أزمة تونس.. السلطة والمعارضة معا تحت الضغوط
تونس - (د ب أ):
يتعين على الفرقاء السياسيين في السلطة والمعارضة بتونس، العمل من أجل التوصل لحلول للأزمة السياسية الخانقة في البلاد في اقرب وقت ممكن، إذا ما أرادوا بالفعل تجنيب البلاد السقوط في مأزق، يعلم الله وحده عواقبه.
ويقود الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أكبر منظمة نقابية في تونس، ويستمد ثقله السياسي في البلاد من دوره التاريخي في معركة التحرير إبان حقبة الاستعمار الفرنسي، مفاوضات في كل الاتجاهات سعيا لإيجاد أرضية تفاهم بين الاسلاميين في الحكم، وباقي أطياف المعارضة.
وأطلق الاتحاد الذي يضم بين صفوفه أكثر من 800 ألف منخرط من العمال، مبادرة سياسية لحل الأزمة لقيت ترحابا وقبولا من أطراف النزاع لكن مع ذلك لا يوجد أي تعهد ملموس وصريح من قبل السلطة يسمح بوضع المبادرة حيز التنفيذ على الفور.
الأمل
وقال الناشط السياسي سفيان الشورابي، من معهد صحافة السلم والحرب البريطاني (مكتب تونس) لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) ''تمسك كل طرف بموقفه، مع رفع سقف المطالب والشروط عاليا، سيزيد من تعميق الأزمة وكل الدلائل تؤكد انه من الصعوبة ايجاد مخرج على مدى القريب''.
وأضاف الشورابي: ''الأمل أن يستمر الاتحاد العام التونسي للشغل في مشاوراته لتقريب المبادرات بين حركة النهضة وجبهة الانقاذ''.
وتتلخص مبادرة الاتحاد في حل الحكومة المؤقتة الحالية وتشكيل حكومة غير متحزبة برئاسة شخصية وطنية مستقلة وتحديد مهام المجلس الوطني التأسيسي في إتمام صياغة الدستور وسن القانون الانتخابي وإتمام تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات لكن في آجال لا تتجاوز 23 أكتوبر.
ويمكن أن تمثل المبادرة في الوقت الحالي موضع التقاء في منتصف الطريق بين السلطة والمعارضة على الرغم من بعض التحفظات بشأنها.
''المجهول''
وقبلت حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم بالمبادرة من حيث المبدأ لكنها ترفض أي شرط مسبق لحل الحكومة قبل الجلوس على طاولة الحوار والتوصل الى توافق حول ملامح حكومة الكفاءات.
وقال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ''القبول بحل الحكومة حالا يعني القفز في الهواء، الطبيعة لا تحتمل الفراغ، من غير المنطقي وضع الدولة أمام المجهول''.
وفي آخر تصريحات للغنوشي ليلة الأحد/الاثنين، تعهد بإتمام النقاشات مع المعارضة خلال شهر بالتوازي مع انهاء اشغال المجلس الوطني التأسيسي ومن ثم تشكيل ''حكومة انتخابات'' تتولى الاشراف على انتخابات نزيهة وديمقراطية مع توفير أكثر الضمانات الممكنة لذلك.
رسائل تطمين
وفي مسعى لبعث رسائل تطمين للمعارضة، أجرى رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض أول من أمس السبت تحويرات في سلك الولاة بعدد من المحافظات في نفس اليوم الذي أعطت فيه جبهة الانقاذ الوطني إشارة انطلاق حملة ''ارحل'' ضد التعيينات القائمة على الولاء الحزبي في مناصب مهمة بالدولة.
وقال العريض إن هذه الحركة هي ''تكريس مبدأ التداول على المسؤولية وبناء ثقافة العمل المؤسساتي واعطاء نفس جديد للعمل''، مضيفا انها تتنزل ضمن ''توفير أكثر ما يمكن من شروط نجاح الانتخابات المقبلة''.
لكن حالة الريبة ما زالت تسيطر على معسكر المعارضة التي تطالب بحل المجلس التأسيسي وكل السلط المنبثقة عنه بما ذلك الحكومة الحالية والشروع فورا في تشكل حكومة وحدة وطنية غير متحزبة برئاسة شخصية وطنية.
وتقول أحزاب معارضة إن موقف حركة النهضة يكتنفه الغموض ولا يخرج عن ''سياق المناورة وربح الوقت'' لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة.
وقالت مية الجريبي الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض ''نحن في حاجة الى تدقيق من حركة النهضة للإعلان الواضح والصريح عن القبول بحكومة انقاذ وطني''.
وأضافت ''القبول بمبادرة الاتحاد يعني القبول باستقالة الحكومة الحالية فورا وتشكيل حكومة كفاءات تترأسها شخصية وطنية''.
ضغوط الشارع
وعموما ليست السلطة وحدها على المحك، فأطياف المعارضة بدورها ليست بمنأى عن ضغوط الشارع الذي ينتظر نتائج عملية من المبادرات المتلاحقة بدءا ''باعتصام الرحيل'' الذي شارف على الشهر امام مقر المجلس التأسيسي بساحة باردو وصولا الى حملة ''ارحل'' و''اسبوع الرحيل''.
والشعور العام في الشارع التونسي لا يرى العبرة بلي الذراع وتأبيد الأزمة مع السلطة بقدر ما يتطلع الى الحسم وضرورة الوصول الى حلول لإنقاذ الاقتصاد المترنح والتصدي للمخاطر الأمنية.
ومع تطور الاحداث في مصر والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي أصبح السؤال الآن هل من الممكن فعلا إزاحة النهضة من الحكم عبر الحملات في الشارع وبمطالب توصف ''بالراديكالية'' لدى الائتلاف الحاكم.
وقال رضا بالحاج الناطق باسم حزب حركة نداء تونس لـ(د. ب. أ) ''لا بد من الوصول الى توافقات. لكن لا يجب أن يكون ذلك على أساس اتفاق مغشوش''.
بدوره، قال محمد جمور العضو في حزب الوطنيين الديمقراطيين: ''مطالبنا ليست متطرفة. لكنها نتيجة توصل اليها أغلبية التونسيين، وهي أن هذه الحكومة فشلت. هي حكومة عاجزة ولا تتوفر فيها الكفاءات''.
وهددت المعارضة قبل يومين في اجتماع شعبي بنقل الاحتجاجات الى ساحة القصبة التي كسبت رمزية في الفترة الأولى بعد ثورة يناير 2011 ، وهي تعد المهد الأول لتشكيل المجلس الوطني التأسيسي والذي تطالب المعارضة اليوم بحله.
وقد تزيد هذه الخطوة من الضغوط على الحكومة المؤقتة في حال لم يتم التوصل الى حلول قبل موعد 31 أغسطس الجاري التاريخ المعلن لهذا التحرك.
وقال ناجي جلول الباحث الجامعي والمحلل السياسي لـ (د.ب.أ): ''وضع حركة النهضة شبيه برقصة الديك المذبوح. الحزب خسر أخلاقيا وسياسيا. لم يبق له الآن سوى العنف''.
وعلى الرغم من تعقد الأزمة السياسية فهناك اتفاق واحد على الأقل بين السلطة والمعارضة وهو عدم استنساخ التجربة المصرية في تونس.
الحياد
وترى أحزاب أخرى أن الحل قد يكمن في تحييد الجهة المخولة بإدارة الأزمة نفسها بدل الاتحاد العام التونسي للشغل.
وقال الهاشمي الحامدي رئيس تيار المحبة المقيم في لندن إن ''بعض قادة الاتحاد العام التونسي للشغل يتصرفون وكأنهم هيئة دستورية منتخبة لإدارة شؤون البلاد وهناك ميل واضح منهم لليسار''.
وأضاف: ''لا يحق لأي حزب أو جهة أو نقابة المساومة على حق الشعب التونسي في اختيار حكامه. مصلحة تونس في الاحتكام للشعب''.
وهناك مقترح تقدم به التيار يتعلق بإنشاء مجلس حكماء يتركب من شخصيات وطنية يعهد له باقتراح خارطة طريق لإنقاذ البلاد وتكون قراراته ملزمة للجميع.
وتتردد أسماء مثل مصطفى الفيلالي وأحمد المستيري وأحمد بن صالح وهي شخصيات وطنية مخضرمة تعود الى الحكم البورقيبي وكان لها اسهام في بناء دولة الاستقلال.
فيديو قد يعجبك: