إعلان

الناشطون المستقلون: غربة في ميدان التحرير ودموع على اطرافه

08:59 م السبت 25 يناير 2014

كتب - مصطفى علي:

وصل معتز صبحي متأخرا إلى المسيرة التي تم فضها قبل أن تتحرك من مكانها أمام جامع مصطفى محمود بمنطقة المهندسين في الجيزة، كانت الساعة تشير إلى الثانية إلا ربع ظهرا وكان عليه أن يلحق بالأخرى التي ستنطلق بعد ربع ساعة تقريبا من أمام نقابة الصحفيين بشارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة.

استقل الصيدلي صاحب الأربع وعشرون عاما ''ميكروباص'' من شارع جامعة الدول عربية، سلك به طرقا موازية للشارع الرئيسي الذي لازال مغلقا من قوات الشرطة والجيش ويعبئ جوه الغاز المسيل للدموع الذي تم استخدامه لفض تجمعا لمئات من المتظاهرين لبوا دعوة جبهة ''طريق الثورة'' للتظاهر من أجل تطهير وزارة الداخلية وإقالة وزيرها ومحاكمته، وتطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور والقصاص من قتلة الثوار وتطهير الإعلام في ذكرى اندلاع ثورة 25 يناير.

كباقي شوارع القاهرة والجيزة اختفى الاختناق المروري، وقطع الميكروباص المسافة في وقت قياسي إلى أن وصل كوبري 6 اكتوبر الذي يؤدي إلى ميدان التحرير، حيث احتلت مسيرة معظم حارات الكوبري في اتجاه ميدان التحرير، أطل معتز برأسه من النافذة لتبين نوع الهتاف دون جدوى.

كان الحظ حليف معتز عندما وصل إلى نقابة الصحفيين قبل تحرك المسيرة التي تضم عدة آلاف تجمعوا من مسيرات من مناطق مختلفة تم التعامل معها أمنيا وفضها، هتف معهم - لأول مرة منذ شهور طويلة بعد 30 يونيو - ضد عودة محمد مرسي وهو مطلب جماعة الإخوان، وضد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الشخصية الأقرب لكرسي الرئاسة كما يروج مناصروه.

شرارة العودة

ويجد آلاف من النشطاء الشباب أنفسهم بين شقي الرحى بين جماعة الاخوان المسلمين المعارضة للسلطة الحالية، وبين قوى سياسية تدعم سياسات هذه السلطة التي يراها هؤلاء الشباب ''قمعية وتعود بالبلاد إلى ما قبل 25 يناير 2011''، دون تواجد حقيقي لحركة معارضة تتبنى مطالبهم وتتحرك في الشارع الذي لا يتحرك فيه سوى الإخوان وحلفائها من القوى الاسلامية فيما يسمى بتحالف دعم الشرعية.

ولم يتغير هذا الوضع قبل وقفة احتجاجية محدودة أمام مجلس الشوى في اواخر شهر نوفمبر. دعت لها حركة ''لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين'' وعدة قوى سياسية شبابية كـ ''6 ابريل'' و''جبهة طريق الثورة - ثوار'' ضد النص على محاكمة المدنيين عسكريا في مشروع الدستور الذي كان يتم إعداده حينها بمجلس الشورى، وضد قانون تنظيم التظاهر، وفضها الأمن وقبض على نشطاء بارزين على أثرها كعلاء عبد الفتاح وأحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة، الأمر الذي أدى إلى الدعوة إلى عدة وقفات احتجاجية في ميدان طلعت حرب ومسيرات وصل بعضها إلى مجلس الوزراء.

ويرفض هؤلاء النشطاء الذين قد لا ينتمي اغلبهم - ومنهم معتز - إلى تنظيمات أو أحزاب سياسية التحالف مع الاخوان، على الرغم من رفضهم لسياسات وقرارات السلطة الحالية والأداء الأمني لوزارة الداخلية في التعامل مع المظاهرات، حتى وإن قوبلت هذه القرارات بدعم شعبي كالدستور الجديد الذي استفتي عليه منتصف يناير الجاري.

مطاردة وتربص

بحماسة تحركت المسيرة في شارع عبد الخالق ثروت، وما أن وصلت بهتافتها ضد ممارسات وزارة الداخلية إلى تقاطع الشارع مع شارع طلعت حرب سادت حالة من التوتر حيث ظهرت سيارات تابعة للشرطة على مرمى البصر جعلت المسيرة تتقدم بسرعة مبتعدة عن شارع طلعت حرب، متخذة شارع شريف حيث ازداد العدد وعلى الهتاف، وبدى اصحاب المحلات التي اغلقت ابوابها يرددون الهتافات مع المتظاهرين.

يبتسم معتز لاصحاب المحلات مفسرا ''بيهتفوا نفس هتافتنا ارضاءا للمتظاهرين خوفا على محلاتهم'' تصل المسيرة إلى تقاطع شارع شريف مع شارع قصر النيل فتنهال قنابل الغاز المسيل للدموع، وتخترق مدرعة شرطة وحيدة المسيرة، يجري معتز وآخرون إلى مدخل عمارة بجوار كشك سجائر فيترجاهم ''ابعدوا عن هنا الله يرضيكم'' خوفا على محل رزقه.

بعد دقائق من الجري يجد معتز نفسه في شارع طلعت وسط محلات مغلقة يقف اصحابه أمامها في ترقب وصمت، يعود إلى نقطة البداية - نقابة الصحفيين - ليجد عشرات من التظاهرين قد عادوا إليها مرددين هتافتهم، منتظرين عودة التائهين في شوارع وسط البلد، لكنهم لم يتنظروا طويلا حتى وصلت مدرعتين امطرتهم بالغاز. وفي شارع رمسيس تم استهدافهم بقنابل الغاز من شرفات محكمة النقض الملحقة بدار القضاء العالي، فتم تفريق المسيرة بالكامل.

في شوارع وسط البلد يسير معتز محاولا مسح عرقه ودموعه التي اثارتها قنابل قوات الأمن، كان يستمع إلى تعليقات أهالي المنطقة وأصحاب المحلات المتربصة بالمتظاهرين من مناهضي السلطة الحالية ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي التي تحتل صوره وجهات محلات وسط البلد، يقف بعضهم بشوم واسلحة بيضاء عازمين على عدم مرور أي مسيرة قد تكدر صفو احتفالات ذكرى 25 يناير.

يهمس معتز ''الناس مش هتسمح بأي صوت يرجعهم خطوات خدوها مؤخرا حتى لو كانت غلط'' في إشارة إلى خارطة الطريق التي اعلنها وزير الدفاع في 3 يوليو الماضي، والاستفتاء على الدستور الذي قد يمهد لترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية كما يتوقع الكثير.

احتفالات وغربة

على سبيل الفضول وقف معتز في طابور طويل أمام بوابة إلكترونية على اطراف ميدان التحرير، سلم شنطة ظهره التي تحتوي على كتاب وكوفية لاحد رجال الأمن الذين انتشروا على مداخل الميدان وداخله لتفتيشها، لم تكن هذه هي المرة الأولى منذ أن خرج من منزله فقد استوقفه رجال الأمن لتفتيشها في أغلب الشوارع ومحطات المترو وهو اجراء اتخذته قوات الأمن بعد عدة تفجيرات وقعت امس استهدفت مقار للشرطة ومناطق حيوية.

بالداخل وجد معتز نفسه أمام مشهد مخالف تماما لما عاشه منذ دقائق من هتافات مؤيدة للداخلية ووزير الدفاع وتطالبه بالترشح لرئاسة الجمهورية، وقوات الأمن التي كانت تطارده منذ قليل تؤمن الميدان، بينما تحلق طائرات الجيش لتلقي هدايا على المواطنين.

يقول ''التركيبة مختلفة عن الموجودة في 25 يناير 2011، كنت قاعد على قهوة جنب محطة محمد نجيب الصبح بيخرج منها ناس كتيرة بتسأل عن مكان ميدان التحرير، واضح أنهم مدخلوش الميدان قبل كده''.

''باب الخروج''

لم يرغب معتز في البقاء اكثر من ربع ساعة قضى اغلبها في البحث عن مخرج من مداخل الميدان المتكدسة بالمواطنين، كان يفكر في مخرج آخر لمستقبل البلد الذي يراه معتم، فلم يجد سوى السيناريو الذي صاغه الدبلوماسي والكاتب عز الدين شكري فشير في روايته ''باب الخروج: رسالة علي المفعمة ببهجة غير متوقعة'' التي توقع في نهايتها أن تتحالف القوى اليسارية والليبرالية من أجل ملء الفراغ الذي كان يحتله الإسلاميون في الشارع المصري من أجل الوصول إلى الناس ثم إلى الحكم، في الوقت الذي يعود فيه الجيش إلى دوره في حماية الحدود بعد نكسة متوقعة في سيناء.

يضيف معتز ''مفيش فرصة للمعارضة المدنية لا في الشارع ولا في البرلمان، محدش عنده رغبة في بناء ديموقراطية مؤسسات حقيقية، كل فريق عنده رغبة في الحكم لا رغبة في الديموقراطية، الحل في أننا نملا الفراغ اللي سايباه الدولة والقوى الإسلامية في الشارع، الوصول للناس وتوعيتهم هو الحل الوحيد''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك..  اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج