بعد ثلاث سنوات من الثورة: مصريون بين قمة اليأس وقمة الفرح
كتب - مصطفى علي:
تلتقي مسيرة بأخرى تزداد الحماسة، ويعلو الهتاف ''الشعب يريد اسقاط النظام''، يرحب الثوار ببعضهم البعض. لا تجمعهم معرفة مسبقة، لكنهم اليوم مجتمعون ولأول مرة بعد عقود على هدف واحد وشعور طاغٍ بالأمل، يتكرر هذا المشهد كل يوم منذ الخامس والعشرين من يناير وحتى الحادي عشر من فبراير سنة 2011، يوم أن أعلن رأس الدولة وقتها ''مبارك'' تنحيه عن الحكم تحت وطأة المظاهرات.
ربما التقى بهذه الطريقة ''مصطفى فؤاد'' الذي يمارس النشاط السياسي قبل الثورة بفترة بـ ''محمد ممدوح'' الذي كان متابعا للشأن العام لكنه لم يكن منخرطا فيه بعد، أو ربما مر أحدهما أمام الآخر في ميدان التحرير، عندما انسحبت قوات الشرطة إلى شارع محمد محمود في يوم 28 يناير الذي سُمي بجمعة الغضب.
حتى هذه اللحظة لا تجمع ''فؤاد'' و''ممدوح'' معرفة شخصية، لكنهما يحملان نفس الذكريات عن تلك الأيام، ولا تختلف روايتهما كثيرا حول الأحداث التي وقعت في ذات الفترة، بل تتشابه نبرات الفخر الممزوجة بالسخرية والآسى التي تغلف صوتهما عند الحديث عن الثورة.
لكن بعد ثلاث سنوات من الثورة يختلف الشابان في درجة الرضا عما آلت إليه الأوضاع، مثلهما مثل قطاعات مختلفة من المجتمع المصري، الذي صار يعاني من انقسامات حادة، ولدتها حالة الاستقطاب السياسي التي بدأت مع أول استحقاق سياسي في مارس 2011، بالاستفتاء على تعديلات دستورية كان من المخطط أن يتم إدخالها على دستور 1971، لكنها تحولت إلى إعلان دستوري أدار بموجبه المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرحلة انتقالية تميزت بالاضطراب الأمني والسياسي في البلاد.
تفاؤل حذر
لا يستطيع ''محمد ممدوح'' أن يصنف مشاعره تجاه مجمل الثلاث سنوات الماضية، لكنه اكتفى بقوله أنه يشعر الآن بالراحة بعد التخلص من كابوس حكم جماعة الإخوان المسلمين.
هو لا يريد أن يمعن في التفاؤل، يكفيه ما شعر به من إحباط بسبب مبالغته في التفاؤل في الفترة ما بين اندلاع الثورة وحتى استفتاء التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011.
''رجعنا للمسار الصحيح بعد ضياع 3 سنين من عمرنا''، يقول هذا مقارنا الوضع الحالي بما كان يمكن أن تحققه البلد من تقدم لو لم يتم أخذها في مسار أخرها عن تحقيق الاستقرار وتسبب في سيولة مؤسسات الدولة.
بعد 11 فبراير وجد ''ممدوح'' كثير من الأحداث التي شهدتها شوارع وميادين الثورة التي شارك فيها لإسقاط رموز الفساد في الدولة لا تعبر عنه، ورأى أنها كانت محاولات إما لهدم مؤسسات الدولة، أو محاولات من قوى سياسية بعينها للابتزاز والمساومة للحصول على مكاسب سياسية.
''نزلنا لإسقاط رموز الفساد في مؤسسات الدولة، مش المؤسسات، لكننا اكتشفنا أنه خلال الفترة الانتقالية أن هناك من يعمل من أجل عملية إحلال وتجديد المؤسسات خصوصا الأجهزة الأمنية، تخيل ده لمصلحة مين؟ وتخيل لو سقطت الدولة - حتى وإن كانت ظالمة - هنقدر نبني غيرها امتى؟''.
لكن حالة الراحة التي يشعر بها ''ممدوح'' لا تقارن بحالة الفرح الشديدة التي انتابت قطاع من المصريين خلال الشهور الأخيرة بعد إزاحة جماعة الإخوان المسلمين من صدارة المشهد السياسي، ثم تجلت بصورة أكبر خلال الاستفتاء على الوثيقة الدستورية الجديدة.
وكانت قد شهدت اللجان الانتخابية والشوارع حالة من الاحتفال بالغناء والرقص خلال عملية الاقتراع التي استمرت يومين، وشارك فيها نحو 20 مليون مواطن، صوت أغلبهم بنعم على التعديلات الجديدة، بنسبة 98.1 في المئة.
ويجد ''ممدوح'' في هذا إشارة ايجابية، إذ أنه بعد مقاطعة أغلب قوى الإسلام السياسي ذات الكتلة التصويتية الواسعة، ومقاطعة بعض القوى الثورية، يعتبر هذا إشارة على مشاركة قطاع كبير ممن يطلق عليهم ''حزب الكنبة'' والذين كانوا عازفين عن المشاركة في العمليات الانتخابية السابقة.
"وضع أسوأ"
على الرغم من أن ''مصطفى فؤاد'' يعتبر أن مشاركة قطاعات جديدة في الحياة العامة هي أحدى مكاسب الثورة، إلا أنه يجد في هذه المشاركة الأخيرة دافعا للاكتئاب الذي أصاب العديد من النشطاء الفترة الأخيرة، إذ أن غالبية المصريين كانوا غير مبالين بقضية التغيير قبل الثورة، الأمر الذي كان يضعهم أمام ظلم الدولة فقط، بعكس هذه الأيام التي تعود فيها دولة مبارك مع مشاركة قطاع كبير من الناس في التصويت لصالحها ودعمها، وهو ما يعقد مهمة النشطاء.
ويجد ''فؤاد'' نفسه ضمن باقي النشطاء الذين عزفوا عن المشاركة في الاستفتاء الأخير الذي تم في مناخ لا يسمح إلا لصوت واحد بالمشاركة، يقع تحت عبء نفسي يضعف من قدراته على المشاركة في المرحلة الجديدة بعد مقتل واعتقال العديد من الأصدقاء من تيارات مختلفة منذ بداية الثورة، في نفس الوقت الذي لا يستطيع فيه لوم الشعب على اختياره الأمن مقابل الحرية.
وعدا اهتمام المصريين بالشأن العام ومشاركة قطاع كبير منهم في العملية السياسية لا يجد أن الثورة حققت أيا من أهدافها، وأن النص الدستوري الجديد لا يختلف عما سبقه في ''دسترة'' المحاكمات العسكرية، والتي ضحى الكثير بأعمارهم خلال الثلاث سنوات لمنع إقرارها، وأن النص الجديد - فيما يخص الحريات - لا يزيد عن كونه وعودا انتخابية لا يثق في الوفاء بها من أجهزة كالشرطة التي تقوم بالقمع وانتهاكات حقوق الإنسان، بل يتوقع أن يزداد الأمر سوءا بزيادة الشرخ المجتمعي مع كل استحقاق انتخابي جديد.
''هرم مازلو''
يشعر عدد من المدونين والنشطاء الذين شاركوا في الثورة باليأس في الوصول إلى الناس عقب عملية الاستفتاء الأخيرة، معتبرين أن كل ما حصدوه من دعواتهم خلال الثلاث سنوات الماضية هو التخوين.
ويفسر ''عادل مرعي'' اخصائي طب الأعصاب والطب النفسي حالة الانفصال بين شباب الثورة الذي يشعر بعضهم باليأس والمواطنون البسطاء الذين يبدو عليهم الرضا بنصوص وإجراءات يراها النشطاء ضد الحرية والكرامة، بأن كثير من النشطاء لا يحسبون الأمور بمنطق البسطاء الذين يسعون لتلبية احتياجاتهم الأساسية قبل أي شيء آخر.
ويستند ''مرعي'' إلى هرم الدوافع الذي صاغه عالم النفس الأمريكي ''ابرايم مازلو''، والذي يحدد دوافع الناس في اتخاذ قرارتهم، حيث تقع تلبية الاحتياجات الأساسية (التنفس- الأكل - الشرب - الجنس - النوم - السكن - والاخراج) في قاعدة الهرم، ثم فوقه الشعور بالأمان، ثم الشعور بالانتماء، ثم اكتشاف واحترام الذات، ثم في النهاية وفي قمة الهرم تأتي تعدي الذات (الأخلاقيات والابداع وحل المشكلات).
يصل معدل الفقر في مصر إلى 26.3 في المئة من إجمالي السكان، وفقا لجهاز التعبئة والإحصاء، مما يعني أنهم في قاعدة هرم الدوافع وتحرك قراراتهم الاحتياجات الأساسية.
فيما يقابل حالة الرضى لدى هذه الشريحة بأية إجراءات مع الوعد بتلبية احتياجاتهم الأساسية أو توفير الأمان، حالة من الغضب لدى الشباب الذي لا يجد وسائل للتواصل مع الشريحة الراضية، أو عدم قدرتهم على توصيل أفكارهم لاختلاف الثقافة بين الشريحتين، الأمر الذي يضعهم تحت ضغط نفسي يتحول إلى حالة غضب ثم عنف.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: