إعلان

كيف بدأ تأسيس تنظيم القاعدة؟..ولماذا اعتبر أيمن الظواهري باكستان وطنه الثاني (6)

12:49 م الثلاثاء 11 أغسطس 2015

أيمن الظواهري

كتب - حازم دياب:

حلقة جديدة من عرض كتاب ''البروج المشيّدة'' نستكمل فيها رحلة البحث عن أسباب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر من خلال البحث عن الأفكار التي قادت مجموعة من الأشخاص للقتل. بدأ الكاتب رحلته من خلال أفكار سيد قطب التي زرعت في أيمن الظواهري وانتقلت إلى أسامة بن لادن. نحن الآن في معسكرات على الحدود الأفغانية في الحرب المتأججة بين الدب الروسي والمجاهدين المدعومين من قبل السعودية في حرب وصفت بحرب المعجزات على الكفر.

في عام 1986، أحضر بن لادن أسرته وأطفاله إلى بيشاور في باكستان، وتنامى لدى أسامة فكرة أن يؤسس سرية جهاد لا تحتوي إلا على العرب، عارض عبد الله عزام ذلك، ووسط جمال خليفة صديق أسامة الأقرب ليقنع بن لادن بالعدول، لكن يبدو أن ذلك الموقف كان بداية عناد لبن لادن لن ينتهي؛ حيث أصر على موقفه، سمى المعسكر بـ''المأسدة'' مستندا لبيت شعري لحسان بن ثابت.

اقترب منه المصريون في المعسكر، خاصةً جماعة الجهاد بقيادة أيمن الظواهري وطلاب المدارس الثانوية السعوديين، وأكثر من اقترب منه في هذه الفترة: أبو عبيدة وأبو حفص المصريين، اللذين أقنعا أسامة بأن رؤساء الدول العربية مرتدون عن الإسلام ويجب قتلهم، كما يرى كثير من الأصوليين. المهم أن مكان المعسكر غاب عنه الاستراتيجية العسكرية، وحذره رفيق دربه السوري جمال خليفة من الأمر وقال له ''سيسألك الله عن كل قطرة دم تسيل هنا''. بنى بن لادن في هذه الفترة الكهوف، إمعاناً في التأمين. في مارس من 1987، بدأ العرب يشعرون بالملل، يتنقالون ما مفاده أن شهور عديدة مرت دون إطلاق رصاصة واحدة، قاد نائب بن لادن في المأسدة هجوم عشوائي على سرية سوفيتية بفشل واضح، وليداري أسامة الفشل، خطط لأكثر من شهر لعملية عسكرية قوية تنفذها المأسدة على موقع الحكومة الأفغانية، وقبل أن يستعد العرب لوضع الذخيرة في أسلحتهم، سمع جندي أفغاني من القوات الحكومية إعداداتهم، فقام وحده بمحاصرتهم في مكانهم حتى هبوط الليل باستخدام مدفعه الجرينوف، فأمر بن لادن قواته بالانسحاب.

والمثير للدهشة أنه لم يُقتل سوى عربي واحد واصيب اثنان بجروح خطيرة، ولكن تناثر كبرياؤهم أشلاءً بعدما هزمهم رجل واحد. وكان المجاهدون الأفغان يضحكون عليهم ويسخرون منهم، لاسيما مع ترديد الشيخ عبد الله عزام أسطورة حرب المعجزات وأن المجاهدين بالعشرات يواجهون الآلاف. بعد ذلك أمطر السوفييت موقع المجاهدين حول المأسدة بقذائف هاون 120 ملم وقنابل النابلم الحارقة، ومع ما أظهره المقاتلون من شجاعة، رغم ما سقط منهم، تأكد بن لادن أن بقائه يعني نهاية كل من معه في ''المأسدة'' فأصدر قراره بالانسحاب، وكانت تلك أسوأ هزيمة تلقاها بن لادن في حياته. يصف المحيطون ببن لادن وقتها. ''صرخ في وجهنا، وتلفظ بكلمات لم أسمعها منه من قبل. كأن قد أصابه مس''.

وكان ضغط بن لادن منخفضا دائماً، الأمر الذي جعله يصاب بدوار وينام أحياناً رغم القصف الذي يتعرضون له طوال اليوم، وكان تلك مما اعتبره المجاهدون معجزة جديدة. وفجأة، كانت هناك قوات دعم بقيادة أبو عبيدة تساند بن لادن بعد الساعة الخامسة من ظهر ذلك اليوم، ومع غياب الدعم الجوي، انسحب الجزء الرئيسي من القوات السوفيتية، ويروي بن لادن ''كان هناك تسعة فقط من الإخوة في مقابل مائة جندي من القوات الخاصة الروسية''.

حقق هنا بن لادن أكبر انتصاراته بعد أن مُنى بأكبر هزيمة في حياته بوقت قصيرة، ومنح أبو عبيدة أسامة غنيمة تذكارية، من ضابط روسي ميت، وهي بندقية هجوم صغيرة من طراز كاليكوف أيه كيه- 74 ذات مقبض مصنوع من خشب جوز الهند، وخزينة ذخيرة مميزة بنية مائلة للحمرة.وفي المستقبل ستظل هذه الهدية دائماً على كتفه. أصبحت تلك المواجهة في المأسدة أساس الأسطورة التي تقول: إنهم هزموا القوة العظمى في العالم، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بعدها بسنوات، وقدر للطليعة التي قدر لها الاستمرار في المعركة أن تكون سببا في ميلاد تنظيم القاعدة باقتران هذين الافتراضين: أن الإيمان أقوى من الأسلحة أو الأمم، وأن تذكرة دخول هذه المنطقة المقدسة حيث المعجزات هي الرغبة في الموت.

بعد انتهاء عقد مدة أيمن الظواهري مع المستوصف الطبي في جدة عام 1986، انضم للجالية العربية المتزايدة في بيشاور، وتفاخر بأن باكستان أصبحت وطنه الثاني، حيث إنه قضى بعض أيام طفولته فيها عندما كان جده لوالدته يشغل منصب السفير المصري في باكستان، ثم التحق به شقيقه محمد. مارس أيمن مهامه كطبيب في مستشفى الهلال الأحمر، الذي كان الإخوان المسلمين يسيطرون عليه، وكانوا يكرهونه بسبب نقده اللاذع لهم في كتابه ''أداة في أيدي الطواغيت''. عمل مع الظواهري في ذلك الوقت طبيب قادم من القاهرة اسمه سيد إمام، واسمه الجهادي الدكتور فضل.

تحولت الهلال الأحمر، في ظل تأثير الدكتور الجزائري أحمد الود والمعروف بتفكيره الدموي، إلى رحم تتكون بداخله بذرة جديدة مهلكة، ستبث الفرقة بين صفوف المجاهدين، وتبرر الانفجارات التي ستنتشر بين الأشقاء في الدول العربية الإسلامية بعد انتهاء الحرب الأفغانية مباشرة. ويرى لورانس رايت في الفصل الخامس من كتابه ''القاعدة'' بأن ظهور هذه النواة نتاج للخوارج في منتصف القرن السابع الميلادي، وجماعة التكفير والهجرة من خلال شكري مصطفى المتأثر بفكر سيد قطب، مبرراً قولته بما فعله مصطفى باختطافه الشيخ محمد الذهبي، وزير الأوقاف الأسبق، والذي كان يخطب في مسجد النور الذي يرتاده الظواهري في صباه. المهم أن الشيخ الذهبي عثر عليه مقتولاً منزوعاً لحيته بعد ذلك.

الكاتب الأمريكي، يرى أن التكفير والقتل هما نقيضان لتعاليم الإسلام السمحة، ونصوص القرآن الصريحة. ويحلل أن أيمن حين وصل إلى باكستان، لم يكن إيمانه بفكرة القتل الجماعي قد تكونت، فلم يكن يحلم إلا بانقلاب يضع ما أسماه الحكم الإسلامي في صدارة المشهد. وللسنوات العشر التالية سيظل الظواهري ممزقاً بين اتجاهين: الخيار المصري من ناحية وهو جماعة الجهاد المبنية بيديه، والخيار العالمي الذي لم يتحدد له اسم بعد، ولكنه كان في طريقه لأن يتحدد شكله، ويحمل اسم القاعدة. زارت السيدة نبيلة جلال حماة أيمن باكستان ثلاثة مرات، ورأت أنه يدفع زوجته عزة إلى حافة الخطر. كان أسامة بن لادن يأتي لإلقاء محاضرات في المستشفى التي يعمل بها أيمن، لم تتجمع أهدافهما بعد، لكن رابط الأصولية المتشددة هو ما جمع فكريهما.

وجد كل منهما ما ينقصه في الآخر: أيمن الظواهري يبحث عن الممول لأفكاره، وأسامة يبحث عن الشخص الذي يصوغ الأفكار بدقة طبيب. وفي إحدى محاضراته تحدث بن لادن عن ضرورة مقاطعة المنتجات الأمريكية كوسيلة لمساندة فلسطين، منحنى جديد بدأ بن لادن يسلكه، حذره منه أيمن قائلاً ''من الآن غير حراستك، رأسك باتت مطلوبة من الأمريكان واليهود وليس الشيوعيون والروس فقط. أنت الآن تضرب الأفعى على رأسها''. وساعده بالفعل، بتوفير حراس له.

في الحلقة القادمة: كيف اغتيل عبد الله عزام وفرح بذلك أيمن الظواهري؟.


اقرأ أيضا:

أسامة بن لادن وعاء الملايين المهووس بالخيل الذي خاف من المشاركة بنفسه في الحرب الروسية (5)

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان