إعلان

بالصور- سيارات البضائع والنفايات تتحول لإسعاف بمستشفيات المنيا (تحقيق)

01:36 م الثلاثاء 20 مايو 2014

كتبت- هدى الشيمي:

جلست وعلى ساقيها طفل لم يتجاوز الأربعة أعوام، داخل صندوق حديدي تنتظر العناية الإلهية التي تساعدها على الخروج من ذلك الموقف، فعدم قدرتها على علاج طفلها أصابها بالعجز، سألت عن مجيب فلم تجد سوى ذلك المستشفى الذي يبعد عن منزلها بنحو 3 كيلو مترات، غير أن الأمر زادها قلقا.

داخل سيارة زرقاء تبلغ مساحتها مترين في متر وربع، خالية من كل الإسعافات والتجهيزات الطبية، يوجد بها كرسي تالف، نزع عنه أحشائه، تجلس السيدة أم محمد في عربة مدون عليها من الخارج عبارة ''سيارة إسعاف'' ينقل فيها ابنها من مستشفى سوزان للأطفال والتوليد إلى مستشفى المنيا الجامعي ليتلقى العلاج المناسب.

أمام كافيتريا المستشفى تقف سيارتا إسعاف تابعتان لقطاع الطب العلاجي بخطيهما الأبيض والخطوط الحمراء، متهالكتان، تحملان داخلهما بقايا مقاعد وأسرة وعجل، فيما ترتسم الجوانب بمعدن من الألومنيوم زاد من حرارة المكان.

معاناة المرضى

''اضطريت أركب تاكسي، واصرف من فلوس العيل الغلبان، عشان ما اطلعش انا وابني نزحف ونقعد على الأرض في عربية الإسعاف'' يقولها إسماعيل –والد أحد المرضى– مرتسمةً على محياه علامات الاستياء والغضب، خلال محاولته لإسعاف صغيره المريض بضيق في التنفس.

استخدمت إدارة المستشفى سيارتين، الأولى حمراء اللون، فارغة تماما من كل شيء، لا يوجد داخلها سوى حجر صغير ليجلس عليها الطبيب بجانب مريضه، لها نافذة صغيرة مغطاة بالسلك، تشبه إلى درجة كبيرة سيارات الترحيلات التي تنقل المعتقلين والمتهمين من مكان إلى أخر.

أما السيارة الثانية فهي زرقاء زجاجها الأمامي شبه محطم، خالية تماما من الكراسي، ماعدا كرسي واحد مثبت خلف كرسي السائق ليجلس عليه المريض، فيرافقه الطبيب جالسا على أرض السيارة التي ظهر اتساخها بعد بلاء السجادة القديمة التي كانت تسترها.

خرطوم سميك دون منظم، هو العلامة الوحيدة المميزة لسيارة الإسعاف؛ للاستخدام كأنبوب للأكسجين.

لا يحتاج المريض المستخدم لسيارات الإسعاف إلى أشخاص تعاونه فقط من أجل دعمه ومساعدته ولكن هناك متطلبات أخرها يأتي في مقدمتها محاولات الخروج والدخول من السيارة، فيضطرون لرفع الباب إلى أعلى وسنده بلوح خشبي.

داخل الممرات والأروقة بالمستشفى، يجلس المرضى وذويهم في حال يرثى له، وبجانبهم إحدى البلاطات التي اتسخت بفعل قيء أحد المرضى، تمر الممرضات دون أن يعرين الأمر أي اهتمام، تتعجب أم مروة من الحال، المرأة الأربعينية جلست وبين يديها طفل صغير، الصمت يهيمن على تفاصيلها، التعب أنهكها بعدما تحملت إصابتها جراء ركوب سيارة الإسعاف عن طريق الزحف، لكي توصل طفلتها إلى مكان أفضل لتلقي العلاج، غير أن الصدمة كانت في انتظارها داخل أروقة المكان غير المهندم.

يقول الطبيب ''أحمد خ'' الذي يعمل في مستشفى سوزان مبارك للنساء والتوليد بمحافظة المنيا ''بسبب عدم توفر أنبوبة أوكسجين في عربية من عربيات الإسعاف، توفى طفل كان يشتكي من مشاكل في الصدر''.

فيما يروي الطبيب ''أحمد. ش'' الذي رافق إحدى الحالات التي تعاني من ضيق التنفس موقف قال إنه لم يغب عن مخيلته، ''قمت أنا وزملائي بإحضار مشرط، وقطعنا خرطوم أنبوبة الأوكسجين ووضعناه في فم الطفل المريض حتى ننقذ ما يمكن انقاذه بدون منظم ضغط أو وجود أي تجهيز، وتعاملنا مع أنبوبة الأوكسجين وكأنها أنبوبة بوتاجاز، واعتمادنا على إحساسنا في إمداد الولد بالأوكسجين''.

طبقا لهيئة الإسعاف المصرية، فإن سيارة الاسعاف البدائية يجب أن يتوفر فيها أسطوانة أوكسجين معها منظم، وجهاز تنفس صناعي، وجهاز صدمات كهربائية، وجهاز ضغط، وسماعات وشنطة حروق، وسرير ينام عليه المريض، وكرسي متحرك لنقله خارج السيارة.

حتى الأطباء لم يسلموا

لم يقتصر الأمر على رضا المرضى بحال السيارات المعدمة فقط، غير أنها تستعمل لنقل الغسيل والملابس المتسخة والنفايات، الأمر الذي سبب مشاكل كثيرة للمرضى والأطباء معا، فيقول الطبيب سعيد أحمد أنه اضطر في إحدى المرات للنزول من سيارة الإسعاف بعد اكتشافه أن أحد المرضي تقيأ في السيارة، جراء استنشاقه رائحة الدم المنبعثة من الملابس التي كانت تُنقل معه خلال محاولة إسعافه.

''بننقل المرضى والدكاترة من مستشفى للتانية في عربية واحدة، وبيبقي معاهم الأكل ومرات الغسيل، والملايات مبتبقاش نضيفة وملابس العيانين''، قد يضطر المريض أحيانا للجلوس في أرضية السيارة عسى أن يخلي مساحة للملابس.. هذا ما جاء على لسان عم سعيد –اسم مستعار حسب رغبة المصدر- سائق سيارة الإسعاف في مستشفى سوزان مبارك.

وتابع عم سعيد كلامه قائلا ''أنا متأكد أن ربنا هايشوينا بناره، عشان إحنا بنساعد على استمرار معاملة المرضى معاملة غير أدمية، لكن مفيش في ايدينا حاجة نعملها، إحنا عبد المأمور''.

واشتكى الكثير من أهالي المرضى من سيارات الإسعاف، ومن سوء المعاملة، والشعور بالإهانة الذي يصيبهم بعد ركوب السيارات، فقال والد أحد الأطفال معبرا عن استيائه الشديد ''أنا ابني عيان وبيموت، وطلعت المستشفى قالولي لازم أروح مستشفى المنيا، فطلعنا العربية وقعدت أنا وهو على الأرض، كنا حاسين أننا بهايم بينقلونا للزريبة، دي مش معاملة بني أدمين وعيانين، دي حاجة ماترضيش ربنا''.

وأبدى ''محمد. خ'' أحد السائقين في المستشفى استيائه من السيارات قائلا ''السيارات لا تصلح حتى لنقل الحيوانات، والكل عارف بده، ولكن محدش بيحاول يغير حاجة، حتى العميد ورئيس الجامعة جم وعاينو العربيات، ولكن كأنك يا أبو زيد ما غزيت''.

''حاسبوا من قبلي''

ورفض الطبيب ''عبد الرحمن ص'' تسمية السيارات بسيارات الإسعاف، فيما علق الدكتور محمد جمال سعيد صالح عميد كلية الطب جامعة المنيا ورئيس مجلس إدارة المستشفيات، على عدم كفاءة سيارات الإسعاف قائلا ''نحن نحاول أن نتوصل إلى أفضل النتائج بأقل الإمكانيات المتاحة، ولا يجب محاسبتي أنا ولكن يجب محاسبة من قبلي لأني توليت عمادة الكلية منذ 11 شهر فقط''.

قبل أن يبرر الأمر بقوله: ''منذ وصولي إلى المستشفى وأنا اسعى إلى الحصول على سيارات إسعاف خاصة بها، وبالفعل طالبت وزارة الصحة بسيارة، وقالوا إنهم هايوفورها قريب جدا''.

فيما اختتم صالح حديثه مع مصراوي بعبارة ''استطعت إقناع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بمنح المستشفى سيارتين إسعاف حديثتين ومجهزتين غير مستخدمتين''.

غير أن الأطباء رفضوا تصريحات ''صالح''، مؤكدين أن المستشفى تدر عائدا كبيرا يمكن من خلاله إصلاح السيارات المعطلة، أو على الأقل إحضار أبسط التجهيزات للسيارة، فسعر الكشف في المستشفى عشرة جنيهات، وسعر الحجز داخل المستشفى 50 جنيه.

كما اعتبر رئيس هيئة الاسعاف الدكتور أحمد الأنصاري ما يحدث في المستشفى ''معيب''، فقال ''في حاجة في الموضوع مش مظبوطة، ففي محافظة المنيا هناك حوالى 94 سيارة إسعاف مجهزة، ومن المقرر ضخ 250 سيارة جديدة بداية من العام المقبل''.

وأشار إلى أن دور هيئة الاسعاف هو توفير سيارات إسعاف لكل محافظات وقرى مصر، موضحا أن عدد سيارات الاسعاف في مصر يصل إلى 2600 سيارة، ويتم الدفع بالمزيد حتى يتم الوصول إلى المعدلات العالمية.

كما أوضح أنه من غير الضروري أن يتوفر لكل مستشفى سيارة إسعاف بعينها، فبإمكان أي مستشفى الاتصال بالهيئة وطلب سيارة إسعاف حتى اذا كانت المسافة التي تنقلها للمريض قصيرة، هكذا علق.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك... اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان