إعلان

6 مشاهد لموجة التصعيد الإسرائيلي.. الأقصى يأبى التقسيم

10:35 ص الأربعاء 16 سبتمبر 2015

كتب- إشراق أحمد وسارة عرفة:
في مثل هذه الأيام، حيث موعد الأعياد اليهودية، التي يكثر عددها في شهري سبتمبر وأكتوبر؛ ينفث الاحتلال الإسرائيلي سمه بضراوة نحو الأقصى وأهل مدينة القدس، فعلى الرغم من مداومة اقتحام ساحة المسجد الأقصى منذ الحرب الأخيرة على غزة في يوليو 2014 من قِبل المستوطنين، غير أن الموجة الأخيرة في "موسم" التصعيد، كانت "الأشرس" -وفقا لأهل القدس، عما سبقها من هجمات تصعيدية اعتاد "الأقصى" على مواجهتها، بالتزامن مع اقتراب الأعياد الإسلامية أو اليهودية، وقد بلغ عدد الاقتحامات التي تعرض لها أولى القبلتين العام الماضي 2014 نحو أكثر من 450 وفقا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إحدى تصريحات وكيلها "حسن الصيفي"، فيما سجلت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في تقرير لها بتاريخ 1 أكتوبر 2014، أن أكبر استهداف كان خلال شهر سبتمبر 2014، سواء على مستوى اقتحام المستوطنين أو استبعاد المرابطين، إلا أنه تم إحباط تلك المحاولة، التي تلوح ذكراها في الشهر ذاته خلال هذه الأيام، ففي الثامن من سبتمبر الجاري، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي "موشيه يلعون" حظر جماعة "المرابطين" واعتبارهم خارجين عن القانون، ليشهد الـثالث عشر من سبتمبر أول موجة للانتهاك "الأقصى"، يتقدمها وزير الزراعة بالحكومة الإسرائيلية "أوري أرئيل"، ومعها اعتداء لم يتوقف حتى اليوم، على مَن يتواجد داخل المسجد أو بشوارع وأزقة البلدة القديمة.

الرباط في مواجهة الغدر

صورة1

في تمام الساعة السادسة والنصف صباحا، أنهى المصلين أداء النوافل، انقسم المرابطين، بين ماكثين داخل المسجد القبلي، وأخرين صاحبوا الحراس بالساحة الخارجية، كان منهم علاء الحداد، ما لبثوا أن توقفوا لتصوير مقطع مصور لبعض أصدقائهم يؤدون مناسك الحج، حتى سمعوا صوت مدوي "فجأة لقينا جنود الاحتلال بيطلقوا الرصاص ناحيتنا"، التصويب كان نحو الوجه كما يقول الشاب الثلاثيني، بينما تم محاصرة مَن داخل المسجد، وفي أقل من نصف الساعة فعل المحتل فعلته، باقتحام المسجد القبلي، والاعتداء على أئمة "الأقصى"، الحراس، الموظفين، وجميع مَن تواجد.

"من 20 سنة لأول مرة يحصل هيك" يقول "الحداد" الذي يرابط بالمسجد الأقصى منذ كان بعمر 18 عاما، فموجة الاقتحامات، التي بدأت منذ أول أمس، والمتكرر حدوثها فترات الأعياد سواء الإسلامية أو اليهودية، لكن الشاب لم يشهد مثل تلك الحدة من قبل، فللمرة الأولى يبصر "الحداد" قوات ملثمة تنزل على سطح المسجد، بدا له أنها مدربة للاقتحام.

أكثر من نصف ساعة ظل سجاد المسجد القبلي يشتعل، بينما يطلق الجنود وابل رصاصهم من نوافذ قبة المسجد، فيما ظلت المحاولات المستميتة للمرابطين بالداخل، للانضمام إلى رفاقهم لإخماد الحريق، فقط أربعة في غضون السابعة والنصف نجحوا بالدخول من باب فرعي بعد عناء، "أول واحد دخل وحاول يطفي النار طخوه في إيده"، فتراجع الثلاثة الأخرين قليلا، غير أن هؤلاء الذين لا يُعرف هويتهم لكن معروف رباطهم الدائم داخل المسجد كما يصف "الحداد" تمكنوا بعناية إلهية من إخماد الحريق، وظلوا يتصدون لمنع دخول الجنود.

بظهر اليوم الأول، تمكن المقدسيون من دخول المسجد القبلي، للملمة أثار الدمار، من زجاج مهشم، وسجاد محروق، وظلوا على رباطهم حتى بعد ساعة من صلاة العشاء، حيث موعد إغلاق المسجد بأمر الاحتلال، ليواجهوا باليوم الثاني ما هو أشد "دخلوا غدر ما كان متوقع أنهم يدخلوا يجيبوا الشباب من جوه"، أشاع الاحتلال عبر جنوده أن اليوم "عيد" ولا توجد زيارات، وتربص المقدسيون في الموعد المعروف لدخول المستوطنين، حيث يُمنع دخول المسجد من السادسة والنصف وحتى الحادية عشر صباحا -التقسيم الزمني الذي نفذه الاحتلال، لكن الساعة تجاوزت السابعة ولم يحدث شيء "فوجئنا باب المغاربة انفتح ودخلوا بصورة كاملة واعتقل شابين من الخارج"، وتم محاصرة المسجد حتى أذان الظهر، ليواصل الشاب وأهل القدس صمودهم حتى اليوم الثالث لحماية المسجد الأقصى.

محاولة كسر الإرادة
صورة-2
لم يكن أمجد أبو عصب، ممن يسكنون قرب المسجد الأقصى، لذا كان مِن بين الوافدين بعد انتهاء الاقتحام، غير أن رائحة الغاز المسيل للدموع، وقذائف الصوت، كانت لازالت تحيط بالمكان "كل مَن يدخل الأقصى تصيبه نوبة سعال شديد"، ما كان الاقتحام هذه المرة في نظره إلا خطوة في خطة الاحتلال المتواصلة للسيطرة على القدس والمسجد الأقصى، ورؤيته لمشاهد التدمير التي لحقت بالمسجد القبلي، واطلاعه على كافة التفاصيل بحكم كونه رئيس لجنة أهالي الأسرى في القدس، أكد له أن تلك الموجة المتصاعدة ما هي إلا محاولة "لكسر الإرادة والتشديد على المرابطين"، فقد بلغ عدد المعتقلين في اليوم الأول 10 مقدسيين، ليضافوا إلى الـ1200 شخص اعتقلوا حتى بداية العام الحالي.

أعداد المقتحمين تلك الموجة ليست الأكبر من نوعها كما يقول "أبو عصب" بقدر شراسة التعامل الأمني، فالأعداد غالبا ما تتراوح بين مجموعات من 10 -20 مستوطن، وفي مرات قليلة كانت 250 مستوطن، غير أن تلك المرة وجد قرابة 150 شخص من المرابطين وكبار السن وطلاب المدرسة الشرعية بالأقصى أنفسهم أمام مجموعة تحميها وحدات "يسام" –وحدات التدخل السريع- كما يذكر "أبو عصب"، الذي يؤكد أنها مَن قام بعملية الاقتحام هذه المرة، وهو ما يعد تجاوز للخطوط الحمراء في نظر رئيس لجنة أهالي الأسرى، ففي السابق كان إطلاق الرصاص يحدث من الخارج، لكن هذه المرة وصلت لداخل المسجد، فضلا أن إسرائيل كانت تحرص على إخفاء الانتهاكات، بينما اليوم تعتدي وتنتهك أمام الكاميرات دون استحياء، ولا سبيل لردعهم سوى أهل مدينة القدس، الذين يواجهون أفعالهم وحدهم كما يقول "أبو عصب".

لم يَسَلَم أحد
صورة-3
بينما يعيث جنود الاحتلال فسادا في المسجد الأقصى؛ يطردون المُصلين، الحراس، الموظفين، يخلون جنبات المسجد من أي تواجد بشري، تعرض عدد منهم إلى إحدى الحارسات، فيما كان الشيخ عمر الكسواني –مدير المسجد الأقصى- بالجوار، لم يسلم هو الأخر من الطرد والإهانة، فبمجرد اندفاعه للزود عن السيدة، التي مزقوا جلبابها، قام جنود الاحتلال بدفعه، وإطلاق قنبلة صوت صوب رأسه، مما أصابه بشظايا، ليمر اليوم الأول مسجلا مدير المسجد الأقصى بين إصابات المشايخ والعاملين.

25 من حراس المسجد الأقصى تم إصاباتهم باليوم الأول كما يقول "الكسواني"، تمثلت جميعها في رضوض نتيجة الضرب بالهراوات وإطلاق قنابل الصوت والرصاص المطاطي صوب الوجه مباشرة، بلغ إلى إصابة أحد الحراس بأزمة قلبية نتيجة رش غاز الفلفل عليه، فالاقتحام المستمر لليوم الثالث على التوالي، ومر مخلفا إصابة 2 من الحراس، واعتداءات نالت الكبير والصغير دون تفرقة، جاء مخالفا لما سبقته من انتهاكات إسرائيلية لساحة الأقصى "باليوم الأول قام بالاقتحام قوات حرس الحدود والقوات الخاصة، استهدفت كل مَن تواجد بالمسجد، التخريب كان مقصود"، يقول "الكسواني" معبرا عن الأحداث التي شهدها المسجد، وبلغت إلى دخول المسجد القبلي والقبض على مَن فيه "اعتقل أحد أفراد الطاقم الطبي من العيادة بالمسجد"، فضلا عن بلوغ الجنود محراب المسجد، مكان الإمام "منبر صلاح الدين" وصولا إلى مسجد عمر فذلك تجرأ جديد للاحتلال.

تدمير لحق بالمسجد القبلي، من حرق للسجاد نتيجة إطلاق القنابل "ولم تزل بقع سوداء أثار الحريق باقية رغم التنظيف" حسب "الكسواني"، فضلا عن جميع النوافذ التي هشمها رصاص جنود الاحتلال، و3 شبابيك أثرية بقبة المسجد، وثريات تعود إلى الزمن العثماني والأموي كما يقول مدير المسجد الأقصى.

مقابل التصعيد الذي بلغ إلى إغلاق أبواب "الأقصى" في اليوم الثالث ومنع دخول المصلين إليه حتى الثانية عشر ظهرا، وتنفيذ البرنامج السياحي بدلوف 45 مستوطن إسرائيلي لأداء أفعالهم التلمودية وفقا لـ"الكسواني"، كانت "هَبّة" المقدسيين إذ تصدوا لجنود الاحتلال والشرطة الإسرائيلية والمستوطنين على جميع أبواب المسجد، مما أدى لوقوع عشرات الإصابات.

للأقصى نساء
صورة-4

على أبواب ساحة الأقصى، لم يتردد فرد من الاندفاع لحماية أولى القبلتين، يتقدمهم المستبعدون من دخوله بأمر الاحتلال؛ 56 مرابطة اجتمعت أمام باب السلسلة، البوابة التي يخرج منها المستوطنون، عقب تنفيذ اقتحامهم المعتاد بدأه من باب المغاربة، ويزداد وفودهم وتجرئهم في مثل تلك الأيام، غير أن عايدة الصيداوي ورفيقاتها من المرابطات دائما ما يكونون لهم بالمرصاد، فمنذ الصباح الباكر لأول يوم للاقتحامات تواجدت السيدة الخمسينية، تعلم أنه بالأعياد يستغل الإسرائيليون الوضع، غير أن هذه المرة جاءت مختلفة "زادوا بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز والصوت.. السنة دي وحشية" تقولها "الصيداوي" واصفة بدء موجة الاقتحامات، التي ترى أن سبب تصعيد شراستها إلى رغبة المحتل في "جس نبض" رد الفعل، لمعرفة مدى المواجهة التي يلقاها.

بجوار باب المغاربة تسكن "الصيداوي"، تذهب إلى المسجد الأقصى للمرابطة منذ أكثر من 30 عاما، لا يمنعها استبعاد، كان أخره في الثالث من سبتمبر الجاري "اقتحموا البيت قبل الفجر وأخدوني وما خلوا أي شيء فيه"، ليُحكم على السيدة باستبعاد لمدة شهرين، لكنها تحافظ على عهدها يوميا بالبقاء جوار "الأقصى"، ومنذ اليوم الأول لموجة الاقتحام، التي تقدمها وزير الزراعة الإسرائيلي، تتصدى السيدة ومعها المقدسيين وزاد عليهم "أهلنا من مناطق الـ48" لقوات الاحتلال، لا يملكون سوى ردعهم بكلمة واحدة "الله أكبر"، مقابل الرصاص والقنابل، يحملون أرواحهم بين أكفهم، "يروح كل اشي ويضل الأقصى.. هم ما يعرفوا شو الأقصى بيعني لنا" تقولها السيدة الموقنة أن الرباط شيء في تكوين المقدسيين، لن يتخلوا عنه لأخر إلى أن يتحرر الأقصى، ولو وضعهم الاحتلال في قائمة سوداء، تحظر المرابطين وتعتبرهم جماعة إرهابية "نحنا إن شاء الله بنعتبر حالنا بالقائمة الذهبية".

قمع التوثيق
"لم يتركوا بشر ولا حجر إلا واعتدوا عليه" وصف الخالة "صيداوي" لما حدث من انتهاك طال الجميع، كان أثره على الصحفية المقدسية ديالا جويحان، التي سقطت بين المصابين، في اليوم للأول للمواجهات بالقدس "مدينة الخوف" كما تصفها.

صورة-5

عند باب السلسلة، توجهت "جويحان" لرصد الأحداث، ونقلها لموقع الحياة الجديدة الذي تعمل له، المرابطين وطلاب المدرسة الشرعية، في مواجهة جنود الاحتلال، الذين كثفوا إطلاقهم للقنابل، وبينما تتابع الشابة الثلاثينية تصاعد الوضع، تفاجأت بعدد من الجنود نحوها "دفعوني وقعت على وجهي وبلشوا يضربوني برجليهم"، لكنها استطاعت الفرار منهم.

تحملت "جويحان" آلام الاعتداء الأول، ونهضت لمواصلة عملها، وبينما وهي في طريقها بشارع "الواد"، ذلك الفاصل بين باب الحديد، وباب المجلس –أسماء أبواب المسجد الأقصى-، حيث كانت قد تجاوزت الباب الثاني، حينها هاجمتها قوة أخرى من الجنود، وأخذوا في دفعها دفعا، حتى سقطت داخل محل للأشرطة، لينهالوا عليها بالهراوات، وأعقاب أسلحتهم، فلم تستطع الافلات تلك المرة مع تزايد الضرب عليها، "جرجروني حتى باب المجلس" تحكي "جويحان" عما لاقته بعد وصلة الضرب من قبل جنود الاحتلال، إذ وجدت الشابة نفسها تُسحل لتعود إلى نقطة قدومها مرة أخرى، وهناك حاولت مجموعة من المرابطات تخليصها من أيدي المحتلين، لكنهم لم يستطيعوا.

جرح باليد اليسري، وإصبع السبابة، رضوض بالرقبة، والكتف، وخدوش وتورم بالوجه، ما أسفر عنه ضرب الصحفية باليوم الأول من المواجهات، ورغم ذلك، لم تتراجع "جويحان" عن عزيمتها لمواصلة عملها حتى الآن، تتابع نزولها للمسجد الأقصى، ترصد الاعتداء الإسرائيلي، الذي بلغ حد إصابة 80 مدني باليوم الثالث –كما تقول-، تحمل سلاحها الذي يهابه المحتل "الإسرائيليين بيجن جنونهم لما يشوفوا عدسات تصوير"، فلم يسلم صحفي بمواجهات اليوم الأول من الاعتداء عليه، بل وتخريب موادهم الصحفية، في محاولة لمنع نشر الحقيقة، وإظهار الصورة الكاملة.

خذلان الأقصى

"الاعتداءات الوحشية من إسرائيل جاءت نتيجة لرفض الشعب الفلسطيني لسيناريو التقسيم" كذلك يرى خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري موجة التصعيد الأخيرة، معتبرا هذا دافعا لإشعال شرارة التصدي لحماية الأقصى، وسينعكس على عزيمة المسلمين وسيقويهم لمواجهة العدوان، وليس العكس كما يظن الاحتلال.

رغم استنكار خطيب المسجد الأقصى، والأمين العام للهيئة الإسلامية العليا في القدس للهجوم "البربري" كما يصفه، وتدمير النوافذ الأثرية للمسجد القبلي، وإصابة نحو 100 شخص باليوم الأول، و50 باليوم الثاني، فيما يتوقع أن يزيد العدد باليوم الثالث عن 50 مصاب –على حد قوله-، غير أنه لا يرى في هذا فعل جديد على الإسرائيليين "كيف يستحون من تخريب هذه النوافذ وهم قتلة الأنبياء والرسل والعلماء"، مستشهدا بالآية الكريمة من سورة آل عمران "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل".

لم تكن التصريحات الرسمية العربية الرافضة لما يحدث في الأقصى على المستوى المطلوب، كما يقول خطيب الأقصى، واصفا الموقف العربي بـ"الهزيل والمخجل"، موضحا أنه لا يلقي باللوم على الغرب ولا الدول الأجنبية ، قائلا "إذا كان العرب غير قادرين على مناصرة قضيتهم فكيف يلجأ للغرب الذي من شيمه الوقوف بجانب الطرف القوي؟".

يرابط أهل مدينة القدس، كلٌ في مكانه، يصدون محاولات المحتل، يراهنون الجميع على إفشالها، يوقنون أن للبيت رب يحميه، لكنهم في الوقت ذاته سأموا مداومة المناداة بكلمات لا تحرك ساكن "الأقصى في خطر"، فيما لسان حالهم الصارخ يتمثل بكلمات "الحداد" -الشاب المرابط "الأمة الإسلامية والعربية في خطر إذا الأقصى راح".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان