لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

طارق رمضان: "المشكلة في المسلمين وليس الإسلام"

10:16 ص الأربعاء 18 مارس 2015

المفكر الاسلامي طارق رمضان

بروكسل (دويتشه فيله)
يرى المفكر الإسلامي طارق رمضان أن الوقت حان للمسلمين في أوروبا ليكونوا أكثر جرأة في مكافحة التعصب و إدانة معاداة السامية. كما يعوز رمضان أسباب تقهقر العالم الإسلامي إلى المسلمين أنفسهم.

طارق رمضان هو بدون شك واحد من المفكرين المثيرين للجدل في أوروبا، وهو أيضاً واحد من أكثر الباحثين تأثيراً في الفكر الإسلامي الحديث. DWعربية التقت رمضان في بروكسل على هامش المؤتمر السنوي الثالث لمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، وهو مركز أبحاث قطري يديره رمضان في الدوحة، بالتعاون مع شبكة المسلمين الأوروبيين.

DWعربية: دكتور رمضان، أين تكمن مسؤولية مسلمي أوروبا اليوم إزاء تنامي الإرهاب واستغلال الإسلام لأغراض سياسية وأيضاً إزاء معاداة السامية؟
طارق رمضان: بدون شك، هناك مسؤوليات جمة تقع على عاتقنا كمسلمين أوروبيين. المعضلة الأساسية تكمن، برأيي، في ثلاثية التعليم والتأطير والتربية. توجد على أرض الواقع ثغرات عديدة لم تتمكن منظومتنا المعرفية من معالجتها بالشكل السليم، لأنها منظومة سطحية. لهذا، فإن من الضروري خلق مؤسسات تغوص في أعماق المعارف لتقدم تأهيلاً جذرياً، بالإضافة إلى القيام بمهمة توجيهية للشباب، لا أن تكتفي بإعلامهم فقط. قمنا بارتكاب هفوات، مثل ترك مساحات أمام حركات متطرفة تعتمد على التفسير الحرفي للقرآن وتتلقى أموالاً من الخارج، وهذا موجود. في ما يخص التطرف، هناك حاجة ملحة إلى خطاب واضح، وقيادات الجالية المسلمة في أوروبا مدعوة إلى تبني خطاب يدين كل ما يحصل.

هذا ما يخص القيادات... لكن ماذا عن الجالية المسلمة؟
رمضان: صحيح، توجد أغلبية صامتة... عليها أن تخرج عن صمتها وأن تمسك بزمام الأمور وتتخذ مواقف لا تقبل الشك أو النقاش. دعني أقول إن الخطاب الإسلامي اليوم بحاجة إلى الوضوح. أما في ما يخص معاداة السامية، فقد كتبت مقالاً في جريدة "لوموند" الفرنسية وأعادت جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشره، أشرت فيه إلى أن الشباب المسلم يخلط بين إسرائيل واليهود. هنا يجب أن نكون واضحين، فمعاداة السامية هي معاداة للإسلام. وفي المقابل، لدينا الحق في نقد بعض الدول مثل السعودية أو إسرائيل بكل حرية. يسود، للأسف، خطاب عنصري وشيء من التعميم لدى بعض المسلمين. إنها تجاوزات لا بد أن نقف في وجهها بحزم.

كثر مؤخراً تكرار مفهوم "الإسلام الأوروبي"، خاصة بعد هجمات شارلي إيبدو الفرنسية. فهل تؤمن أنت بهذا الإسلام؟
رمضان: طبعاً، أؤمن بالإسلام الأوروبي. دعنا نتفق بداية على بعض الأشياء: هناك إسلام واحد، لكن ما نعنيه بالإسلام الأوروبي هو ذلك الإسلام المتحد في مبادئه والأوروبي في ثقافته. ما يجعل الإسلام ديناً عالمياً هو مبادئه المتحدة والتي يتفق عليها كل المسلمون في العالم، وليس ثقافته. في أفريقيا إسلام ذو ثقافة أفريقية، وفي آسيا أيضاً هناك إسلام ذو ثقافة آسيوية، حتى وإن تغاضينا عن الاختلافات الثقافية بين ماليزيا وإندونيسيا. نحن الآن في أوروبا، ومن الطبيعي الحديث عن إسلام أوروبي، ولكن هناك فروق، فالمسلم الألماني ليس كالمسلم البريطاني أو المسلم الفرنسي. لدينا ثقافات أوروبية، وهذا باعتقادي ليس إشكالاً، بل هو ما يجعل الإسلام عالمياً.

إذا ألقينا نظرة على حالة العالم الإسلامي اليوم، سنجد أن الفوضى والحروب الأهلية تعمه. فتنظيم "داعش" دمر البشر والحجر في سوريا والعراق. هل تعتقد أن الإسلام يمر حالياً بأزمة؟
رمضان: هذا ليس صحيحاً. الإسلام لا يعيش أزمة، بل إن المسلمين هم من يعيشونها. ما ذكرته من أزمات في العالم صحيح، فهناك أزمات على كل الأصعدة، ثقافياً، لدينا أزمة ذكاء إسلامي، والحالة صعبة للغاية سياسياً. لكن دعني أوضح شيئاً. كل أزمة لها جانبان: جانب إيجابي وآخر سلبي. الجانب السلبي في هذه الحالة هو أن نعجز عن مجابهة تحديات العصر لعدم توفر الوسائل اللازمة لذلك. أما الجانب الإيجابي، فهو حقيقة أن الأزمة مصيرها دوماً الانفراج. هذا ما نعرفه في علم النفس، فالأزمة بالمعنى السيكولوجي للكلمة تعني في البداية انهياراً في العمق، ثم رويداً رويداً تبدأ بالانفراج. وهذا ما يجب أن نراه على ضوء ما قاله الرسول محمد: "إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". وها نحن اليوم نمر بمرحلة نبحث فيها عن التجديد. ذكرت مرة في كتابي "التجديد الجذري" أننا نقترب من نهاية قرن، وعليه نحن بحاجة إلى نفس جديد.

لكنك ذكرت مرة أن هناك حاجة لتجديد الإسلام دون الاستغناء عن التراث الإسلامي. ما الذي تعنيه بذلك؟
رمضان: ما قلته بالضبط هو أن الإسلام لا يحتاج إلى إصلاح بل إلى الوعي والعقل الإسلامي، وهذا يختلف طبعاً. الإسلام ليس بحاجة إلى إصلاح، لكن على المسلمين أن يغيروا قراءتهم وفهمهم للنص. علينا أن نجدد عملية تأويل النصوص الدينية. إننا اليوم بحاجة إلى طرح أسئلة نقدية حول تاريخنا. واحدة من أكبر المعضلات التي لا يتم التطرق إليها هي معضلة جغرافيا العلوم الإسلامية. السؤال المطروح هو: لماذا لدى بعض العلماء في الفقه الإسلامي سلطة أقوى من غيرهم؟ لماذا يحتكر الفقيه السلطة؟ لماذا لا يملك داعية إسلامي أو مفكر عقلاني هذا الحق؟ لقد صنعنا هرماً، وهذا ما علينا تجاوزه اليوم.

هل لديك اقتراحات ملموسة لتجاوزها؟
رمضان: نعم. لقد ألفت كتاباً يمس جوهر الموضوع اسمه "التجديد الجذري". وحالياً يعكف المركز الذي أديره الآن على خلق بدائل أخرى. مركزنا يقوم بدراسات في كل مجالات العلم. كما أنه تجدر الإشارة إلى ضرورة تطوير آليات جديدة لتعليم المرأة والرجل. نحن اليوم أمام مسائل ملحة لا تقبل الانتظار، كالعلم والتعليم والإعلام. تصور! إننا لازلنا لا نعرف كيف نستغل بإتقان وسائل الإعلام والتواصل الحديثة. هناك عمل كثير بانتظارنا.

ما هي، إذاً، العوائق التي تحول دون القيام بهذه الإصلاحات؟
رمضان: لا بد أن نتخلص من عقلية الضحية والكف عن لعب دور الضحية والإشارة بأصابع الاتهام على الآخرين. كما أن لدينا عائق متوارث كمسلمين، وهي قضية التكليف. يجب أن نتحمل مسؤوليتنا كاملة مهما كانت الظروف. يمكن القول إننا كمسلمين العائق الأول أمام الإصلاحات، ولكن في المقابل هناك تيارات معاكسة وملحدة ضد الدين. إذاً باختصار، فإن المشكلة تكمن فينا أولاً.

يتهمك خصومك بأن خطابك مزدوج، خاصة في فرنسا. لماذا بالتحديد؟
رمضان: بداية لا بد أن نعيد صياغة السؤال بشكل آخر: في فرنسا خاصة وبعض الشيء في بلجيكا، أتهم بازدواجية الخطاب. في المقابل، لم يذكر لي أحد آخر في بقية بلدان العالم شيئاً عن ازدواجية الخطاب. بل بالعكس، دوماً ما أعتبر كصوت حكمة واعتدال. لكن في فرنسا يكيلون لي التهم بحجة أن ما أقوله لا يعكس أساساً ما أفكر فيه. إنهم لا يستطيعون مواجهتي أو على الأقل محاججة ما أقول. وجهت عدة أسئلة جريئة إلى المجتمع الفرنسي عن مشاكل فرنسا مع ماضيها الاستعماري. لم تتم حل قضية الجزائر بعد، ولديهم مشكل مع كل ما هو ديني. لديهم مشاكل اجتماعية لم تحل، وعوض حلها، عزوا أسبابها إلى الإسلام. أنا مصدر إزعاج لهم، لأنني أدافع على القضية الفلسطينية، وكما هو معروف فإن فرنسا تقع تحت قبضة جماعات ضاغطة (لوبي) قوية تساند إسرائيل.

في النهاية، لقد هاجمت الربيع العربي منذ اندلاعه وصرحت مرة أن الربيع العربي صنيعة الولايات المتحدة الأمريكية. اليوم وقد فشل الربيع العربي باستثناء تونس، ألا تشعر بشيء من المسؤولية الأخلاقية، حتى ولو جزئياً، تجاه هذا الفشل؟
رمضان: أنا لم أهاجم الربيع العربي. آنذاك وجهت حديثي لمن ساندوا تلك الموجة (أي الثورات العربية) مساندة عمياء ووصفتهم بالسذج. لم يفهموا التعقيدات السياسية الكبيرة وراء ما حصل. في عام 2011، كتبت أن نجاح تونس يمكن أن يبرز فشل الآخرين، وهذا صحيح للأسف. اليوم، وبعد أربع سنوات، يوجد فشل في ليبيا واليمن وسوريا ومصر والعراق. تونس تمكنت من إكمال الطريق دون أضرار وصراعات. لكن من المنطقي التساؤل عن حال تونس اليوم. إنه بلد على حافة الانهيار الاقتصادي. دوماً ما يقدم النموذج التونسي على أنه ناجح، لكن النجاح في اعتقادي لا بد أن يقاس بالمعيار الاقتصادي لا السياسي.
لا أتحمل أية مسؤولية في ما يتعلق بفشل الربيع العربي. كان عليهم (أي مساندي الربيع العربي) أن يصغوا إلى صوت دعاهم إلى دراسة عقلانية للتاريخ ولما حدث في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. لكن المسلمين لا يدرسون التاريخ للأسف. يسود لديهم اعتقاد أن ما يحصل لهم لا يحصل في أي مكان آخر في العالم. هؤلاء هم في نظري مجرد سذج.

طارق رمضان مفكر إسلامي سويسري من أصل مصري، يعمل أستاذاً للدراسات الإسلامية المعاصرة في جامعة أوكسفورد البريطانية ويرأس حالياً مركز الدراسات التشريعية والأخلاق بالدوحة. آخر إصداراته بالفرنسية كتاب "الإسلام والمسلمون".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان