إعلان

التعليم المفتوح.. طريق الحلم يصطدم بمستقبل مجهول - (تقرير)

12:16 م الأحد 27 نوفمبر 2016

محمود جمال

كتبت-داليا شبل:

فى واحدة من أكبر شركات الصناعات الغذائية في العالم العربي، بفرعها بالقاهرة، يعمل محمود جمال الذي تقدم للعمل فور انتهائه من الدبلوم التجارى، وقُبل فى وظيفة سكرتير، لم ينته الأمر بمحمود عند هذا الحد، فكان له وجهة أخرى، أَملا من خلالها تحقيق مستوى تعليمى ووظيفى أفضل."يمكن الظروف مكنتش فى صالحى فى بداية حياتى وماعرفتش دخول الثانوية العامة، لكن أنا كان عندى حلم تانى أكبر من المكان اللى أنا فيه".

فى 2012، قرر جمال، أن يسلك طريق الحلم، وكان لازال حينها باب نظام التعليم المفتوح فى مصر مفتوحاً لجميع من فاتهم قطار الثانوية العامة، هذا قبل أن تُصدر وزارة التعليم العالى والبحث العلمى قرارها، فى مايو 2016، بإلغاء النمط الحالي من نظام التعليم المفتوح، وغلق باب التقديم للدفعات الجديدة، واستمرار الطلاب المقيدين فى دراستهم لحين تخرجهم.

جمال إتسع له نظام التعليم المفتوح، وكانت الدراسة الصعبة على الكثيرين من المقيدين بهذا النظام يسيرةٌ على الطالب الذى حقق نجاحا، ليصبح بذلك الأول على دفعته على مدار الأربع سنوات: "بعد ما أخذت قرارى بتحسين مستوايا التعليمى والوظيفى، كان التعليم المفتوح هو أملى الوحيد، قدمت أوراقى فى 2012، بكلية الأداب، جامعة عين شمس، والدراسة مش سهلة لكن كان إصراري أكبر من إنى أستصعب أى حاجة، والحمد لله قدرت أتفوق وكنت الأول على دفعتى خلال الأربع سنوات وإتخرجت فى 2016 وأنا معايا شهادة رسمية من الجامعة إنى حصلت على شهادة عليا، المفروض إنها تعادل شهادة أى طالب جامعى آخر-على حسب تعبيره-".

أجاز القانون إلتحاق خريجى الدبلومات الفنية بالجامعات المصرية، طبقا لما ورد بقرارا وزير التعليم العالى رقما 18، 19 الصادر بتاريخ 8/1/1991، على أن يحصل فى نهاية الدراسة على شهادة عليا من الجامعة المقيد بها.

وبينما كان يذهب البعض إلى أن هذا النظام غير مقنن من الأساس، ويعد إخلال بمبدأ المساوة ومبدأ تكافؤ الفرص، حيث أن المادة رقم 75 من اللائحة التنفيذية للقانون 49 لسنة 1972 في شأن تنظيم الجامعات الصادر بها القرار الجمهوري رقم 809 لسنة 1975 تنص على أنه: يشترط قيد الطالب في الجامعة للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس أو أن يكون حاصلاً على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها ويكون القبول بترتيب الدرجات والنجاح.

15218279_1295246863859491_444177200_n

بعد حصول جمال على شهادة التخرج، أصبح محاصر تماماً بالقوانين التى أتاحت له فرصة الإنضمام إلى صفوف الطلاب الجامعية والتى سلبت منه حق المساواة بهم، حيث أنه كان قراره فور التخرج أن يكمل دراسات عليا بجامعة عين شمس، وكانت المفاجأة:"من الطبيعى إن أى شخص قدر أن يكون له ترتيب على دفعته، إن أول شىء يفكر به، إنه يكمل دراسات عليا، وكانت خطوة التقدم لإدارة الدراسات العليا بجامعة عين شمس هى الخطوة البديهية والتلقائية اللى عملتها فوراً، وإكتشفت هناك أن طلاب التعليم المفتوح مالهومش حق التقديم فى الدراسات العليا"، ويتساءل جمال، " إيه هو حقنا بالظبط لو مالناش حق غير الشهادة؟"

لم تغلق الدراسات العليا فقط بابها فى وجه جمال، بل لم يتسع له أيضا سوق العمل، ليصبح بذلك سكرتيرا بدرجة بكالريوس أثار بتقدير إمتياز، : "مش عارف أشتغل بشهادتى ولم يشفع لى أنى كنت الأول على دفعتى، وبشتغل حتى الأن بشهادة الثانوية الفنية، وأنا كنت أتمنى إن الدولة تدينى فرصة حقيقة لتعويض اللى فاتنى، لكن مش واضح إننا هنستفيد أى حاجه، على العكس خسرنا وقتنا وفلوسنا، وحالنا كما هو عليه، والله احنا ناس نفسها تتعلم في بلدها وتخدم بلدها".

مشاهد واحدة وتفاصيل مختلفة، من جامعة عين شمس لجامعة القاهرة، نظام التعليم المفتوح يجهد أذهان الطلاب وأسئلة كثيرة لا إجابات لها ولا مجيب.

بدأ نظام التعليم المفتوح في العام الجامعي 1990 - 1991 بجامعات "الاسكندرية، والقاهرة، وعين شمس"، وكان أحد شروط الإلتحاق بهذا النظام مرور 5 سنوات على الأقل بالحصول على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها للالتحاق ببرامجه، لكن تم إلغاء هذا الشرط في العام الجامعي 2009-2010 في مجموعة من المحافظات النائية والتي لا تتوافر فيها فرص كافية للتعليم العالي.

كلية الإعلام، جامعة القاهرة، المكان الذى إنطلقت منه سما عكاشة نحو حلمها، لتصطدم بواقع لا يشبه الحلم، :"أنا كنت ثانوية عامة، سنة الفراغ، وكل الكليات التى كانت متاحه لى كانت فى المحافظات، وكان الحل الوحيد علشان ماتغربش عن أهلى هو التعليم المفتوح، وأهلى قالوا نوفر البهدلة وأقدم بنظام التعليم المفتوح وحسبة المصاريف كانت قريبة، وقدمت بكلية الإعلام أكيد هتكون أحسن من غيرها".

___-_____

وأضافت عكاشة،:" لما روحت سألت في مركز التعليم المفتوح قالولي إنها بكالوريوس عادي معترف، بس الفرق في نظام الدراسة، والتى ستكون يومى الجمعة والسبت".

كانت البداية مشجعة، ووقع كلمات المسؤلين فى مركز التعليم المفتوح بجامعة القاهرة على سما كان بمثابة ضوء أرشدها فورا إلى تقديم أوراقها، لكن الوضع كان مختلفا بعد ذلك وفور بدء الدراسة،:"دخلت لاقيت كل ده اشتغالات اول تيرم كانت الدنيا ماشية كويس، بعد كده، المحاضرات يوم الجمعة بس، والمحاضرات مره 3 محاضرات ومره 5 محاضرات، وممكن يوم نروح تتلغى المحاضرات خالص، ده غير طبعا ان فى مادة في الجدول بناخدها محاضرة واحدة كل أسبوعين بمعدل محاضرتين في الشهر ده لو الدكتور التزم أصلا"، تسائلت سما،"كنا ممكن إزاى بالشكل ده نلحق نلم المنهج".

مشاكل أخرى كانت تعانى منها الطالبة بكلية إعلام بنظام التعليم المفتوح،:"بالنسبة للمصاريف كل شوية كانت تتلغى وبعدين تزيد وبندفع رسوم وهمية زي أنشطة طلابية وتأمين صحى كانوا بيفرضوه إجبارى علينا ومكناش بنعرف نستفيد منه".

وطبقا لما ورد عبر الموقع الإلكترونى لمركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، فإن المصروفات الدراسية ثابتة، بنحو، 135 جنيها للمادة شاملة التطبيقات والكتاب وسى دى واحد فقط ويضاف مبلغ 20 جنيها للامتحان خارج القاهرة ( الأقاليم )، كما أن رسوم المقابلة الشخصية بالنسبة للمصريين 50 جنيه مصرى، بالنسبة لغير المصريين 25 دولار أمريكى، وفى حالات التأجيل، يتم دفع مبلغ 10 جنيهات للمادة الواحدة، على أن يكون للطالب 10 مواد فقط يمكنه الاعتذار عنها خلال فترة دراسته ( بدون سبب ) او الاعتذار بسبب وذلك بتقديم ما يدل على سبب العذر ( العذر بسبب غير محدد بعدد معين للمواد )، هذا ما ورد فقط فى حول المصروفات الأساسية لطلاب التعليم المفتوح عبر الموقع الإلكترونى الخاص بهم، ولم يذكر أى أسباب أو استثناءات لزيادة تلك المصروفات.

أسئلة كثيرة تفرض نفسها أمام المسؤولين عن ملف التعليم المفتوح بالجامعات المصرية، أهمها، ما هو مستقبل التعليم المفتوح فى ظل المشكلات التى يعانى منها الطلاب وأيضاً فى ظل قوانين يتم تفعليها وأخرى يتم إلغاءها؟.

يجيب الدكتور أحمد جلال السيد، مدير مركز التعليم المفتوح بجامعة عين شمس، :"نحن مدركون تماماً أن هناك مشاكل يعانى منها نظام التعليم المفتوح فى مصر، ولا ننكر وجود نواقص كثيرة فى النظام الحالى ومشاكل ينبغى التعامل السريع معها، والتى من أهمها مشكلة المناهج الدراسية والتى تحتاج لإعادة تقيم ووضع صياغه جديدة لها تتناسب مع طبيعى الطلاب، فضلا عن أن هناك مشكلة حقيقة فى مستوى الخارجين من نظام التعليم المفتوح، فلابد أن تراعى الدراسة أن هؤلاء الطلاب لم يتلقوا التعليم المناسب خاصة طلاب الثانوية الفنية والدبلومات، هم فى حاجه إلى المزيد من المتابعة والتواصل المباشر مع أساتذتهم حتى يتم سد الفجوة ما بين المنهاج الدراسية الجامعية وما درسوه بالفعل"، مضيفاً لابد أن يكون هناك ألية ما لربط خرجين التعليم الفنى باحتياجات سوق العمل.

أكد مدير مركز التعليم المفتوح بجامعة عين شمس، أنه لا يوجد أى نية لإلغاء نظام التعليم المفتوح، لافتاً،:"ما يتم تداوله حول إلغاء التعليم المفتوح غير صحيح بالمره، بل ما حدث أن المجلس الأعلى للجامعات شكل لجنة خاصة لتعديل برامج التعليم المفتوح بما يناسب التطورات التى تحدث على المستوى التعليمى والتكنولوجى.

وعن الأساليب الجديدة التى من المفترض تفعيلها لخدمة طلاب نظام التعليم المفتوح قال السيد، "ندرس الآن إمكانية تحويل المقررات الدراسية المطبوعة إلى مقررات إلكترونية، بجانب أننا سنعمل على توفير محاضرات مرئية للطلاب يمكنهم متابعتها من خلال موقع الجامعة على شبكة الإنترنت، وبذلك لا يتطلب حضور الطلاب إلى مقر الجامعة، وهو إتجاه عام فى الدول المتقدمة، التحول من التعليم داخل الغرف الى التعليم الإلكترونى.

وعلق السيد عن جودة التعليم الإلكترونى وعدم الإعتراف بأنه يؤهل الطلاب لسوق العمل، قائلا:"من يقومون بتدريس المناهج لطلاب التعليم المفتوح هم أكادميين لكن المشكلة أن أعداد الطلاب بنظام التعليم المفتوح فى تزايد، ولا يوجود ميزانيات تغطى تلك الزيادة فى الأعداد، وهو ما يجعل التواصل مع الأساتذة والطلاب ضعيف، وبالطبع يؤثر نوعا ما على مستوى التعليم الذى يحصل عليه هؤلاء الطلاب.

لم ينفى دكتور سيد تاج الدين عميد كلية هندسة جامعة القاهرة، مدير مركز التعليم المفتوح سابقاً، كل ما قيل من الطلاب عن مشاكل التعليم المفتوح فى مصر، بل أنه أكد أنه مدرك تماماً لما يعانيه هؤلاء الطلاب، موضحاً أن برامج التعليم المفتوح كان هدفها الأساسى توفير الفرصة لمن لم يكن لديهم فرصة فى وقت سابق للإلتحاق بالكليات التى يرغبون فى الدراسة بها، فهو يكفل الفرصة أمام الجميع لمستوى تعليمى أفضل.

وأضاف تاج الدين،: بدأ هذا النظام هو أساس تحسين المستوى التعليمى لكبار السن ومن بعدهم طلاب الدبلومات الفنية، لكن مع زيادة الأعداد فى السنوات الماضية أصبح من الصعب التحكم فى أعداد الخريجين، الأمر الذى قد يؤثر بشكل أو بآخر على حقوق الطلاب المقيدين أساسا بالجامعات، كما أن هذا النظام مرتبط بإحتياجات السوق وبالتطورات التكنولوجيا، ولابد أن يواكبها لا أن يصبح حملاً عليها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان