العالم يحيي اليوم الدولي للأسرة.. وكي مون يدعو للمساواة بين الجنسين
القاهرة - (أ ش أ):
يحيي العالم بعد غد الجمعة باليوم الدولي للأسرة 2015 تحت شعار "الرجال في موقع المسؤولية : المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل في الأسرة المعاصرة"، حيث يهدف الاحتفال هذا العام إلى تسليط الضوء على تعزيز المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل في إطار الأسرة.
كما أن احتفال هذا العام سيبرز مسألة الوقاية من العنف الأسري من خلال أطر عمل قانونية أسرية منصفة، فضلا عن مجموعة من الأنشطة البرامجية.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار 237/47 في عام 1993 للاحتفال باليوم الدولي للأسرة في 15 مايو من كل عام، حيث يتيح اليوم الدولي الفرصة لتعزيز الوعي بالمسائل المتعلقة بالأسر وزيادة المعرفة بالعمليات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية المؤثرة فيها.
وأشار بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة -في رسالته بهذه المناسبة- إلى أن موضوع هذا العام لليوم الدولي للأسرة "هل إعالة الأسرة حكر على الرجل؟" يسلط الضوء على أهمية المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل في الأسرة الحديثة، موضحا أنه في جميع أنحاء العالم هناك عدد متزايد من النساء اللاتي أصبحن يحظين بالاعتراف بوضعهن كشريك ندي للرجل يقتسم معه مسؤولية اتخاذ القرار في الأسرة على النحو المطلوب، ومن ثم صارت المرأة تسهم في تهيئة بيئة مواتية لنماء الطفل على نحو تام ومتوازن.
غير أن التمييز ضد المرأة وعدم الاكتراث بحقوق الطفل لا يزالان متجذرين في قوانين الأسرة والسياسات الحكومية المطبقة في العديد من البلدان، وكثيرا ما تتغاضى النواميس الاجتماعية السائدة عن الكثير من الممارسات التمييزية بل وتجد لها ما يبررها.
وتفرز هذه الحالة أعباء اجتماعية واقتصادية ينوء بحملها الجميع.. فالتمييز والإهمال كثيرا ما يؤديان إلى العنف، مما يهدد صحة المرأة والطفل، ويقلص فرص إتمام تعليمهما وإطلاق كامل قدراتهما، وعادة ما تنتقل هذه العدوى إلى الجيل التالي، حيث إن الأرجح أن يسلك الأطفال المعرضون للعنف مسارا عنيفا عندما يبلغون رشدهم.
وأضاف مون أن "التنمية الاجتماعية والاقتصادية العادلة تظل مرهونة بأطر قانونية ونواميس اجتماعية منصفة تؤيد حقوق المرأة والطفل.. ذلك أنه لم يعد هناك في الأسر والمجتمعات والأمم الحديثة مكانا لقوانين وممارسات تمييزية لا تمنح حقوقا على نحو يتساوى فيه الجميع وتقمع حقوق المرأة والطفل".
ودعا بمناسبة هذا اليوم الدولي إلي عقد العزم على تغيير القواعد القانونية والنواميس الاجتماعية التي تؤيد سيطرة الرجل على المرأة وتعزز التمييز وتحول دون القضاء على العنف ضد المستضعفين من أفراد الأسرة.. قائلا إنه "في إطار مسعانا لبلورة خطة جديدة للتنمية المستدامة وحرصنا على إيجاد عالم تصان فيه كرامة الجميع، أدعوكم إلى الوقوف صفا واحدا للدفاع عن حق المرأة والطفل داخل الأسر والمجتمعات كافة".
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الأهداف الإنمائية للألفية هي القضاء على الفقر المدقع والجوع (الهدف 1)، وتحقيق تعميم التعليم الابتدائي (الهدف 2)، وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء (الهدف 3)، وتخفيض معدل وفيات الأطفال (الهدف 4)، وتحسين الصحة النفسية (الهدف 5)، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والملاريا وغيرهما من الأمراض (الهدف 6)، وضمان الاستدامة البيئية (الهدف 7)، وتطوير شراكة عالمية من أجل التنمية (الهدف 8).
ولفتت إلي قلقها خلال مناقشتها للتحديات والإنجازات المتعلقة بالأهداف الإنمائية للألفية.. ففي مجال الهدف الأول (القضاء على الفقر المدقع والجوع) أشارت التقارير إلى استمرار إعاقة الفقر للنساء والفتيات من التمكين والتقدم نحو المساواة بين الجنسين، وأن ظاهرة "تأنيث الفقر" لا تزال مستمرة، وأن الفجوات الكبيرة في التوظيف والأجور ما بين الجنسين لا تزال كبيرة، واستمرار عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية والتمييز في مجال العمل.
وأضاف التقرير أن 1 % من الائتمان الزراعي العالمي توجه للنساء في أفريقيا، وأن 40 % من الوظائف المدرة للدخل في القطاع غير الزراعي عام 2011 كانت تشغلها النساء، ويعد هذا تحسنا كبيرا منذ عام 1990، وأن 16.2 % من المناصب دون مستوى الوزراء يشغلهن النساء في عام 2010.
وفي إطار الهدف الثاني (تحقيق التعليم الإبتدائي).. أكدت التقارير على إحراز تقدم كبير في مجال التحاق الفتيات بالمدارس وتقليل الفجوة بين الجنسين، إلا أنها أعربت عن قلقها من التركيز الشديد على الأرقام الذي أدى إلى اهتمام أقل بمتابعة تعليم الفتيات وإكماله فيما بعد، إزالة التفاوت بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي ويفضل أن يكون ذلك بحلول عام 2005، وبالنسبة لجميع مراحل التعليم في موعد لا يتجاوز عام 2015.
وذكرت التقارير أنه قد حقق العالم المساواة في التعليم الابتدائي بين البنات والبنين، ولكن لم يحقق ذلك على جميع مستويات التعليم سوى بلدين من أصل 130 بلدا.. وفي كثير من الدول لم يزل عدم المساواة بين الجنسين قائما ولم تزل المرأة تعاني من التمييز في الحصول على التعليم والعمل والأصول الاقتصادية، والمشاركة في الحكومة.. فعلى سبيل المثال في كل منطقة من المناطق النامية غالبا ما تشغل المرأة وظائف أقل أمانا وبمزايا اجتماعية أقل، كما أن العنف ضد المرأة لم يزل يعرقل الجهود الرامية للوصول إلى جميع الأهداف، كما أن الفقر يشكل عائقا رئيسيا في التعليم الثانوي خاصة بين الفتيات الأكبر سنا، وغالبا ما يعهد إلى النساء بأشكال ضعيفة من وظائف.
وتمثل النساء ثلثي عدد الأشخاص الأميين في العالم، و55% من الأولاد الذين لا يذهبون إلى المدارس.. فالزيجات المبكرة والأمن والبنى التحتية غير الكافية، لاسيما في مجال المياه والطاقة، وأعمال العنف الجنسية، كلها عوامل تفسر عدم التحاق البنات الصغيرات بالمدرسة وهجر المرحلة ما بعد الابتدائية والثانوية.
وقالت التقارير إن جمع الفقر والفتاة والوسط الريفي يعقد للغاية آفاق الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والالتحاق بالتعليم.
وفي البلدان النامية، تحتل 2 من أصل 3 نساء وظائف غير ثابتة، وتعملن لحسابهن الخاص أو كعاملة في أسرة غير مدفوعة الأجر. وبشكل عام إن فرص العمل والإدماج الاجتماعي ـ الاقتصادي للنساء تبقى منخفضة للغاية في العالم النامي. ففي عام 2008، كانت النسبة العالمية لعدد المقاعد البرلمانية التي تحتلها النساء تقارب 18%.
وعلى المستوى العالمي، ثمة 5 بلدان فقط، بينها 2 من فئة البلدان النامية وهما رواندا وكوبا، وبلد متوسط الدخل وهي الأرجنتين، وبلدان متقدمان وهما السويد وفنلندا، تضم على الأقل 40 % من النساء في البرلمانات الوطنية -حسب التقارير.
كما لاحظ التقرير فيما يتعلق بالهدف الثالث (تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء) بأن التقدم في هذا الهدف لا يزال بطيئا، فالتمييز بين الجنسين في مجال التعليم لا يزال مستمرا في بعض المناطق، وضعف التمكين الاقتصادي والاستقلال المالي لا يزال مستمرا، وعدم المساواة بين الجنسين في الوصول إلى الوظائف المنتجة والعمل اللائق والأجور عن الأعمال ذات القيمة المتساوية، والأعباء غير المتكافئة عن أعمال الرعاية غير المدفوعة، وعدم كفاية التدابير للتوفيق بين الأعمال مدفوعة الأجر والمسؤوليات والرعاية غير المدفوعة الأجر، واستمرار الصورة النمطية تجاه النساء وما تتضمنه من تمييز، كما أن مشاركة النساء في مواقع صنع القرار المختلفة وفي الحكومات والبرلمانات لا تزال ضعيفة رغم التقدم المحرز. وأن بلدان من بين 130 بلدا حققت المساواة بين الجنسين في جميع مراحل التعليم.
وأكد التقرير على إحراز تقدم كبير في تحقيق الهدف الرابع (خفض معدلات وفيات الأطفال) مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقات المترابطة ما بين النساء وصحة الأطفال والمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، ولاحظت اللجنة بأن التقدم في تحقيق الهدف الخامس (تحسين الصحة النفاسية) كان بطيئا وغير متكافئ للحد من وفيات الأمهات ووصولهن لخدمات الصحة الإنجابية خاصة للفقيرات والريفيات داخل الدول وعبرها. كما أن التقدم في تحقيق الهدف السادس (مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والملاريا) كان محدودا للغاية، وتم إحراز تقدم في تحقيق الهدف السابع (ضمان الإستدامة البيئية) في الحصول على مياه شرب مأمونة، إلا أن التقدم في الوصول إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية كان بطيئا للغاية خاصة وأنه يترتب على غيابها آثار سلبية خطيرة على النساء والفتيات.
كما أكدت اللجنة على أن تحقيق الهدف الثامن (تطوير شراكة عالمية من أجل التنمية) لم يكن بالمستوى المطلوب فيما يتعلق بموارد التنمية المخصصة لدعم المساواة بين الجنسين وتمكين النساء بمختلف المجالات.
في حين أكد تقرير دولي أن المرأة المعيلة أكثر الفئات تضررا من الأزمة المالية؛ حيث تصل نسب الأسر التي تعولها النساء إلى 43% على مستوى العالم، أي ما يقارب نصف عدد الأسر، وهذه الظاهرة تنال الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، ففي أوروبا وأمريكا تصل النسبة إلى 20%، وترتفع هذه النسبة في الدول النامية، ففي مصر تتراوح هذه النسبة من 22 : 33 %، وفي اليمن والسودان تصل إلى 23%، وفي الدول العربية إجمالا تصل هذه النسبة إلى 12.5%.
ويشير التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية مؤخرا إلى أن معدل عدد أفراد الأسرة التي تعولها امرأة يبلغ حوالي 5 أفراد، ومعظم هذه الأسر تعولها نساء نتيجة فقد الزوج إما للوفاة أو الطلاق، وبالطبع ترتفع هذه النسب في الدول التي تعاني من الحروب؛ حيث يرتفع عدد الضحايا مما يزيد من أعداد الأسر التي تعتمد في مواردها اعتمادا كليا على النساء.
ومما يزيد الأمر سوءا أن ثلثي النساء في العالم يزاولن أعمالا هشة، أي بلا عقود أو تأمينات اجتماعية فإن تعرض هؤلاء النساء للتسريح من العمل يتزايد؛ حيث تكون هذه الفئة هي الأضعف، والتي غالبا ما يبدأ بها أصحاب الأعمال، وتقدر منظمة العمل الدولية أن يصل عدد المسرحات من العمل 22 مليونا في العالم هذا العام.
ويرصد تقرير الاتجاهات العالمية لعمالة المرأة لعام 2012، عدة سيناريوهات لتزايد معدل البطالة بين النساء؛ حيث يتوقع أكثر هذه السيناريوهات تفاؤلا أن يزيد معدل بطالة النساء بمقدار 6.5%، بينما يتوقع أكثرها تشاؤما أن يقترب هذا المعدل من 8% زيادة عن العام السابق. وفي ظل حقيقة أن أغلب ما تحصل عليه المرأة من أجور يتجه للإنفاق على الأسرة في مجالات الغذاء والصحة والتعليم فإن المجتمع ككل سيتضرر من جراء تخفيض أجور النساء أو تسريحهن من العمل؛ مما يعني انخفاض الدخل القومي، وزيادة حدة الفقر، كما أن ارتفاع أسعار الغذاء أدى لانخفاض دخل الأسرة، وانخفاض الإنفاق على الغذاء، وفي كثير من الأسر التي تعولها امرأة تناقصت أعداد الوجبات اليومية التي يتناولها أفراد الأسرة إلى وجبتين أو وجبة واحدة، وبعض الأسر التي لم تخفض عدد الوجبات قللت من نوعية وجودة الطعام؛ مما يؤدي بالطبع إلى مزيد من سوء التغذية، وفقر الدم، فتقدر اليونيسيف نسبة زيادة فقر الدم لدى الأمهات خلال العام الجاري من 10: 20 %.
ووفق التقرير تعد العمالة المهاجرة عنوانا أساسيا في أغلب الدول النامية، وهذه الهجرة قد تكون داخلية (من الريف للمدن)، أو خارجية (تتجه أغلبها لدول الخليج العربي)، وتعمل النساء المهاجرات غالبا في القطاع غير الرسمي، ويحصلن على مكاسب هزيلة، ويتعرضن للعنف والإذلال، فالكثيرات يعملن خادمات أو طاهيات، أو عاملات ومدبرات منازل، أو على أفضل تقدير جليسات أطفال، والبعض منهن يعملن كبائعات جائلات. ومن نتيجة الأزمة المالية على الدول الغنية تسريح الكثير من هذه العمالة، وترحيل أغلبهن لبلادهن، والكثير من هؤلاء النساء يعملن لتأمين دخل مناسب لعائلاتهن، ولتجنيب ذويهن الفقر والجوع. وأجور هؤلاء العاملات تعتبر مصدرا هاما لكثير من الأسر التي تعتمد على هذه الدخول لتأمين الغذاء فقط، ففي جنوب آسيا وحدها تبلغ نسبة المهاجرات الريفيات من النساء العاملات في مجال المنسوجات 90%، وهؤلاء المهاجرات لم يتكبدن الغربة عن أهلهن إلا لأنهن المتكفلات بإعالة هذه الأسر، وتعد تحويلات العاملين بالخارج ركنا أساسيا في اقتصاد أي مجتمع، ففي خلال عام 2008 بلغت هذه التحويلات 305 بليونات دولار حول العالم؛ أي ثلاثة أضعاف حجم المعونات والمساعدات الخارجية.
كما توقع البنك الدولي انكماشا في حجم الاقتصاد في الصناعات التي يعمل النساء بها، كصناعة الغزل والنسيج، ودباغة الجلود، وصنع الأحذية؛ نتيجة انخفاض الطلب الخارجي على هذه الصادرات، ففي الهند وحدها تم تسريح 700 ألف عامل من وظيفته في مصانع الغزل والنسيج، وفي الفلبين تم الاستغناء عن 40 ألف عامل، فإذا علمنا أن النساء يشكلن نسبة 80: 85% من حجم هذه العمالة استطعنا تخمين أعداد النساء اللاتي فقدن أعمالهن في هذه الصناعة الهامة، وفي إفريقيا تعمل النساء في مجال الصادرات الزراعية بنسبة 85% من إجمالي عدد العاملين، ومع انخفاض الطلب على هذه المنتجات من فواكه وأزهار وخضر سينخفض حجم التصدير لهذه المنتجات مما يهدد النساء بمزيد من البطالة ومع حقيقة أن نسبة 80% مما تنتجه النساء العاملات في المجال الزراعي تتجه للاستهلاك المنزلي يمكننا تقدير ما ستتعرض له أسر هؤلاء النساء من الجوع.
وتضطر الكثيرات إلى القبول بأعمال تحت شروط وظروف مجحفة، فحسب تقرير لمؤسسة أوكسفام فإن العاملة الواحدة أصبحت تقوم بعمل ثلاثة أشخاص أو أكثر، ومع ذلك تظل عرضة للفصل التعسفي في أي وقت ولأتفه الأسباب، وبهذا الأسلوب لا تجرؤ واحدة على المطالبة بحوافز أو علاوات، أو حتى بدلات تغذية أو انتقالات ناهيك عن المطالبة بحقها في التأمين الصحي أو التأمينات الاجتماعية حتى لا تتعرض للفصل كآلاف النساء اللاتي طردن من عملهن، بغض النظر عن الظروف المعيشية التي يعيشونها، وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهن، وتظل المرأة تتجرع الظلم في العمل والمهانة؛ لأن ما تحصل عليه هو المصدر الوحيد لدخل أسرتها.
وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء العاملات يمتلكن عقودا قانونية فإن كثيرا من المصانع طردت العاملات منها دون سابق إنذار كما ينص العقد، وحرمتهن من حقوقهن في مكافأة نهاية الخدمة، ومن حصلت على هذه المكافأة فهي أقل بكثير من المنصوص عليه في العقد.
ومن بين الآثار الخطيرة على المرأة والأسرة أيضا انخفاض موارد مؤسسات التمويل الأصغر (القروض متناهية الصغر)، ففي عام 2010 أقرضت هذه المؤسسات أكثر من 133 مليون شخصا، تبلغ نسبة النساء بينهم 85%؛ لذا فإن انخفاض موارد هذه المؤسسات من شأنه تقليل فرص النساء الفقيرات في الحصول على تمويل لمشروعات متناهية الصغر تساهم في الإنفاق على أسرهن.
ومن أبرز تأثيرات الأزمة المالية العالمية تقويض الجهود المبذولة على مدى سنوات مضت في مجال الرعاية الاجتماعية وحماية الأطفال والنساء، ففي تقرير للبنك الدولي توقع المزيد من العواقب الخطيرة للأزمة المالية على النساء في 33 دولة فقيرة، ومن أهم هذه الآثار ارتفاع نسب تسرب الفتيات من التعليم؛ نظرا لانخفاض دخل الأسر الفقيرة، مع ارتفاع تكلفة التعليم وما تحتاجه الدراسة من زي مدرسي، وأدوات دراسية، وكتب، وغيرها من المصروفات التي لن تكون في متناول كثير من الأسر الفقيرة في الدول النامية؛ حيث يتوقع أن يصل عدد الأطفال الذين لن يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم الابتدائي إلى 29 مليونا عام 2015، وأن أغلب هذه النسب ستكون من الإناث؛ لأن الأسر تلجأ عند المفاضلة لإخراج الفتيات من التعليم وإبقاء الذكور، لكن كثيرا من الأسر أيضا لن يكون لديها هذا الاختيار فتلجأ لإخراج الأطفال جميعا من التعليم.
وهذا التسريب الإجباري للأطفال من التعليم يتبعه إجراء آخر تقوم به هذه الأسر الفقيرة، وهو الاتجاه نحو دفع هؤلاء الأطفال للعمل ليساهموا في الإنفاق على الأسرة؛ مما يؤدي إلى تزايد حجم عمالة الأطفال في هذه المجتمعات، وبالتالي سترتد كل الجهود السابقة في مجال مكافحة عمالة الأطفال إلى الوراء، ونظرا لأن أغلب هؤلاء الأطفال من الإناث فإن العمالة ستتجه بالتأكيد نحو المهن الهامشية والهشة وغير الآمنة، كالخدمة في البيوت، والتي تعرض الفتيات لأنواع عديدة من الإساءة والإيذاء البدني، والعنف الجسدي، وكثيرات يلجأن لبيع المناديل في الإشارات المرورية، وعلى الأرصفة، بل ويتجه البعض للتسول والنشل، وبعض الدراسات تتوقع تأثير الأزمة المالية على زيادة حجم الاتجار بالبشر، خاصة للأطفال والنساء، واستغلال الفتيات للعمل بالدعارة، والأماكن المشبوهة.
كما تتوقع بعض الدراسات مزيدا من العنف الأسري على الطفل والمرأة؛ نظرا لفقدان الرجال لعملهم، مما ينعكس على الحالة العصبية والمزاجية لدى أفراد الأسرة. وكذلك الأمر بالنسبة لوفيات الأطفال؛ حيث توقع تقرير لليونيسيف زيادة أعداد وفيات الأطفال الرضع بما لا يقل عن 200 إلى 400 ألف طفل سنويا في المتوسط، في الفترة من 2009 إلى 2015 أي حوالي 1.4 مليون إلى 2.8 مليون طفل إجمالا.
وذكر تقرير لليونيسيف أن أكثر من 65 ألف طفل دون الخامسة في آسيا وحدها سيتعرضون للموت، وأن وفيات الأطفال سترتفع إلى 11% في الدول النامية، وأن هذه الوفيات تزيد بين البنات الرضع بمقدار 7.4 حالة وفاة بين كل ألف أنثى مولودة مقابل 1.5 وفاة بين كل ألف مولود ذكر. ولا شك أن هذه الحقائق والتوقعات تتطلب المزيد من بذل الجهود نحو تأمين شبكات حماية الفقراء، والعمل على دفع جهود التنمية والرعاية الاجتماعية، وتلقي بمزيد من المسؤولية على المجتمع الدولي لتأمين الحياة الكريمة للنساء والأطفال.
وحث التقرير الحكومات على كافة المستويات وعند الضرورة وبالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات أصحاب الأعمال والنقابات ووسائل الإعلام وغيرها من الجهات ذات العلاقة، حثتهم جميعا على تحقيق التمتع الكامل للنساء والفتيات بجميع حقوق الإنسان، وتعزيز بيئة مواتية لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، وتوسيع الإستثمارات لحدودها القصوى في مجال المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، وتعزيز أدوات القياس والأدلة للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، وضمان مشاركة النساء ووصولهن لمواقع صنع القرار بمختلف المستويات وتعزيز المساءلة.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: