خالد داود يكتب ..ما جرى في الكواليس في تجربتي مع خميس
بقلم - خالد داود:
على مدى الشهور الماضية، يتصل بي زميل من صحيفة الأهرام يعمل معدا للبرامج في القناة الإخوانية مصر 25 لمطالبتي بالمشاركة في أحد البرامج الحوارية للقناة، التي ظهرت بعد شهور قليلة من الثورة بدعم من قناة الجزيرة القطرية. وبصفتي شخص يحاول ادعاء الموضوعية، أقوم أحيانا، ولفترات قصيرة، بمشاهدة القناة التي اعتبر المرشد العام للجماعة الحاكمة محمد بديع أنها الأكثر مصداقية في تغطية الأحداث، وذلك بدعوى الاطلاع على ما يقوله "الجانب الآخر." وللأسف، لم أكن أجد سوى قناة دعائية من الطراز الأول، من نفس نمط مدرسة الوزير المخلوع صفوت الشريف، وزملاؤه المخلوعون في العراق وليبيا وتونس، مع رداءة في الانتاج.
ولذلك كنت أتردد كثيرا في قبول الدعوة، وتمكنت من التملص من تلبيتها بحجج عدة. لم أكن أريد المشاركة في جلسة يغلب عليها الصراخ والعراك، استمع فيها لاتهامات مرسلة من قبل ممثلين للجماعة التي منحت نفسها صفة الربانية، أو ملاحقتي باسئلة هدفها الأساسي دفعي للانفعال وربما مغادرة البرنامج من أساسه. ولكن الدعوة جاءت هذه المرة للمشاركة في البرنامج الذي يقدمه النجم الأول في البرامج الحوارية لتلك القناة، السيد نورالدين عبد الحافظ، والشهير بخميس، كما أسماه المبدع باسم يوسف.
ورغم اعتراض بعض اصدقائي المقربين بشدة على ذهابي، وتصويرهم للأمر وكأنني على وشك المشاركة في جلسة مفاوضات مع ممثلي الأعداء، فلقد رأيت أن القبول بالدعوة قد يكون مفيدا مع اقتراب موعد الحسم في 30 يونيو لاستعادة الثورة المختطفة. و ورأيت في مشاركتي فرصة لكي أبلغ رسالة مشاهدي القناة من أنصار الجماعة أن مطالبة ملايين الشعب المصري بانتخابات رئاسية مبكرة وتعاطفهم مع حركة "تمرد" الشبابية، لا تعني حرمانهم من الحياة السياسية أو عودتهم للسجون، وأننا سنبقى نعيش سويا كمصريين متساويين في الحقوق والواجبات.
وأردت التأكيد أن التصميم على تحقيق أهداف هذه الموجه الجديدة من الثورة، هو تعبير صادق عن شعور جارف لدى غالبية المصريين من غير أنصار الإخوان بأن الجماعة فشلت فشلا ذريعا في إدارة شئون البلاد منذ أن تمكنوا من إيصال ممثلهم محمد مرسي إلى قصر الرئاسة، لدرجة أننا نقترب من حد الإنهيار اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، وأنهم تراجعوا تماما عن وعودهم بالسعي لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وركزوا فقط على تمكين الجماعة ومصالحها والسيطرة على مؤسسات الدولة.
لا استطيع أن اصف السيد نور الدين (خميس) بأنه "زميل" صحفي، وذلك لأنه قال لي أنه مهندس ومحام، ما شاء الله، وأنه "مسلم أولا وقبل شئ." هذه الجملة قالها لي بمصاحبة ابتسامة ماكرة ونظرة تهكم من تحت نظارته فور أن تصافحنا، وكأن العبدلله بحكم مساهمتي مع جبهة الانقاذ كمتحدث إعلامي، لا ينتمي للمسلمين. عندما شاهدت السيد نور الشهير بخميس على شاشة قناة الإخوان للمرة الأولى، اعتقدت بصدق أن هذه هي المحاولة الإخوانية لإخراج برنامج كوميدي شبيه بما تقدمه قنوات فضائية أخرى. ولكنه تبين لي أنه حقيقة، وليس كوميديا، وأن ما يقدمه هذا الرجل هو حلقة يومية دسمة تمتد لساعات تتضمن كل أنواع التحريض والتلفيق والسعي لبث الكراهية وترسيخ الإنقسام الخطير بين المصريين ما بين "مؤمنين" و "كفار"، والذي تعمق منذ أن تولى مكتب إرشاد الإخوان إدارة شئون البلاد.
وكان هذا سريعا التوجه العام للحوار مع خميس، والذي ظن أنه سيحاصرني بسلسلة من التصريحات والفيديوهات لشخصيات عامة بعضها مرتبط بجبهة الانقاذ لكي يثبت من خلالها أننا مجموعة من العلمانيين الكفار الملاحدة المعادين لما يسمونه "المشروع الإسلامي،" بينما هو في الواقع مشروع سياسي إخواني فقط يستغلون فيه الدين لخدمة مصالحهم، بجانب الاتهامات المعتادة بالارتباط بالفلول والانتفاع المادي من النظام السابق.
وسط الحوار الساخن، أصر خميس على أن "قادة جبهة الانقاذ ضد الدين والشريعة." وعندما سألته عن الدليل قال أنه يمتلك فيديو للمخرج الشهير خالد يوسف القريب من التيار الشعبي الذي يقوده حمدين صباحي يقول فيه هذه الجملة علنا وصراحة: "أنا ضد الدين." مجرد توجيه هذه التهمة بحق معارضي الإخوان دليل فاضح على مدى قيامهم بإستغلال الدين والمتاجرة به وكأنهم لديهم صك لم يطلع عليه أحد من الله سبحنه وتعالى يقوم بمتقضاه بتوزيع شهادات الكفر والإيمان على البشر. ولكنني شعرت أنه جاءتني هدية من السماء لكي يتورط خميس مجددا في فضيحة جديدة تؤكد أنه يستحق بالفعل هذا اللقب. كنت على يقين أنه من المستحيل أن تقول أي شخصية سياسية عامة في مصر مثل هذا الكلام الهزلي، وأنه لا يوجد مثل هذا التسجيل.
ولكن خميس أصر وألح، وقال لمعديه، :"نخرج فاصل ونجيب فيديو خالد يوسف." أدخل خميس نفسه في حيص بيص، وكشف الله الزور والبهتان في قلب القناة التي تدعي زورا أنها لديها توكيل الحديث بإسمه. الفيديو غير موجود طبعا. وانتفض سيادته من على كرسيه بعد أن أخبره المخرج بهذه الحقيقة، وقال "مستحيل نرجع من غير الفيديو، نلغي الحلقة أحسن." وامتد الفاصل نحو 15 دقيقة، وتصبب الرجل المسكين عرقا، وخرجنا من الاستديو في انتظار الفيديو. وعندما عدنا، صممت طبعا على مشاهدة فيديو خالد يوسف وهو يقول "انا ضد الدين." ورد خميس، "حنجيبهولك وحنجيب فيديو حسين عبدالغني وحاجات تانية بتتهموا فيها الإسلام بالفاشية."
لم يأت خميس بأي شئ بالطبع، وكان خالد يوسف يتحدث في قضايا لا يمكن تفسيرها مطلقا بمعاداة الدين أو الشريعة. ورغم المحاولات الحثيثة لخميس من أجل اساءة تفسير الكلمات والقول أنها تؤكد معاداة معارضي الرئيس مرسي للدين، فلقد تبين لجميع المشاهدين كيف أن هذه القناة ليست لها أي صلة بأية معايير مهنية، وأنها تقوم فقط على الدعاية والتحريض وتشويه المعارضين.
ليس هذا هو الإعلام الذي قامت من أجله الثورة أو الذي كان يتطلع له المصريون بعد عقود من التزييف في الصحف ومحطات التلفزيون الرسمية، والأسوأ أنه يأتي من قبل جماعة تدعي الحديث بإسم الدين الذي يعد الصدق والأمانة من أهم أركانه. وقع خميس في شر أعماله مجددا، وتيقنت لماذا قمت شخصيا بالتوقيع على استمارة "تمرد" وتصميمي مع ملايين المصريين على التمسك بإجراء انتخابات سلمية مبكرة للخلاص من كل هذا الكذب الإخواني
فيديو قد يعجبك: