ثورة عطش قادمة.. بسبب تصدير الأرز (تحقيق)
تحقيق- محمد أبو ليلة:
في أكتوبر الماضي أصدر عادل البلتاجي وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، قرارا بتصدير الأرز المصري للخارج بعد توقف قارب الـ 6 سنوات، وأوضح أن أسباب اتخاذه هذا القرار هو وجود فائض في إنتاج الأزر يصل إلى مليون طن وهو ما يتطلب (في رأي الوزير) إيجاد وسائل جديدة لتسويق هذا الفائض دون التأثير على الاستهلاك المحلي.
قوبل القرار بغضب شديد من الفلاحين المتخصصين في زراعة الأزر؛ لأن وزير الزراعة أصدر قراره بعدما باع الفلاح محصوله إلى التجار بسعر ألف و600 جنيها للطن، بينما قرار التصدير وضع حد أدنى لسعر الطن من الأرز لا يقل عن 2050 جنيه، مما جعل الفلاحون يشعرون بخيبة أمل وخسارة فادحة من هذا القرار الذي وصفوه بالمتأخر.
حسن عبد الرحمن، أحد الفلاحين الذين عاشوا سنوات عمرهم في زراعة الأزر يقول لمصراوي، إن وزير الزراعة الحالي لا يعلم شيئا عن الزراعة، مدللا على ذلك بسياساته التي وصفها بـ''الخاطئة والمتأخرة''، وتابع: '' زراعة الأرز فيها مكاسب لنا، احنا بنزرع أرز من عشرات السنين، لا يوجد أي جهة للتنسيق معنا، احنا بنزرع لوحدنا من غير رقابة أو خلافه ولما بنحصد المحصول بنبيعه للتجار، لكن الحكومة نصبت علينا السنة دي لأنها رفعت سعر الطن وقررت تصدر المحصول بعد ما بعناه للتجار''.
مليون فدان زيادة في زراعة الأرز
سياسات زراعة الأرز في مصر موزعة بين ثلاث جهات رسمية؛ وزارة التموين والتجارة الداخلية ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ووزارة الري والموارد المائية، حيث تقوم وزارة التموين بتحديد الكمية التي تحتاجها الدولة من هذا المحصول بناءً على عدد السكان وبطاقات التموين التي توزع على المواطنين، أما وزارة الزراعة فتحدد أصناف المحاصيل الشرهة للمياه ومساحات الأراضي المسموح فيها بالزراعة، ومن خلالها تقوم وزارة الري بتحديد كمية المياه التي يستهلكها الأرز من خلال المساحات المنزرعة التي قررتها وزارة الزراعة.
رئيس الاتحاد العام للفلاحين المصريين محمود البرغوثي قال في لقاءه مع مصراوي، أن مساحة الأرض المزروعة في مصر تصل لـ 8.6 مليون فدان، منهم 2.6 مليون فدان أراضي صحراوية تم استصلاحها، يتبقى 6 مليون فدان أراضي في الوادي والدلتا قديمة، يتم توزيع عليهم المحاصيل المنزرعة ومنها الأرز، حيث يتم زراعته في فصل الصيف، ''الفلاحين بيروحوا ناحية المحصول اللي بيكسبهم، والأرز فيه مكسب كبير، مفيش جهة تنسيقية أو ترشيدية للفلاحين فبيزرعوا أرز بمزاجهم، ولذلك زراعات الأرز دائما تأتي ضعف احتياجات مصر من محصول الأرز نفسه فالدولة تضطر لتصديره''.. يضيف.
''البرغوثي'' الذي كان متحدثا رسيما لوزارة الزراعة واستقال منذ شهرين بسبب اعتراضه على سياسات وزير الزراعة الحالي، يؤكد أن مساحات الأرض المزروعة بمحصول الأرز العام الماضي بلغت 2 مليون فدان، وأن هناك زيادة ما يقارب مليون فدان في زراعة الأرز، موضحا أن محصول الأرز لا يجوز زراعته إلا في أراضي الوادي والدلتا ولا يصلح ريه إلا من خلال مياه النيل.
''احنا واقفين في كمية مياه ثابتة وهي 55.5 مليار متر مكعب وهي حصتنا السنوية من نهر النيل''.. هكذا يقول الدكتور مجدي أبو ريان مدير مركز بحوث المياه ورئيس جامعة المنصورة السابق في تصريحاته لمصراوي.
مؤكدا أن هناك كمية غير معلنة من حصة السودان في مياه النيل تأخذها مصر، بالإضافة لـ 4 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، و2 مليار من الأمطار، و8 مليار متر مكعب مياه من إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، بما يعني أن مصر تستهلك سنويا 79 مليار متر مكعب من المياه.
وأوضح ''أبو ريان'' أن هناك دارسات قام بها متخصصين في عدد من مراكز بحوث المياه توضح المحاصيل التي لا يجب الإكثار في زراعتها لأنها تمس الأمن القومي ومنها محصول الأرز لأنه شاره للمياه ومصر الأن في مرحلة الفقر المائي، ودلل على ذلك بأن الفلاحين أصبحوا يستخدمون مياه غير صالحة في الري بسبب الفقر المائي مما يؤثر على جودة المحاصيل، ''اللي داخل من المياه ثابت لكن تعداد الشعب بيزيد، احنا بنزيد 2 مليون شخص كل عام، وحجم المياه ثابتة وهذا يؤثر بالقطع ويجعل هناك نقص في المياه، وطبيعي أننا لا نحتمل أي نقص في هذه المياه''..هكذا قال.
ثورة عطش قادمة
خبير الموارد المائية ورئيس جامعة المنوفية الأسبق الدكتور مغاوري شحاته، أعرب عن قلقه هو الأخر من قرار تصدير الأرز، مؤكدا في لقاءه بمصراوي أن زراعة الأزر في مصر تستهلك 6 مليار متر مكعب سنويا،'' المساحة المسموح لها بزارعة الأرز لا تتعدى مليون و100 ألف فدان، لكن الفلاحين لم يلتزموا بهذا التحديد، حيث يقومون بزراعة مساحات تصل لمليون فدان زيادة تقريبا، وهذا يعني أننا أمام ما يقرب من 6مليار متر مكعب مياه زيادة عن المققن المفروض أن تلتزم به الدولة، ونستخدمه في زراعات أخرى، يعني سنويا، زراعة الأزر تستهلك 12 مليار متر مكعب من مياه النيل''..هكذا يوضح.
''شحاته'' أكد أنه لو بقى الوضع على ما هو عليه ستقبل مصر على ثورة عطش حقيقية في منتصف العام القادم بسبب عودة قرار تصدير الأزر من جديد، لأنه سنفقد على الأقل (( 12 مليار متر)) مكعب من المياه على زراعة الأرز فقط، '' اللي بننتجه من الأزر أكثر من احتياجاتنا، بسبب عدم وجود رقابة حقيقية من الدولة على الفلاحين، والدولة تختار الأسهل وتقوم بتصدير الأرز، لكننا في النهاية بالمفهوم الاستهلاكي نصدر مياه وليس أرز، في الوقت الذي نحتاج فيه لكل نقطة مياه ونطالب المواطن بترشيد استهلاكه من المياه، نقوم بتصدير المياه''.. يتابع.
في الوقت نفسه كانت هناك دراسات تم إعدادها خاصة بمحصول الأرز، تمكنت من خلق أصناف جديدة من المحصول تستهلك نسبة مياه أقل من خلال قصر مدة بقاءها في التربة، حيث يوضح مدير مركز البحوث الزراعية السابق الدكتور عبد السلام جمعة أن عملية ترشيد المياه في زراعة الأرز تتم بأسلوبين، أولهما وجود أصناف قصيرة في عمرها الزمني، حيث يظل المحصول في التربة لمدة 120 يوم (4 شهور) بدلا مما كانت عليه قديما، حينما كان يظل الأرز في التربة لمدة تزيد عن 6 أشهر.
''احنا استحدثنا هذا الصنف في مركز البحوث الزراعية كي يظل مدة زمنية قصيرة في التربة وبالتالي نوفر جزء من كمية المياه التي يستهلكها محصول''.. يقول جمعة في تصريحاته لمصراوي.
وتابع أن الفلاحين منذ 20 عاما كانوا يزرعون محصول الأرز ثم يتبعونه بمحصول القمح، مما يتسبب في فساد التربة، ويقلل من نسبة إنتاج القمح، وأنهم في مركز البحوث الزراعية توصلوا لحل وهو زراعة نبات خفيف مثل (البرسيم) بعد الأرز ثم يليه محصول القمح، مما يجعل انتاج القمح يتم بشكل كامل، وهذا من وجهة نظره يوفر مياه وينتج قمح كامل.
لكنه اشتكى من أن عدد كبير من الفلاحين لا يتبعون هذه الإجراءات بسبب غياب التنسيق بينهم وبين وزارة الزراعة، مؤكدا أن هناك أسلوب أخر لتوفير المياه لازال طي الدراسة، من خلال اقتصار زراعة الأرز على أماكن احتياجاتها المائية قليلة نسبيا، ولا تزال هناك بعض الأصناف يتم تجريبها في معامل مركز البحوث الزراعية كي تتلاءم مع التربة الجديدة.
''جمعة'' يؤكد أن قرار مصر بتصدير الأرز يعتبر اختراق لمسألة الأمن القومي، لأن أي نظام زراعي في العالم يعمل على زيادة نسبة الأمن الغذائي المحلي، ويقلل من استيراد وتصدير الأصناف الزراعية، مؤكد أن الدولة لا تدعم الزراعة كما يجب أن تكون، ''قرار تصدير الأرز جعل الفلاحين يزرعوا أكثر من 2.5 مليون فدان، مينفعش أصدر الأرز، لأننا فعليا بنصدر مياه مش أرز، وهذه المياه أنا في احتياج إليها من أجل انتاج محصول أخر''.. هكذا يعلل رفضه قرار التصدير.
خسائر تصدير الأرز
كان وزير الزراعة الدكتور عادل البلتاجي، أعلن في مؤتمر صحفي أن حجم الانتاج المحلي من محصول الأرز وصل لـ 7 مليون طن أرز شعير ينتج ما يقرب من 4.6 مليون طن أرز أبيض يضاف إليها فائض الموسم الزراعي الماضي والذي يقدر بحوالي 500 ألف طن بينما احتياجات السوق المحلي تقدر بحوالي 3.5 مليون طن..حسب تصريحات الوزير.
في سياق متصل احتلت مصر المركز الحادي عشر بين الدول المصدرة للأرز الأبيض علي مستوي العالم بقيمة صادرات بلغت نحو 262 مليون دولار، ما يمثل نحو 1.53% من إجمالي قيمة صادرات العالم من الأرز.. حسب تصريحات سابقة لرئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية علي عيسي.
''كيلو الأرز الشعير بيستهلك بالضبط 20 لتر مياه، لما نيجي نحسب اللتر بـ 50 قرش هنلاقي كيلوا الأرز بيتكلف 10 جنيهات مياه، طيب كيلو الأرز الأبيض يساوي 1.7 كيلوا أرز شعير أذن الكيلوا الأرز الأبيض اللي احنا بنصدره بدولار((7.5 جنيه مصري)) أو أقل من دولار يكلفنا كدولة مبلغ 17 جنيه مياه فقط ، إذن احنا كدولة بنخسر لما نصدر الأرز''.. هكذا يقول رئيس اتحاد الفلاحيين المصريين محمود البرغوثي.
وتابع البرغوثي في حديثه لمصراوي: هناك ما يقرب من 12 مليار متر مكعب من المياه في زراعة الأرز، لو قمنا بتصديرهم، لن نستطيع الوصول إلا لسعر 3 مليارات مترم مكعب من المياه فقط، ما يعني أننا نخسر 7 مليارات من المياه، نقوم بتصديرهم بلا ثمن.
بدون رقابة
ويؤكد البرغوثي أن الفلاح المصري تلقى ثلاث ضربات من وزير الزراعة في عام 2014، من خلال خفض سعر الحاصلات الزراعية كالأرز والقطن ومحصول الذرة الذي لم يتم بيعه بالإضافة لرفع سعر مدخلات الإنتاج الزراعي كالأسمدة والطاقة، ''مهما تعمل لم تعد هناك فرصة للرقابة على الفلاحيين من قبل الدولة، ولم تعد هناك دورة زراعية أو جهات رقابية كجهاز الإرشاد الزراعي، الوزير الجديد جاء ليدمر كل شيء، وقضى على منظومة دعم الفلاح بالكامل حتى جهاز الإرشاد الزراعي تم تحطيمه بالكامل''.. يقول رئيس اتحاد الفلاحين.
دكتور مغاوري شحاته لا يجد حل للأزمة سوى برقابة الدولة على زراعات الأزر وتجريم المساحات التي زراعتها بزيادة، قائلا: في ظل الأزمات اللي بيعاني منها الفلاحين الدولة ما بتتخذش اجراءات رادعة بل بالعكس بتساعد الفلاح، على زراعة الأرز وتصديره فالموقف متناقض طبعا نتيجة لسلوك الفلاحين المتكرر، ونتيجة لكسور الجهات التي تراقب الزراعة سواء كانت جمعيات زراعية او دولة، او ارشاد زراعي أو غير ذلك من هيئات تراقب الزراعة في مصر، مطالبا الفلاحين أن يلتزموا بالمساحات وعدم زراعة أكثر من المقنن، وعلى الجهات المعنية بالرقابة على الفلاحيين أن توقع العقوبات المفروضة
بينما الدكتور مجدي أبو ريان رئيس مركز بحوث المياه يرى أن الحل الوحيد هو زيادة الرقعة الزراعية، حيث يقول: لا حل سوى بتوسيع الأرض المنزرعة، ولابد أن تكون مرتبطة بتقنيات الري الحديث، هناك عدة دراسات تبع مركز بحوث المياه توفر للدولة 20 مليار متر مكعب من المياه من خلال تقنيات الري الحديث، وهذه الدرسات أساسها التوسع في الصحراء لأن الصحراء يتم الري فيها بالرش وبالتنقيت، وهذا سيوفر للدولة 20 مليار متر مكعب بخلاف مياه نهر النيل، ونحن في أشد الحاجة إلى ذلك.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: