وجهاز السماعة نفسه يوضع خلف الأذن، حاول مراراً أن يستخدمها ولم يسمع شيئا.

حينما ذهب لطبيب متخصص في الأذن اكتشف أن مواصفات السماعة لا تنطبق على مقياس السمع لديه لأن نسبة السمع لديه لا تتعدى 10% وتحتاج لسماعة أكثر دقة من تلك التي اشتراها عبر إعلان تلفزيوني، حاول الاتصال بالشركة مراراً، "بعد ما عرفت أن السماعة تالفة والطبيب نصحني بمقاييس تانية للسماعة اتصلت بالشركة كتير وقلت لهم أن السماعة تالفة قالوا هنبعتلك مندوب صيانة مرة واتنين محدش جه، ولحد دلوقتي محدش عبري".. هكذا قال.

حالة أخرى التقاها "مصراوي" تعرضت للنصب من أحد المراكز الشهيرة لبيع السماعات الطبية، والتي تروج لمنتجاتها في الشوارع وعلى أتوبيسات هيئة النقل العام، عبد العظيم أحمد رجل تجاوز عمره الـ 77 عام كان قد أصيب بجلطة في العصب السمعي منذ عامين ونصحه أقاربه بارتداء سماعة طبية.

سماعات تالفة
1
يقول إنه حينما شاهد إعلان لشركة "أبو طاقية" للسماعات على أحد الأتوبيسات، فكر في الذهاب إلى الشركة وشراء سماعة طبية، خاصة أن الإعلان كان جذاباً بالنسبة له فالسماعة الطبيبة لا تتجاوز الـ 300 جنيهاً.

وتابع: "شركة أبوطاقية بتعمل إعلانات مغرية كأنها مجاناً، لما روحت اشتري سماعة دفعت في البداية 500 جنيهاً، واكتشف أنها تالفة، ومواصفاتها مش مظبوطة، ورجعت لهم تاني طلبوا ألف جنيه صيانة وتكرر الأمر حتى دفعت 3 ألاف جنيه كلها صيانة للسماعة، ولم تعمل وتشاجرت معهم وهددتهم بالشكوى، لأنهم رفضوا يرجعوا لي فلوسي".

اكتشف عبد العظيم أن المشكلة كانت في مقاييس السماعة التي تختلف عن حالة السمع في أذنه، "اللي بيقيسوا السمع هناك مش متخصصين وعاوزين يبيعوا سماعات وخلاص"، حينما كان يرتدي السماعة كان يعاني لأن إشارة المخ لديه لم تكن تعمل ولا تترجم الحديث أمامه كان يسمع أصوات غير مفهومة، وهذا يؤثر على حالة النطق لديه، وبعد عدة محاولات لإسترجاع أمواله التي يقول أنها سُرقت منه في سماعة لا تعمل، فكر في تقديم شكوى لجهاز حماية المستهلك لكنه قد تجاوز 14 يوماً على شراء منتج فلم يقبلوا منه الشكوى.

2

حاولنا الاتصال بالدكتور خالد أبو طاقية مدير الشركة المتهمة بالنصب على عبد العظيم، لكنه لم يرد وبعد أن أرسلنا له رسالة نصية قال أنه في خارج البلاد ولا يستطيع الرد علينا في هذا الموضوع.

طبقاً لإحصائية أعدتها منظمة الصحة العالمية العام الماضي فإن عدد الصم والبكم في مصر يقترب من 7 مليون ونص مريض.

"الطبيب الذي يصف السماعة للمريض لازم يكون عنده ضمير ويختار السماعة المناسبة للمريض، وأي شركة بتبيع سماعات لابد أن يكون لديها طبيب متخصص يفحص سمع المرض قبل بيع السماعة له، أما إن المريض يشاهد إعلان تلفزيوني أو يتوجه للشركة ويشتري سماعة فهذا خطأ".. هكذا استهل الدكتور طارق كامل أخصائي الأذن حديثه مع مصراوي..

اعلان

ويؤكد "كامل" الذي يشغل أيضا منصب عضوية مجلس نقابة الأطباء الحالي أن إعلانات السماعات الطبية التي تظهره على شاشات التلفاز هي شيء مسيء جداً، موضحاً أن نقابة الأطباء مسؤولة فقط عن محاسبة أطباء إذا خرجوا عن لائحة إعداد المهنة أو خالفوها، وبالتالي لا سلطان لها على أية إعلان سواء عن سماعة أو دواء.

وقال أنه لو كان هناك طبيب اشترك في إعلان تجاري عن دواء أو عن سماعة في أي صورة إعلان فالنقابة على الفور تقوم بمساءلته الطبيب، لكن إذا لم يوجد طبيب في الإعلان فالمسؤول هو جهاز حماية المستهلك، لأنه مسؤول عن أي سلعة موجودة في مصر بتتباع للمستهلك.

وبصفته أخصائي أذن يوضح أنه لا يوجد نوع معين للسماعة ينصحون به كأطباء، هناك أكثر من شركة لديها سماعات طبية عدد منها مواصفاته جيدة، لكن المشكلة أنه يتم وصف سماعة غير مناسبة للمريض وهذا ما يحدث مشكلات.

"فيه مشاكل تانية بيبقى الفرق في السعر بسبب وجود بعض المواصفات المختلفة مثلا ان السماعة بتقلله الضوضاء المحيطة بيه وتجعله يركز في ما يسمعه من صوت فقط لا غير، فيه سماعات سعرها رخيص جداً موجودة في السوق المرضى بيشتروها، وبيكتشفوا أنها تالفة مش بيستفيدوا منها حاجة فبيرموها، لكنها لا تؤثر على أذانهم".. يوضح.

اعلان-2

مستوردة من الخارج

لا توجد سماعة طبية مصنوعة في مصر، حيث يتم استيرادها من الخارج، وحسب حديث محمد إسماعيل رئيس شعبة المستلزمات الطبية لـ"مصراوي" فإن السماعة الطبية هي أسهل أنواع المستلزمات التي يتم تهريبها من الجمارك، "السماعات الطبية حجمها صغير وليس كبير ممكن أي حد يهربها في شنطة"..يقول.

وأوضح أن شعبة المستلزمات تقوم بحل المشكلات الموجودة لدى أعضائها فقط، وأن هناك مئات من المحال التي تبيع مستلزمات طبية لا تتبع الشعبة ولا أحد يعلم مواصفات المستلزمات والسماعات الطبية التي تبيعها لأنه لا رقابة عليها، لكنه ليس لديه إحصائية كاملة بعدد المحلات التجارية المسجلة بشعبة المستلزمات الطبية حتى الأن.

وتابع أن من يراقب على السماعات المغشوشة، إما وزارة التموين وتحديداً مباحث التموين، أو جهاز الرقابة على الصادرات والواردات والذي يراقب شحنات المستلزمات الواردة من الخارج.

"اللي عاوز يغش بيغش وبيظبط الغش بتاعه، بصفة عامة فيه سماعات مغشوشة والجميع يعرف ذلك".. هناك مشكلة أخرى يسردها إسماعيل أنه ليس هناك متخصصين في جهاز مباحث التموين لديهم خبرة تقنية في المستلزمات الطبية، وكل ما يفعله الجهاز هو عمل ضبطيات أو قضايا للمحلات التي ينقصها سجل تجاري أو بطاقة ضريبة، لكن المشكلات التقنية ومواصفات المستلزمات والتي منها السماعات الطبية لا يفهم فيها أحد من الجهاز.

اعلان-3

وهذا يجعل مرضى ضعف السمع عرضة دائما لمراكز صيانة تتبع شركات هدفها في الأساس هو الربح والبيع والشراء وليس تحس حالة السمع عند المرضى.

"احنا بنرقع في منظومة بايظة..الصحة في مصر ماشية بطريقة تضر أكتر ما تنفع، العالم كله ماشي بطريقة واحنا بطريقة تانية خالص".. يستطرد رئيس شعبة المستلزمات الطبية.

ويضيف أنه من المفروض أن يتم عمل هيئة تسمى هيئة الغذاء والدواء والعاملين فيها يتم تدريبهم تدريب حقيقي كلاً في مجاله كي يوكل لها الإشراف والرقابة على كل ما يخص الصحة، وقال "احنا أعدينا مشروع قانون لهذه الهيئة وقدمناه لرئيس الوزراء من حوالي 6 شهور، لو عملنا ده هنقفل على ناس كتير أبواب مفتوحة في الغش التجاري".

إعلانات في فضائيات "بير السلم"

عدد من الشركات المتخصصة في السماعات لا تزال إعلاناتها تُبث عبر شبكة قنوات تايم الفضائية، ويقولون أنها بمواصفات عالمية، واحد من هذه الإعلانات لشركة تدعى - ماستر للتوريدات الطبية-، ويبدأ الإعلان بمشهد من فيلم عربي قديم لإسماعيل ياسين يتحدث مع أحد الشخصيات بطريقة كوميدية ويقول له "أنا مش سامع حاجة"، ثم يظهر إعلان الشركة عن سماعات طبية يحتاجها فاقدي السمع وقيل أنها بضمان أمريكي وألماني ودنماركي.

رسم كروكي للسماعة

ويذكر الإعلان " الشركة لديها سماعات خاصه للأطفال ويوجد قسم خاص لصيانة جميع انواع سماعات الأذن وتوجد جميع مقاسات البطاريات ويوجد قسم للتخاطب للكبار والصغار ومفاجأة الرحمة يوجد سماعات الحالات الخاصة".

غياب رقابة

الدكتور محي الدين حافظ رئيس شعبة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، يؤكد أن هناك اتفاقا بين وزارة الصحة وهيئة الاستثمار ممثلة لمدينة الإنتاج الإعلامي بمنع ظهور إعلانات عن أية أدوية أو مستلزمات طبية كالسماعات الطبية سواء كانت مسجلة  في وزارة الصحة أو غير مسجلة.

ويشير في حديثه لـ"مصراوي" أن كل المستلزمات والأدوية التي تظهر عن طريق الفضائيات ليست مطابقة للمواصفات، وأنهم قاموا بوقف بث عدد كبير من القنوات الفضائية التي تروج تلك المنتجات، لكن هناك قنوات أخرى تبث إرسالها  من أقمار صناعية خارج مصر.

"احنا منقدرش نتعامل مع هذه القنوات لأن معندناش سلطان كحكومة مصرية غير على النايل سات، هذه الشركات تروج لمنتجات غير مطابقة للمواصفات، وليس لها فروع في مصر وتبيع منتجاتها عن طريق التليفون، مفيش شركات على الأرض مجرد مبيعات عن طريق التليفون ودول ناس مستخبية في أوكار وجحور وتبيع الأجهزة الطبية والأدوية بموتسيكلات للناس، صعب نلاقيهم وبالتالي صعب الرقابة عليهم".. هكذا يقول..

كما أن رئيس وحدة الرقابة والتفتيش بوزارة الصحة صابر غنيم ، نفى لـ مصراوي علاقة وزارة الصحة بهذه السماعات الطبية المتداولة عبر القنوات، لكنه أقر أن تلك الإعلانات تُبث من قنوات خارج مصر ولن يستطيعوا الرقابة عليه أو وقف بثه. "منقدرش نوقفها لأنها مش على القمر الصناعي المصري".

مستلزمات طبية مغشوشة

في السياق ذاته حصل "مصراوي" على مستند رقابي من جهاز مباحث التموين يؤكد أنهم حرروا منذ بداية عام 2016 وحتى أكتوبر الماضي ما يقرب من 117 قضية لـمستلزمات طبية بها غش تجاري، بالإضافة لضبط 18 مليون و361 ألف و652 عبوة مستلزمات تشمل سماعات طبية مغشوشة ومستلزمات طبية أخرى، بالإضافة لـ ثلاثة ألاف و903 عدسة لاصقة غير مطابقة للمواصفات .
صورة رقم 1

ويؤكد العقيد أحمد مهران المتحدث الإعلامي بجهاز مباحث التموين لـ"مصراوي"، أنه قبل عدة أشهر قام جهاز حماية المستهلك بالتنسيق مع مباحث التموين بتحذير المواطنين من شراء المستلزمات والأدوية الطبية غير المسجلة بوزارة الصحة، ومجهولة المصدر عبر قنوات فضائية مجهولة، ورصد الجهاز إعلانات مضللة تبث على شاشات عدة قنوات فضائية للترويج لمنتجات طبية بادعاء قدرتها على علاج عدد من الأمراض على خلاف الحقيقة.

وتمت إحالة قنوات المصارع ، ستار سينما2، بيروت سينما ، ليالي سينما ، دوللى سينما ماجستيك سينما، ستار2 للنيابة العامة لقيامها ببث إعلانات مجهولة المصدر، لكنه حتى الأن منتج "جود باي ديليتيز" يبث إعلاناته عبر قنوات سعودية تبث إرسالها من خارج مصر ولا يستطيع جهاز حماية المستهلك أن يحيلها للنيابة أو يوقف بثها.

مشاكل في السماعات  

على صعيد أخر تواصل "مصراوي" مع عدد من ضعاف السمع، والذين اشتكوا من مشاكل تعرضوا لها أثر استعمالهم السماعات الطبية بعضها مغشوش والبعض الأخر ذو مواصفات جيدة لكنها أصرت عليهم سلبياً.

وأكدت "إسراء عماد" فتاة في 25 عاما، ومصابة بضعف السمع منذ نعومة أظافرها، أن السماعات الطبية هي وسيلة مساعدة لمحاولة أن يتواصل فاقد السمع مع الأخرين، لكنها لا تساعد على استعادة السمع نهائيا.. حسب كلامها.

وأضافت أن الأصم حينما يفقد السمع وتصل نسبة السمع لديه أقل من 10%، الأطباء ينصحون المرضى بارتداء سماعة طبية كي يقوموا بتميز الحروف والأصوات الناطقة، وهذا ما حدث معها حينما نصحها الطبيب بارتداء سماعة، كانت أبرز المشكلات التي تعرضت لها هي الصيانة الدورية للسماعة حيث لم يكن قريب منها أماكن للرعاية الصحية أو مراكز لتأهيلها كي تستجيب في سمع الأصوات، مما أجبرها على  خلع السماعة كثيراً، وهذا ما جعلها تعتمد على طريقة الإشارة فقط في تواصلها مع الأخرين وجعلها تنسى النطق نسبياً.

وأكدت أنه من ضمن مشكلات السماعات الطبية أنها تسبب إزعاج وصداع للمريض وهي تستعملها منذ الصغر وتشعر بذلك، وأضافت أنها استعملت سماعات تتبع التأمين ا لصحي لكنها كانت رديئة للغاية، والأطباء نصوحها بعدم ارتدائها مرة أخرى.

رامز عباس هو الأخر شاب في عامه الـ 29، يحكى أنه الإعاقة السمعية بدأت معه في المرحلة الابتدائية، حيث يشعر بضعف سمع شديد، "كنت بلبس سماعة طبية في أذني اليمنى، مكنتش بتوصل الصوت بشكل واضح أووي، هي كانت تساعدني بعض الشيء إني اكمل دراستي الاعدادية وبعديه الدبلوم".. يقول.

ويوضح أن السماعة الطبية كانت تتبع هيئة التأمين الصحي وكان سعرها 400 جنيها، لكن تكلفتها الحقيقة تتعدى 10 ألاف جنيه،  حيث يقول: "لو انت عندك تشويه معين في العصب مش هتسمع بيها أنا كان عندي مشكلة في العصب فالسماعة كانت عامل مساعد فقط بتوصل الصوت للي قريب مني على مسافة أقل من متر، لكن من بعيد، حاليا مش بسمع الصوت خالص ولو جيت البس سماعة مش بسمع، بسبب مشكلة العصب".

وتابع أن غالبية السماعات تقوم بعمل مضاعفات في الأذن، وأردف أنه كانت هناك حالة لشاب من ضعاف السمع بدأ يحدث له مضاعفات نتيجة ارتداء سماعة طبية، "هي بتعمل مضاعفات مع الوقت، السماعة بتعمل صوت عالي لو عليت الميكرفون بتاعها من الجهاز خلف الأذن بسمع صوت عالي جدا، بيزود المشاكل في العصب وبيضيع السمع عند أي إنسان، والخلايا العصبية بتتاثر".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان