القوش.. قرية مسيحية تقاوم زحف تنظيم "الدولة الإسلامية"
برلين (دويشته فيله)
تحاول مجموعة مسيحية من قرية القوش شمال الموصل وقف الدمار الذي يلحقه تنظيم "الدولة الإسلامية" بالمعالم المسيحية. ورغم امكاناتهم الضعيفة فإن عزيمة أفراد المجموعة قوية، للحيلولة دون سقوط قريتهم في أيدي المتشددين.
يبدو العراقي المسيحي مرايما منصور متوتراً، فهو يتولى مهمة قيادة الدورية الليلية للآشوريين المسيحيين في قرية القوش شمال العراق. يضع خنجراً في حزام بدلته العسكرية، وتبدو على عينيه الخضروان آثار الدم. ويحيط بمرايما منصور رجاله الذين يحملون أسلحة قديمة ويشربون شاياً حلواً، ويتبادلون الحديث عن الخيانة، في إشارة إلى ما جرى في بداية شهر أغسطس عندما تراجعت قوات البيشمركة أثناء مواجهة مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"، وبقي مرايما ورجاله هنا. وهم لا يعرفون هل هاجم الإسلاميون المشتددون قرية القوش أم لا. قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" كانت على بعد كيلومترات في اتجاه الجنوب. وهرب حينها جل سكان القرية، خوفاً من وقوع الأسوأ. ويصف مرايما ذلك قائلا: "كان لدينا حوالي سبعين إلى ثمانين رجلاً، بقوا للقيام بمهمة الحراسة في الجبال".
من أعلى التلال التي شُيدت فوقها قرية القوش التي يسكنها حوالي ستة آلاف من الآشوريين المسيحيين، يمكن رؤية محافظة نينوى ذات الأراضي المنبسطة. وبدأت العائلات تعود جزئيا وبنوع من التردد، بينما التحق مقاتلو البيشمركة مجددا بجبهات القتال على بعد 15 كلم من هنا. مالك أحد الدكاكين يحرس تجارته. أجراس الكنيسة وقت الظهيرة والسيارات المتفرقة تكسر من وقت لآخر الصمت داخل القرية. وبسبب الوضع الأمني الراهن تم اغلاق دير الربان هرمزد الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السابع.
انسحاب قوات البشمركة
داخل المدينة لا يزال الاضطراب سيد الموقف. فبين قرية القوش وجبهة القتال تقع مدينة تل أسقف التي تسيطر فيها قوات البيشمركة على بعض نقاط التفتيش. ويقول مرايما منصور إنه رأى قوات البيشمركة عبر نقطة المراقبة وهي تتراجع: "رصدت السيارات والدبابات لما انطلقت من تل أسقف في اتجاه الدهوك".
ويضيف مرايما: "قلنا لعائلاتنا بأن البقاء هنا لم يعد آمنا لها". والآن قرر المقاتلون المسيحيون حماية مدينتهم الغالية باستعمال ملابس التمويه العسكرية وسيارتهم الصدئة. غير أنهم يعلمون أن حظوظ الإنتصار أمام تنظيم "الدولة الإسلامية" منعدمة. ويوضح مرايما ذلك قائلا: "عندما تتركنا قوات البيشمركة، فإن قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" ستقتلنا".
من جانبه يقول همين هورامي من الحزب الديموقراطي الكردي بأن "تنظيم الدولة الإسلامية مسلح على نحو أفضل مقارنة بقوات البيشمركة". فالحركة الديموقراطية الآشورية تتوفر على حوالي مائة من المقاتلين، يضاف إليهم حوالي ألفين من الرجال المتطوعين المستعدين للقتال الذين تربطهم علاقة بمختلف الأحزاب المسيحية. وحسب قائدي المقاتلين المسيحيين، فإن الأسلحة يتم شراؤها بشكل شخصي أو يتم الحصول عليها من الحركة الديمقراطية الآشورية وداعميها. وهم يترقبون هجوماً عليهم من طرف الإسلاميين المتشددين في كل لحظة.
قرية مسيحية في مواجهة "الدولة الإسلامية"
يعمل وضاح صبيح كخادم (شماس) لدى كنيسة القديس جورج. وأثناء ترديده أدعية آشورية قديمة خلال القداس الديني، يهمس قائلاً: "نجحنا في الدفاع عن القوش خلال قرون خلت ضد أعداء كثيرين. لكننا الآن لا نستطيع الدفاع عنها. فعندما يفشل جيش دولة في صد تنظيم "الدولة الإسلامية"، فكيف يمكن لقرية وحيدة النجاح في فعل ذلك؟. فتنظيم "الدولة الإسلامية" جعل نفسه ملكاً للشيطان". طرد المسيحيين من وطنهم القديم وجعل الغضب يتملكهم.
فقد كان العاشر من أغسطس الماضي أول يوم أحد لم تقرع فيه أجراس كنسية القديس جورج منذ مئات السنين، على حد قول وضاح صبيح لـDW. فقبل عام 2003 كان عدد المسيحيين في العراق يقدر بمليون ونصف، وحالياً تراجع عددهم إلى حوالي 400 ألف، والعديد منهم يريدون مغادرة البلاد.
وشهدت محافظة نينوى وتحديا مكان تقاطع الأراضي الكردية والعربية في العراق عدة معارك. لك عندما حسم مقتاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" المعارك لصالحهم، قال ممثلو الإثنيات والأقليات الدينية بأنهم شعروا بالخوف. وبعد الجرائم وحالات الترحيل المتواصل في حق الإيزيديين، تم تشكيل مجموعة إيزيدية جديدة تتولى مهمة الدفاع فوق جبل سنجار. في هذا الصدد يقول يعقوب جاغو، العضو في الحركة الديموقراطية الآشورية: "في سنجار لا يثق الإيزيديون بأي شخص غريب عنهم، إذا تعلق الأمر بالدفاع عن أنفسهم". ويضيف جاغو: "يريدون الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم. لا نريد تقسيم العراق، نحن نريد فقط أن نشرف على مناطق نفوذنا".
غياب دعم حكومي ودولي
تحول مجمل شمال العراق إلى خراب. فالذين لم يفروا لا يثقون في أحد لا يعرفونه كي يطلبوا حمايته. أما رجال الساسية المسيحيين فيقولون بأنه "يجب أن تكون لدى أقليات أخرى في محافظة النينوى من بينها الإيزيديين، القدرة على حماية نفسها".
غير أنه من المستبعد أن تنتصر المجموعات المختلفة على مقاتلي التنظيم الإسلامي المتشدد. فتلك المجموعات تحتاج إلى دعم، وقد طالبوا حكومة بغداد وإربيل بمدهم بالأسلحة والاشراف على تكوين المقاتلين والتنسيق التكتيكي أثناء تنفيذ العمليات. كما بحثوا عن دعم أجنبي على شكل إقامة منطقة عازلة. لكن مرايما منصور وكما هو حال العديد من أبناء مدينته من المسيحيين، يقول إنه في حال لم يحصلوا على أي دعم دولي يذكر فإنه "سيأخذ جواز سفره ويحمل عائلته إلى بلد آخر"، لأن المكان لن يكون آمنا إطلاقاًّ، على حد تعبيره.
وعند حلول الغسق يجتمع المقاتلون الآشوريون من جديد على هامش المدينة ليتولوا الدفاع عنها بشكل جماعي. فأجراس الكنائس تقرع من جديد كما تم غطس طفل في الماء، وفق طقوس الديانة المسيحية. فالناس هنا فقدوا ثقتهم في المدافعين عنهم، لكنهم لا يعرفون على من يعتمدون في ظل الحرب القائمة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: