إعلان

موت بالبطيء في ''مكامير الفحم''.. تحقيق بالفيديو والصور

06:01 م الأربعاء 26 فبراير 2014

تحقيق- نور عبد القادر ومحمد أبو ليلة:

قطع من الأشجار متراصة على جنبات الطريق، الدخان يتصاعد في الهواء، وعلى أعتاب أحدى ''مكامير'' الفحم المتواجدة بقرية أجهور محافظة القليوبية، كان الطفل سالم الذي لم يكمل عامه الثالث عشر يحمل ألواح الفحم على يديه ووجهه متشح بالسواد، استعدادا لنقلها إلى المخازن، لم يكن ''سالم'' هو الطفل الوحيد الذي يعمل في ''مكامير الفحم'' هناك أطفال كثّر كانوا يحملوا الفحم وسط السواد والدخان ''عاوزين ناكل عيش من المكامير، إحنا بشتغل هنا من زمان بنشيل فحم، علشان نصرف على أهالينا''..هكذا قالوا.

صناعة الفحم في مصر تستحوذ على النسبة الأكبر من إجمالي قيمة الإنتاج الصناعي، حيث وصل إنتاج الفحم في العام الماضي 2013 لـ 20,39% حسب تقارير الجهاز المركزي للتعبة والإحصاء، ويتم إنتاج الفحم عن طريق أماكن أغلبها ''مكامير الفحم''.

عدد مكامير الفحم في مصر تخطى 3 ألاف مكمورة، وحسب تصريحات أيمن رفاعي مدير صندوق حماية البيئة بوزارة البيئة فإن هذه المكامير تصدر انبعاثات تصل إلى 5 ألاف ميلي، رغم أن الحد الأقصى للانبعاث طبقا لقانون البيئة لابد ألا يزيد عن 800 ملي.

القاهرة الكبرى وحدها تمتلك ما يزيد عن 500 مكمورة (وكل هذه المكامير غير متوافقة بيئيا)، أغلبها تتواجد في قرية أجهور بمحافظة القليوبية، وتعمل بطريقة الحرق المكشوف والذي يعتبر أسوأ وسائل تلوث الهواء، لا وجود لتكنولوجيات أو معدات، مجرد حفرة لحرق الأخشاب وهي سبب رئيسي لقطع الأشجار في القاهرة الكبرى.

مدير إدارة البيئة بمحافظة القليوبية يحى الزهيري قال في تصريحات خاصة لمصراوي أن وضع مكامير الفحم أصبح سيئا للغاية بعد ثورة يناير، فبعدما كان عددها لا يتعدى 114 مكمورة فحم، وصل لقرابة 300 مكمورة، مضيفا أنه تم التعدى على مساحات من الأراضي الزراعية وتلويث الترع بإلقاء المخلفات، بالاضافة لتصاعد الأدخنة السامة منها.

أمراض الفحم

عدد من أهالي قرية أجهور (رفضوا ذكر أسمائهم) اشتكوا لمصراوي من أضرار ''مكامير الفحم'' على أبنائهم، قائلين أنها أصابت العديد منهم بأمراض سرطان الرئة والربو، بينما يقول عبدالحكيم القاضي، عضو المجلس المحلي بمحافظة القليوبية، أنه بعدما تقدم الأهالي بشكاوي للمحافظة والبيئة تم تحرير محاضر فقط لأصحاب تلك المكامير لكنها مستمرة في عملها ومستمرة في أضرارها- حسبما قال.

وتابع: الأهالى اتهموا أصحاب المكامير بالتعدى على الأراضى الزراعية وجعلها مخازن للأخشاب، وتصريف مياه الصرف لهذه المكامير على ترعة الباسوسية، والتى تستخدم في الري وبالتالي إصابة الزراعات، كما أنه نظرا لإرتفاع أسعار العمالة بالمكامير فقد عزف شباب القرى عن العمل بالزراعة، لكن لا حياة لمن تنادي.

في السياق ذاته يرى الخبير البيئي مجدى علام، في لقاءه معنا أن الانبعاثات الصادرة من ''مكامير'' الفحم عبارة عن أكاسيد الكربون والكبريت، وهى أكاسيد ضارة، وأصبحت تلك الطريقة بدائية وتؤدي للإصابة بإلتهاب الرئوي المزمن والربو وحساسية الصدر للصغار، والاحتقان الدائم لسكان المنطقة، وتسبب الأكاسيد أمراض القلب المزمنة،وبالأخص للأطفال.

مصراوي ذهب في متابعة ميدانية لتقصي حقيقة تلك ''المكامير''، الطريق إلى مكامير الفحم الواقعة بقرية أجهور بالقليوبية ليس سهلا، ميكروباص ثم ''توك توك'' ثم ميكروباص ثم ميكروباص أخر للوصول إلى ذلك الطريق الرابط بين قرية أجهور ومدينة القناطر الخيرية والذي يحوي بين جنباته على ''مكامير الفحم''.

عمال ''المكامير'' يحملون الخشب على أعناقهم ويغطوه ب''القش'' ثم يشعلون فيه النيران من الداخل فيأخذ شكل التلة الصغيرة ويصنعون فتحات للتهوية داخله حتى لا تنطفئ النيران، ثم يستخدمون مياه الرشاح، لإطفاء الخشب وبعدها يعاودون الكرة مرات حتى تكتمل عملية التفحيم للخشب، وتستغرف قرابة 25 يوما، ثم يبدأون تعبئته فى أجولة ويحملونه لسيارات تمهيدا لتوزيعه للمطاعم والفنادق.

أطفال في مرمى الأمراض الصدرية

كانت السمة السائدة في مكامير الفحم استغلال عدد كبير من الأطفال في حمل الحطب والفحم، مقابل أجر يومي، قابلنا في مكمورة واحدة نصف عمالها أطفال، ''سالم'' في عامه الثالث عشر قال أنه يعمل في الفحم منذ مولده''بأخد 45 جنيه في اليوم من الفحم، ''أنا اللي بصرف على والدتي، عندي 2 أخوات، أنا في 3 اعدادي، بذاكر بالليل، بروح المدرسة وباجي في الاجازة، اشتغل في الفحم''.

طفل أخر في عامه 17، يحكي أنه من سكان قرية أجهور، والعمل في الفحم هو الوسيلة الوحيدة في القرية لجمع الأموال''نفسي المكامير تفضل موجودة لأنها أكل عيش لناس كتير، أنا لازم أشتغل علشان أصرف على أهلي، احنا بنشيل الفحم من الصبح لحد العصر''.

الطفلة رحاب ذات 15 عام وشقيقها محمود يعملان في المكامير منذ صغرهم، تقول رحاب: '' بشتغل هنا أنا وأخويا علشان أصرف على أهلي وأجهز نفسي، أقل واحد هنا يشيل كل حاجة، مفيش أمراض، مفيش مشاكل بنتعرض لها''.

بينما يعترض أحد الشباب العاملين في مكمورة الفحم ويدعى ''مصطفى'' على وجود عمالة الأطفال في مكامير الفحم، قائلا'' احنا مجبرين على العمل هنا لأن مفيش شغل تاني، بس الفحم بيضر أطفال كتير، بسبب الدخان فيه ناس جالها ربوا وأمراض تانية بسبب الفحم وخصوصا الأطفال، احنا نفسنا يشيلوا المكامير من هنا بس يوفروا لنا بديل وشغل تاني''.

عمالة مخالفة للدستور

في المادة 80 من الدستور المصري الجديد يحظر تشعيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، ويحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر، الناشط الحقوقي، هاني هلال، أكد لمصراوي أن عمالة الأطفال بالمكامير تعتبر من ضمن الأعمال الخطرة، وبالإضافة لمخالفتها للدستور هي أيضا مخالفة لقانون الطفل والعمل.

وأنتقد ''هلال'' القانون المصري، موضحا أن تصاريح العمل الصادرة من قبل المحافظات للمنشآت الصناعية لا تضمن منع عمل الأطفال، ومن ثم لا يوجد عقوبات فى حال توافر عمالة أطفال بها، مضيفا ''لابد من تعديل قانون العمل والطفل فيما يتعلق بعمل الأطفال بالزراعة والمنازل ولدى أسرهم، لأنها لا تتضمن عقوبات، وهو ما يبرر عمل الأطفال لدى ذويهم من أصحاب المكامير''.

وطالب ''هلال'' بضرورة توافر الإرادة السياسية للدولة من أجل القضاء على عمالة الأطفال التى وصلت إلى 5،5 مليون طفل طبقا لإحصاءات منظمات المجتمع المدني.

لكن مدير إدارة البيئة بمحافظة القليوبية يحى زهيري يرى أن عمالة الأطفال في الفحم لا تخالف قانون البيئة، وتابع ''أغلب تلك المكامير غير مرخصة، ولا تخضع للقانون والعاملين بها أبناء ملاكها ويتوارثها الابناء عن الاباء''.

أين الدولة؟

لم تحاول الدولة أن تضع حلا لمشاكل الفحم وما تسببه من أمراض، إضافة إلى عمالة أطفال في عمر الزهور بها، لأنه طبقا لما يقوله مسؤول المحافظة ''يحيى زهيري'' فمن الصعب تطبيق القانون بعد ثورة يناير، ورغم صدور قرابة عشرينن قرار إزالة لمكامير الفحم، بسبب التعدى على الاراضي الزراعية، إلا انه لم ينفذ ، وتم عمل محاضر طبقا لقانون البيئة رقم 4 لعام 1994.

وتابع: تم تحرير قرابة أربعين محضرا سنويا بغرامات لا تتعدى قيمتها عشرون ألف جنيه، وهى بالطبع غرامات غير رادعة، ويتم تحريرها بسبب الانبعاثات، ولا يتوقف أصحاب المكامير بعدها عن العمل.

وألقى ''الزهيري'' بمسؤلية التنفيذ على وحدة تنفيذ الأحكام بمديرية الأمن لمحافظة القليوبية، وأن الاحكام لا تنفذ، وبالأخص لمخالفات موسم السحابة السوداء بداية من شهر سبتمبر وحتى شهر نوفمبر،والتى من المفروض أن تتوقف أعمال المكامير نهائيا ، ولكن أصحابها يستمرون في العمل.

كما يوضح أنه تم التنسيق بين وزارة البيئة ومحافظة القليوبية لتخصيص 700 فدان بمدينة''بلبيس'' لنقل تلك المكامير و'' الفرش'' التابعة''لها، وتحويلها إلى مكامير صديقة للبيئة ومازال المشروع قيد الدراسة من قبل وزارة البيئة.

العمال يرفضوه المكامير صديقة البيئة

لكن أصحاب تلك المكامير في حديثهم لمصراوي رفضوا فكرة النقل نهائيا، بسبب أن تحويلهم لمكامير صديقة للبيئة سيتخطى تكلفته 200 ألف جنيه للمكمورة الواحدة، حيث يقول أحد العمال في العقد الرابع من عمره ويدعى ''عمرو'': بيوتنا هتتخرب لو نقلوا المكامير من أجهور، هنا أنا بأخد في اليوم 60 جنيه، وثلاث أرباع سكان أجهور بيشتغلوا في الفحم، لو اتنقلت هيتقطع عيش ناس كتيير، وفيه أطفال بتصرف على أهاليها شغالة هنا مينفعش يسافروا لأماكن جديدة.

''صابر'' هو الأخر عامل من عمال المكامير، قضى 23 عام من عمره في العمل في مكامير الفحم،''أتولدنا لاقينا المكامير قدامنا ولاقينا نفسنا بنشتغل فيها، وفاتحة بيوتنا كلها، وعلمنا الأطفال تشتغل علشان تصرف على نفسها، اللي بيتصاب مننا بنوديه المستشفى يتعالج، ملناش جهة تدافع عننا لو اتصابنا، لكن معندناش بديل غير الشغل في الفحم''.

أحد أصحاب المكامير''رفض ذكر أسمه'' قال أن الدولة تطلب من كل صاحب مكمورة أن يعد مكمورة صديقة للبيئة، وتابع: ''الواحد شغال ب 15 ألف جنيه عاوزينه يطور ب 150 ألف، هيجيب منين، ميكملش المدخنة بتاعتها، محدش يقدر يعملها، حتى بتوع البيئة كانوا يشرفون على عمل مكمورة صديقة للبيئة هنا لكن وجدوا أنها لا تصلح لأنها مكتومة لازم يبقى فيها مناور وفتحات للفحم''.

وتابع: وزارة البيئة ساعات بتجيب علينا غرامات اسمها غرامة مكمورة تصل إلى ألف جنيه، الحي بياخد فلوس مننا، السنة اللي فاتت دافع 18 ألف جنيه للحي، مفيش هنا ترخيص، علشان يرخص لازم يعمل مكامير صديقة للبيئة، وعلشان يعملها هتتكلف أكتر من 150 ألف جنيه ومحدش يقدر يعملها، لأنها مكلفة.

''الإدارة كل ما تملكه هو تحجيم مخاطر تلك الأنشظة المخالف، فبدلا من صدور الانبعاثات السامة على مدار الساعة، يتم المرور يوميا على المكامير، لتقليل فترة العمل بها وغلق فتحات الانبعاثات من المكامير، خاصة وأنها تعوق الرؤية وتسبب الحوادث على الطرق، كما أن مخلفاتها قد يلقي بها فى الترع، لتستخدم مرة إخرى للشرب او الري وهو ما يسبب مخاطر شديدة'' ..هكذا يقول مسؤول البية بمحافظة القليوبية.

الحل الأوكراني

وزراة البيئة من جانبها ترى أن الأزمة الحالية تكمن في عدم وجود إلزام لاصحاب المكامير للنقل، ولم يكن هناك البديل من المناطق الصناعية البديلة، وكذلك وسائل للتيسير عليهم لشراء المكامير الحديثة.

وحسب حديث مدير صندوق حماية البيئة بالوزراة أيمن الرفاعي لمصراوي، أنه تم التعاقد مع إحدى الشركات الأوكرانية لاستيراد ''فرن متطور'' لإنتاج الفحم النباتى، بأساليب علمية حديثة تهدف إلى الحد من التلوث البيئى الذى تسببه مكامير الفحم لمعالجة مشكلات مكامير الفحم، وستمنع إهدار كميات كبيرة من الخشب، حيث إن هذه النوعية من الأفران تتميز بأنها صديقة للبيئة، وغير مكلفة مقارنة بالمكامير التقليدية، وتنتج نسبة عالية من الفحم عالى الجودة، كما أنها سهلة الصيانة والاستخدام.

كما أوضح أن أسعار تلك المكامير الجديدة تبدأ من 170 ألف وتصل حتى 600 ألف حسب السعة الانتاجية، مضيفا أنه سيتم التنسيق بين جهاز حماية البيئة والصندوق الاجتماعي للتنمية والمحافظات والجامعات، على أن تضع الجامعات الدراسة المبدئية وسيستغرق هذا الامر قرابة 6 أشهر، من أجل حساب التكلفة الاجمالية للمشروع وتحديد الامكان الصناعية وقياس الانبعاثات والاحمال البيئة للمنطقة قبل النقل وبعده، وتحديد العدد الكلى للمكامير التى سيتم نقلها حسب سعة المناطق.

وحول مزايا المكامير الصديقة للبيئة بالمقارنة بالمكامير القديمة التي يرفض أصحابها نقل أماكنهم، أفاد مدير صندوق حماية البيئة أن دورة التفحيم فى المكمورة الحديثة تصل لـ 84 ساعة على عكس المكمورة العادية التي تستغرق 25 يوما، مضيفا ''الحديثة تحمل 4 طن والهالك لا يكاد يذكر مقارنة بالمككمورة البلدية، بالاضافة للانبعاثات قليلة، وتقلل الضرر على العاملين، وكذلك لن تحتاج لهذا الكم من العمالة التى تحتاجها المكامير البلدي ''.

وذكرأن هناك شركات لانتاج وإستيراد تلك المكامير وأغلبهم أصحاب مكامير ونفذوه تلك النماذج وكانت ناجحة، وهناك تنسيق مع أصحاب الشركات حتى تعمم التجربة عند النقل للمناطق الصناعية، وأصبح لديهم جمعية ''صناع الفحم''، وسيتم النقل عقب الانتهاء من الدراسة، وقد أسندت لنا وزارة البيئة أحد الفيديوهات التي توضح طريقة عمل تلك المكامير الصديقة للبيئة.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان