عيد الأم من ''جارفيس'' إلى ''رتيبة'' وصولا لسخرية ''عبد الناصر''
كتبت – هند بشندي:
''الذين لم يعرفوا طعم حب أمهاتهم لم يذوقوا أحلى شهد خلقه الله''.. ''أحببت أمي ومن أجلها أحببت كل النساء'' كلمات كتبها الصحفي ومؤسس صحيفة أخبار اليوم مصطفي أمين، ليعبر بها عن حبه لوالدته السيدة ''رتيبة زغلول''.
رتيبة زغلول التي تسبب تؤامها في احتفال العالم العربي بالأم؛ هي ابنة شقيقة الزعيم الراحل سعد زغلول، عاشت في كنف خالها وزوجته صفية ''أم المصريين''، حتى بعد زواجها وإنجابها للتوأم مصطفى وعلي محمد أمين.
لم تتعلم في المدارس وانما اتقنت فن الحياه في بيت زعيم الأمة، لتعلم تؤامها كيف ''لا يهزما أمام الصعاب'' كيف ''الحب'' وما هو التقدير والعرفان، علمتهم تذوق طعم الحياه وسط أحلك اللحظات و أعتاها، وتعلما على يديها الوطنية فهي من شاركت في ثورة 1919 وناضلت ضد الإنجليز.
كانت ''رتيبة'' حازمة لم يستطع مصطفي أمين الذي لم تفارق السيجارة شفتيه ان يدخن أمامها حتى بعد ان أصبح مؤسس لدار صحفية، وظل هو وأخيه يقفا احتراما لها وينحنيا مقبلان يدها.
وتحكي حفيدتها الكاتبة الصحفية صفية مصطفي أمين في مقال لها عن واقعة تشير فيها إلى مدى حزمها وشدتها، فتقول إنها طلبت من السفرجي في بيت سعد الا يلبي لهما اي طلب ان لم تسبقه كلمة ''من فضل''، كما كان ترفض ان يركبا الترام في الدرجة الاولي وتصر علي ان يركبا في الدرجة الثانية مع التلاميذ.
وأن كانت حازمة .. فكان لديها خوف وحنان تعبر عنه بدموعها أحيانا فيقول مصطفي أمين في أحد مقالاته ''كانت امي تقنعني بالاستمرار في الدارسة بدموعها .. دموع الأمهات أقوي وسيلة اقناع في الدنيا''.
البداية من ''جارفيس''
في كتابه ''أمريكا الضاحكة'' الذي صدر عام 1943 أبدي مصطفي أمين إعجابه الشديد بفكرة عيد الأم الذي عرف في للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تعود الفكرة إلى أنا جارفيس التي احتفت بوالدتها بعد وفاتها في مايو 1907 في كنيسة أندرو بولاية فيرجينيا الغربية.
وكانت ''آن'' والدة أنا جارفيس، تهتم بتكريم الأمهات، ففي عام 1868 ، أنشئت لجنة تهدف إلى إقامة ''يوم الصداقة للأم'' بغرض جمع شمل العائلات التي تم تقسيمها خلال الحرب الأهلية.
وتزامن مع محاولة والدة جارفيس عدة محاولات محدودة أشهرها محاولة جوليا وورد هاو بتخصيص ''يوم الأم من أجل السلام '' للاحتفال المناهض للحرب بنيويورك عام 1872.
لكن جارفيس هي من نجحت، ليعلن الأحد الثاني من مايو عطلة رسميا من ولاية غرب فرجينيا في عام 1910، وفي 10 مايو 1913، أصدر مجلس النواب الأميركي قرارا يدعو جميع المسؤولين الحكوميين لارتداء القرنفل الأبيض في اليوم التالي من الاحتفالـ وفي 8 مايو 1914 أقر الكونجرس الأمريكي الاحتفال بـ''عيد الأم''.
''سيدة'' تحي الفكرة
منذ عام 1943 ومصطفي أمين يدعو إلى عيد الأم الا ان احد لم يلتفت للدعوى إلى أن جاءت ''السيدة'' لتحيي الفكرة من جديد، فيحكي مصطفي أمين في مقال له نشر في كتابه''200 فكرة '' ويقول جاءت سيده لأخبار اليوم وطلبت مقابلتى وعلي أمين، هذه السيدة كرست حياتها لتربية ولدها بعد وفاه زوجها وهي شابة، رفضت ان تتزوج كافحت وجاهدت حتي حصل ولدها على بكالوريوس الطب وأصبح طبيا ناجحا، خطبت له فتاه جميلة ودفعت المهر وفرشت الشقة عندما خرج من بيتها ليتزوج عروسته الجديدة لم يقل لها شكرا''.
بعد انتهاء اللقاء أدرك التؤام أن الابناء دائما ما ينسون ان يقولوا ''شكرا''، لذا اتفقنا على ضرورة الاحتفال بعيد الام، بدأ علي أمين يدعو في عموده ''فكرة'' للاحتفال به، لكنه هوجم من الصحف الأخرى، اتهمتهم جريدة حكومية انهم يدعو للاحتفال بعيد الأم لصرف الأذهان عن الغزو التركي لسوريا.
لكن علي أمين مضي قدما وحدد اليوم ''ما رأيكم في الحادي والعشرين من شهر مارس إنه اليوم الذي يبدأ به الربيع وتتفتح فيه الزهور والقلوب، ما رأيكم في أن نجعل عيد الأم هو بداية الربيع في بلادنا وبلاد الشرق الأوسط، ونساهم كلنا في جعل الأم في هذا اليوم ''ملكة بيتها ''.. فلا تغسل، ولا تطبخ، ولا تمسح، وإنما تصبح ''ضيفة الشرف'' ويتولى أولادها عنها كل أعمالها المنزلية... ويقدمون لها الهدايا وباقات الزهور، ويضعون تحت عقب الباب في حجرة نومها خطابات رقيقة يسجلون فيها نبضات القلب التي تاهت بين شفاه طول العالم'' وفقا لما وثقه محمد سعيد في كتابه ''موسوعة هي الأم''.
ليشير في كتابه ''في أول عيد للأم من عام 1956.. زار علي أمين وشقيقه مصطفى أمين قبر أمه.. ووضع عليه باقة من الزهور.. وكلف أحد الباعة إرسال باقة زهور إلى الأم التي نسي ابنها بعد 25 عاما أن يشكرها ويودعها.. وكتب عليها اسم ابنها.. وفي اليوم التالي حضرت تلك الأم إلى مكتبه لتشكره.. وتخبره بأن ابنها أرسل لها باقة زهر أخرى.. وأنها خلعت السواد لأن هذا اليوم هو أول أعيادها.. وتقدمت منه وقبّلته'' .. ويكتب علي أمين.. ''وما زلت أحس بقبلات هذه السيدة على وجهي.. فإن قبلاتها كانت أرفع وسام حصلت عليه في حياتي الصحفية''.
فكرة سخيفة
لم يكن التنفيذ سهلا.. فذات صباح اتصل الرئيس جمال عبد الناصر تليفونيا بمصطفي أمين وقال له ان يري ان الاحتفال بعيد الأم ''فكرة سخيفة'' فهو لا يذكر أمه وقد مات وهو طفل صغير ولا يعرف كيف يحتفل بها فهو لا يعرف كيف دفنت، ونصحه بالعدول عن ما اسماه ''فكرة غريبة''.
لم يستسلما التؤام وذهبا إلى كمال الدين حسين وزير المعارف في تلك الأيام وعرضا عليه الفكرة فتحمس لها على الفور، واستطاع ان يقنع عبد الناصر بالفكرة، ليعود التؤام إلى الدعوى لفكرة عيد الأم من جديد، وينجحا نجاح مذهلا في الترويج للفكرة.
لكن عام 1965 سجن مصطفي أمين ونفي علي أمين ومنع ذكر أسميهما، ووفقا لما كتبه مصطفي أمين في مقاله ''خشيت مراكز القوى ان اذا احتفلت مصر بعد الأم في 21 مارس 1966 ان يتذكر الناس أسامينا فصدر قرار جمهوري بتغيير عيد الأم إلى عيد الأسرة''، لكن بعد ان انهالت الاحتجاجات من أمهات مصر والعرب أصدر عبد الناصر قرارا بعوده الاحتفال بعيد الأم، ليقول مصطفي أمين ''مات عيد الأسرة بقرار جمهوري كما ولد بقرار جمهوري''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: