شباب تونس.. من حضن ''الخضراء'' إلى حضن ''داعش''
برلين (دويتشه فيله)
تحولت تونس من ''أرض دعوة'' إلى ''أرض جهاد'' بعد عملية متحف باردو في العاصمة. الآلاف من شبابها رحلوا للقتال بصفوف ''داعش'' وجبهة النصرة، وبعضهم عاد ليرفع السلاح بوجه أهله. الموت هنا أو هناك، لا فرق سوى المكان!
رغم ما صاحب الهجوم الإرهابي على متحف باردو التاريخي من صدمة محلية وعالمية إلا أن استهداف العاصمة التونسية من طرف الإرهاب كان مجرد مسألة وقت. فتونس حسب التقارير '' بلد مصدر '' للجهاديين، وبعد أن كانت ''ارض دعوة '' فهي اليوم '' ارض جهاد '' في وضح النهار بل وفي قلبها السياسي والثقافي.
وتبنى تنظيم ''داعش'' الهجوم الإرهابي الذي استهدف يوم (18 مارس 2015) متحف باردو العريق بالعاصمة تونس والذي ذهب ضحيته 23 شخصا منهم 21 سائحا أجنبيا في عملية إرهابية هي الأولى من نوعها من حيث استهداف المدنيين، عندما نزل الإرهاب من جبل الشعانبي ( الشريط الحدودي مع الجزائر بالجنوب الغربي) إلى أسوار السلطة التشريعية في تونس ( برلمان باردو). وقد أعلن التنظيم بذلك حربه على تونس أمنا وشعبا بعد أن كانت العمليات الإرهابية تستهدف رجال الجيش والشرطة أو من يطلق عليهم التنظيم لفظ ''الطاغوت''.
وقام بالعملية شابان تونسيان ينتميان إلى التنظيم، هما ياسين العبيدي (27 عاما) و جابر الخشناوي (21 عاما) وقتلا خلال العملية الإرهابية، بينما تقول وزارة الداخلية التونسية إنها قبضت على عدد من التونسيين المتورطين في هذا العمل الإرهابي، ويبقى آخرون من بينهم ''جهاديون'' من جنسيات مغاربية في حالة فرار.
لكن العبيدي والخشناوي هما عينتان من آلاف الشباب التونسي الذي التحق بالتنظيمات الجهادية وخاصة تنظيم ''داعش'' للجهاد تضع تقارير دولية تونس ضمن البلدان الأكثر تصديرا للجهاديين في العالم.
ولا تزال العديد من العائلات التونسية تحت صدمة التحاق أحد من أبنائها بالتنظيمات الإرهابية، قبل أن تصلهم صور موتهم على شبكات التواصل الاجتماعي أو انقطاع أخبارهم بطريقة مفاجئة.
من النقيض إلى النقيض
DW عربية التقت أخت شاب تونسي، كان مصيره الموت مثل العديد من أبناء وطنه الذين استقطبتهم الحركات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا.
كانت تردد '' أخي ليس إرهابيا، أخي لم يقتل أحدا'' طوال المقابلة التي كانت لنا معها في إحدى مقاهي الضاحية الشمالية بتونس العاصمة. فاطمة بالربيع أخت مراد بالربيع أو من كان يطلق عليه في صفوف تنظيم '' داعش '' بأبو معاذ التونسي، تروي لنا قصة أخيها الشاب الذي لم يصدق أحد من جيرانه أو أصدقائه التحاقه للقتال في سوريا و موته هناك.
''أخي كان شابا لطيفا ومحبوبا جدا. كان يبلغ من العمر 27 ربيعا عند ذهابه إلى سوريا في أبريل 2013. لم يكن يوما متشددا بل بالعكس، كان مراد مثل العديد من الشباب التونسي يهوى المرح والخروج مع الأصدقاء و كان لباسه أوروبيا بحتا. بدأت حكاية مراد عندما تعرف على فتاة كندية أتت إلى تونس خلال الثورة التونسية، كانت جميلة جدا ومتحررة وكانت ترافقه أينما ذهب. لم يكن لمراد شغل، لكنه كان قادرا على تأمين رزقه معولا على بشاشته وحب الناس له، قبل أن يلتحق بزوجته الكندية إلى دبي. ''قضى هناك مدة من الوقت قبل أن تتصل بنا زوجته فجأة لتعلمنا أنه في سوريا. نزل علي الخبر كالصاعقة فكيف لمراد أخي وصديقي والذي كانت تجمعني به علاقة مميزة أن يلقي بنفسه إلى مصير مجهول''. تقول فاطمة، ثم تضيف كيف أن العائلة فضلت إخفاء خبر ذهاب مراد إلى سوريا عن أمه فهي مريضة ولن تتحمل الصدمة. وتواصل فاطمة سرد رواية أخيها الذي حسب قولها '' كان مسالما جدا ويخاف الدم، فكيف له أن يصبح قاتلا؟''.
التحق مراد بالربيع بجبهة النصرة في سوريا في أبريل 2013 وقضى 8 أشهر لم تكن له خلالها اتصالات عديدة مع عائلته لكنه اخبرهم أنه يقوم هناك بـ'' عمل تطوعي إنساني '' وهو الاعتناء بجرحى التنظيم ولوازم المخيمات.
تقول فاطمة '' كانت لي محادثة معه يوما من الأيام و انهرت أمامه بالبكاء وتوسلت إليه الرجوع وكان وجهه يومها متأثرا جدا !''، ثم تتابع فاطمة بالربيع حديثها عن مصير أخيها مراد، الذي عاد إلى تونس في ديسمبر من سنة 2013، قبل أن يعاود الرجوع إلى سوريا مرة أخرى في أبريل 2014. '' تصورت أن الكابوس قد انتهى بعودته من سوريا عبر ليبيا في المرة الأولى، و لكن يبدو أنه تعرض إلى تهديدات أجبرته على العودة فيما بعد ولكن هذه المرة في صفوف داعش''.
لقي مراد بالربيع حتفه في يونيو 2014 في الرقة وتلقت عائلته خبر موته عن طريق صفحات التنظيم على موقع فيسبوك وسط ذهول محيطه العائلي وأصدقائه الذين لم يعرفوا عن مراد إلا حب الحياة وروح الدعابة وحسن الأخلاق.
''الدين والمال''
يقوم الإعلامي التونسي والصحفي المختص في شؤون الحركات الإسلامية والأقليات هادي يحمد منذ سنوات بالبحث في طبيعة ظاهرة التحاق الآلاف من التونسيين بالحركات والتنظيمات الجهادية. DW عربية التقت هادي على هامش صدور كتابه '' تحت راية العُقاب: سلفيون جهاديون تونسيون '' للحديث عن حجم الظاهرة وأسبابها.
يقول هادي يحمد أن تونس هي فعلا المصدر رقم واحد للجهاديين في المنطقة والعالم بصفة عامة، فالتقديرات التي ذكرتها التقارير الأمنية والإعلامية هي أقرب للصحة، ويتراوح عدد التونسيين الذين التحقوا بتنظيمات جهادية منذ سنة 2012 بـ 3000 جهادي تونس ذهبوا إلى سوريا عبر الحدود التركية وقد انضموا آنذاك إلى جبهة النصرة قبل أن يتشكل تنظيم ''داعش'' تدريجيا في أوائل سنة 2013.
ويقول هادي يحمد إن القمع الأمني للحركات الإسلامية في زمن بن علي هو سبب من الأسباب التي دفعت تونسيين إلى التطرف والتحول إلى قنابل موقوتة، ولكنه يبقى السبب الأقل إقناعا فبلدان مثل مصر والأردن والسعودية '' تصدر'' أيضا أعدادا كبيرة من الجهاديين رغم ما تميزت به أنظمتها من فسحة دينية متوفرة عكس ما حصل في تونس.
''الحل الأمني مؤقت''
ويعتبر العامل الاقتصادي والاجتماعي عاملا أساسيا في صناعة '' الجهاديين'' فمنطقة ''دوار هيشر'' المهمشة بإقليم تونس الكبرى تصدر اكبر نسبة من الجهاديين التونسيين وذلك لانعدام فرص الشغل والتنمية وانسداد الآفاق أمام شباب لم يجد أمامه إلا الهرب من واقع تونسي صعب إلى أحضان تنظيم له إمكانيات رهيبة كـ''داعش''.
و يشير هادي يحمد إلى أن التساهل السياسي مع الخطابات العنيفة والمشجعة على العنف والقتل والجهاد والتي ''احتلت'' المساجد والفضاءات العامة تحت حكم حركة النهضة الإسلامية كان عاملا أساسيا في توفير بنية ملائمة لانتشار الفكر الجهادي في تونس. ويؤكد بالقول '' حركة النهضة أخطأت عندما حاولت احتواء السلفية الجهادية في تونس واستعمالها سياسيا كعصا غليظة ضد الحركات الديمقراطية والمعارضة لها آنذاك''.
ويرى هادي يحمد أن تواصل الصراع في ليبيا وعدم تضافر الجهود الإقليمية والدولية لضرب الإرهاب في معاقله لن يساعد على استقرار تونس ومحاربتها للإرهاب.
ويبقى الحل الأمني حلا عاجلا ولابد منه على المدى القصير في انتظار تطوير النظم التربوية و الثقافية التي تشجع على الفكر النقدي ومقاومة التطرف الفكري.
فيديو قد يعجبك: