''سحب بريطانيا لسياحها يترك تونس وحدها في مواجهة الإرهاب''
برلين (دويتشه فيله)
دعوة بريطانيا لمواطنيها السياح بمغادرة تونس بعد اعتداء سوسة باتت تشكل خطرا ليس فقط على اقتصاد البلاد بل حتى على الديمقراطية الناشئة في تونس بحسب خبراء. فهل لدى تونس خيارات بديلة؟
بعد التصريحات التضامنية للمسؤولين البريطانيين لتونس عقب الاعتداء الإرهابي الذي طال منتجعا سياحيا بمدينة سوسة، أطلقت الحكومة البريطانية ليلة الخميس (9 يوليو 2015) تحذيرات لرعاياها بعدم السفر إلى تونس إلا ''للضرورة''، كما أوصت البريطانيين المتواجدين بترك البلاد على وجه السرعة.
وليس هذا فقط بل إن بريطانيا وضعت تونس على قائمة الدول غير الآمنة، في ذات التصنيف كأفغانستان والعراق والصومال، وذلك في تطور نوعي لإدارة الأزمة في لندن بعد أن فقدت بريطانيا 30 من رعاياها في الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة 38 شخصا.
وجاءت هذه التحذيرات بعد قرابة أسبوعين من الاعتداء، وعللّت الحكومة البريطانية موقفها، بما اعتبرته قصورا في التدابير المتخذة من قبل الحكومة التونسية، واصفة إياها بـ''غير كافية''.
في المقابل وبعد ساعات، سارع رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد إلى نفي المزاعم البريطانية مؤكدا أن بلاده قامت ''بحماية جميع المنشآت البريطانية''، قبل أن يضيف وزير خارجيته الطيب البكوش صباح الجمعة أن حكومته ستسعى لإقناع بريطانيا بالعدول عن دعوتها لرعاياها بمغادرة البلاد.
انعدام الثقة؟
من المؤكد أن اعتداء سوسة كان من أسوء الضربات التي تطال بريطانيين خارج البلاد خلال السنوات الأخيرة، ومن ثمة فلن تسمح بريطانيا بتلقي ضربة جديدة وسط تخوفات من هجمات إرهابية وشيكة، بعد إقرار الرئيس التونسي باجي قائد السبسي بوجود أخطار إرهابية ''جمة'' تتعرض لها تونس، أثناء إعلانه عن حالة الطوارئ بالبلاد.
ويرجح جلال الورغي مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية في حوار لـ DWعربية ، أن تكون هذه التحذيرات قد بنيت استنادا على معطيين. الأول متعلق باللجنة التي تمّ إرسالها لمتابعة التحقيقات من موقع الهجوم بتونس، والتي خلصت إلى وجود ''ثغرات فيما يتعلق بإدارة التحقيقات''.
إضافة إلى ما أشار إليه وزير الخارجية البريطاني الجمعة ومفادها أن التدابير التي اتخذت قبل وعقب الاعتداء ''لا تؤمن سلامة السياح''.
المعطى الثاني حسب الورغي، مرتبط بالتضارب الذي طغى على تصريحات رجال الأمن في تونس عقب الاعتداء، مثل تلك التي نفت أيّ صلة لمنفذ العملية بالجماعات الإرهابية وتحدثت عن إدمانه المخدرات وحبه للرقص، قبل أن تنقلب التصريحات فيما بعد باتجاه أن منفذ عملية سوسة له ميول جهادي وتلقى تدريبات في ليبيا.
أيضا، هناك تضارب في عدد منفذي العملية، فقد شككت روايات متعددة لشهود عيّان من أن يكون الاعتداء قد نفذه شخص واحد. وما زاد من الشكوك تقارير إعلامية بريطانية غير مؤكدة من وجود صلة بين منفذ العملية ومسؤولين بالجهاز الأمني التونسي بعد أن تمّ الكشف عن أرقام لهواتف تابعة لرجال الأمن مخزنة في الجهاز الخلوي لمنفذ العملية.
بالموازاة ذكر موقع ويكيليس التونسي أن حقيبة أحد المحققين البريطانيين تمّت سرقتها في مطار تونس الدولي، وهناك غموض حول القضية. كل هذه الخيوط، تقوي من فرضية ''انعدام ثقة'' البريطانيين من التدابير الأمنية التونسية كما يؤكد ذلك جلال الورغي.
دعم للإرهابيين وليس لتونس!
ونظرا لحجم تداعيات التحذيرات البريطانية ومدى انعكاساتها على الاقتصاد التونسي، اعتبر المحلل السياسي كمال بن يونس أن لندن ''سقطت في فخ'' الإرهاب والإرهابيين، وأن الصورة التي تسوقها بريطانيا وباقي الدول الأوروبية عن دعمها للثورات العربية والحركات الديمقراطية، تمّ ''تفنيدها'' عبر هذا الإجراء.
بل ويذهب المحلل السياسي في حواره مع عربية DWإن لندن ساهمت عبر هذه الخطوة إلى ''إرباك وتركيع الاقتصاد التونسي والدفع بالبلاد إلى مصاف الدول التي تعاني الحروب الأهلية''.
ويضيف المحلل أن الإجراء البريطاني ''غير مفهوم''، لأن منظومة الإرهاب الدولي تطال الجميع ولا وجود بعد الآن لمنطقة ''صفر-خطر'' بما في ذلك الديمقراطيات الغربية نفسها. وتونس قامت بدورها بدليل ''الحضور الأمني المكثف في كل المدن، مع مضاعفة أعداد الأجهزة الأمنية بمعدل ثلاث إلى أربع مرات مقارنة بفترة ما قبل الثورة''.
ولأن تونس أمام استحقاقات جمة وإكراهات خطيرة على المستوى الأمني بسبب تردي الأوضاع في الجارة ليبيا واستفحال نشاط الحركات الجهادية على الحدود التونسية الجزائرية، فكان من الأولى حسب كمال بن يونس دعم تونس التي استقبلت أكثر من مليون ونصف مهاجر ليبي، في المقابل تُركت تواجه ارتدادات الزلزال الذي عصف بالمنطقة بمفردها.
ويلخّص بن يونس مداخلته بالقول ''بالطبع لبريطانيا الحق بشأن سقوط قتلى بين السياح، لكن حكومة كاميرون وقفت عن علم أو دون علم إلى جانب الإرهابيين الذين يريدون حرمان تونس من مصادر العملة الصعبة وإسقاط مصدر رزق الآلاف من المواطنين''.
أيضا الورغي مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية، له ذات الرأي معتبرا لبريطانيا الحق في تأمين مواطنيها، ولكن لا يجب أن يكون على حساب تونس وعلى حساب المسار الديمقراطي الذي نمر به.
الشعرة التي قصمت ظهر القطاع السياحي
وإذا كان اعتداء متحف باردو قد مسّ الدولة بمؤسساتها، فإن اعتداء سوسة ضرب شرايين القطاع السياحي الذي يعد من أكثر القطاعات الحيوية في البلاد، فهو يساهم بنسبة 15 بالمائة من الدخل الوطني الخام. بيد أن التحذيرات البريطانية الأخيرة ستكون بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، خاصة وأن شركات السياحة البريطانية علقت رحلاتها إلى تونس إلى غاية أكتوبر القادم، وبدأت بعد يوم من إصدار التحذيرات إلى إجلاء ما تبقى من مواطنيها الذي قدر عددهم بنحو 3 آلاف مقارنة بعشرين ألفا كانوا بالبلاد قبيل اعتداء سوسة.
وأمام تخوفات من أن يتعمم الموقف البريطاني على باقي الدول الأوروبية، بدليل ما قامت به الدنمارك يوم الجمعة حين تبنت التوصية البريطانية في تحذير رعاياها بمغادرة تونس، أعلنت الخارجية الألمانية والفرنسية أنهما لم تقررا تغيير تعليماتهما لمواطنيهما بتوخي الحذر، وهو ما قد يثمنه التونسيون الذين هم حاليا بأمس الحاجة للإنقاذ موسم سياحي كارثي تراجعت مداخيله إلى أكثر من أربعين في المائة إلى غاية اللحظة.
فيديو قد يعجبك: