إعلان

بـ''القوة الناعمة''.. إثيوبيا تتقدم على مصر في سباق النيل

02:26 م الخميس 13 يونيو 2013

أديس أبابا – (الأناضول)

''القوة الناعمة''.. هي السلاح الأبرز الذي اشتهرت به مصر في محيطها العربي والإفريقي خلال العقود الماضية، وهي ذات السلاح الذي التقطته إثيوبيا منذ سنوات قليلة لتوسيع نفوذها في محيطها الإفريقي، وهو ما تجلى مؤخرا في تصميمها على المضي قدما في بناء سد النهضة على مجرى نهر النيل رغم الرفض المصري.

فقد شهدت فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تسابقا متبادلا بين مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومحيطها الإفريقي لدعم العلاقات وتبادل المنافع، بعد أن يممت مصر وجهها شطر إفريقيا، وخاصة دول حوض النيل ودول القرن الإفريقي، بما لديها من قوة ناعمة تجسدت في مواردها البشرية والثقافية والدينية وخبراتها التنموية وثقلها الدولي، وهو ما تلقته تلك الدول ببذل دعمها السياسي للقضايا والمصالح المصرية، خاصة في المحافل الدولية.

ودول حوض النيل هي الدول التي تشترك في نهر النيل، سواء كدول منبع أو دول مصب، وهي: ''مصر، السودان، جنوب السودان، إثيوبيا، رواندا، بوروندي، كينيا، تنزانيا، وأوغندا، الكونغو''.

أما دول القرن الأفريقي الواقعة شرق الصومال فهي: ''إثيوبيا، الصومال، جيبوتي، كينيا، السودان، جنوب السودان، أوغندا''.

وبدأ تراجع مصر عن محيطها الإفريقي مع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات  (1970-1981) الذي انشغل بتحرير شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، وبتقوية علاقات مصر مع الغرب، وهذا العامل الأخير كان دافعا لتوتير العلاقات بشكل خاص مع نظام منجستو هايلاميريام في إثيوبيا؛ حيث اعتبر أن تحالف مصر مع الولايات المتحدة يشكل حربا ضد الشيوعية التي يتبناها.

وباتت العلاقات أقرب للخصومة، بعد أن اتهمت إثيوبيا مصر في ذلك الوقت بدعم خصومها، مثل إرتيريا والسودان، ضدها، ففقدت مصر أحد أبرز أذرع قوتها الناعمة وهي الكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا، والتي انفصلت عن الكنيسة المصرية بعد أن كانت جزءا لا يتجزأ منها منذ دخول المسيحية إلى إثيوبيا.

وبات هذا التراجع سياسة ثابتة في نظام الرئيس السابق حسني مبارك (1981-2011) خاصة بعد أن تعرض الأخير لمحاولة اغتيال في أديس أبابا عام 1995، والتي أثرت على علاقته بكل من إثيوبيا والسودان؛ حيث اتهم الأخير بدعم تلك المحاولة.

ومنذ ذلك التاريخ والأصوات المصرية الخبيرة في الشؤون المائية والسياسية لم تكف عن مطالبة نظام مبارك بالعودة إلى إفريقيا ودعم العلاقات بينها، إضافة إلى شكاوى تخرج من مسؤولين أفارقة عما وصفوه بـ ''تعالي'' النظام المصري في التعامل معهم، غير أن كل ذلك لم يجد آذانا صاغية.

وفي ظل هذا التراجع الذي حلَّ على السياسة المصرية خلال نحو 40 عاما، كانت إثيوبيا تتقدم وتملأ الفراغ وتحصد الثمار، وذلك عبر الأدوار التي باتت تمارسها بحرية في المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالسودان والصومال ودول حوض النيل وجنوب السودان.

وتركزت القوى الناعمة الإثيوبية في تحكمها في 85% من المياه المتدفقة على نهر النيل، وتغيير سياستها من الصدام مع دول الجوار، خاصة في شرق إفريقيا، والقوى الدولية الكبرى إلى سياسة التصالح والمصالح المتبادلة، وتوجهها إلى رأب الصدع الداخلي وتحقيق المصالحة الوطنية.

فمع سقوط نظام منجستو ''الصدامي'' في إثيوبيا وتسلم ملس زيناوي منصب رئاسة الوزراء عام 1991 بدأت إثيوبيا في تسلم راية القوة الناعمة في شرق إفريقيا وحوض النيل، وتغيرت الصورة، فمن علاقات بين إثيوبيا وجيرانها هي عبارة عن دائرة حرب مشتعلة، الجميع متحالف فيها ضد إثيوبيا، إلى ساحة علاقات ودية متبادلة ومساعي للتهدئة، تقدم فيها إثيوبيا الدعم العسكري والسياسي لحكومات تلك الدول ضد المتمردين فيها.

ففي السودان لم يتحمل الأخير تبعات استمرار المواجهة العسكرية غير المباشرة مع إثيوبيا عبر دعم كل منهما للمتمردين في البلدين لعدة عقود، خاصة بعد أن انتهت تلك المواجهة إلى نجاح المتمردين السودانيين في فصل الجنوب عن الشمال، وهو ما استغلته إثيوبيا في إقناع السودان بتحسين العلاقات وتبادل المنافع؛ حيث رأت في السودان حليفا إستراتيجيا غنيا بالبترول، ، وقدمت له إغراءات منها الحصول على الكهرباء الناجمة عن سد النهضة.

وبدا هذا واضحا في انفصال الخط السوداني عن الخط المصري الرافض لإقامة سد النهضة ولاتفاقية عنتيبي؛ حيث قال وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، بعد تفجر أزمة سد النهضة إن السد ''سيعود بالخير على السودان'' فيما يخص ضمان استمرار تدفق مياه النهر وزيادة المساحة الزراعية، ومشددا على أن تميز العلاقات بين بلاده وبين إثيوبيا.

وفيما يخص جنوب السودان، يرى البلدان أن بينهما مصالح مشتركة قوية تتمثل في نفط جنوب السودان الذي ترغب فيه إثيوبيا، أما مياه هضبة الحبشة والكهرباء المتولد منها بأسعار رخيصة فيرغب فيها جنوب السودان الوليد لدعم مشاريعه التنموية المقبلة؛ ولذا أعلن عدد من مسؤولي جنوب السودان مؤخرا اتجاههم للتوقيع على اتفاقية ''عنتيبي'' الإطارية التي ترعاها إثيوبيا، وتهدف إلى إعادة تقسيم حصص مياه النيل، وهي الاتفاقية التي ترفضها مصر بشكلها الحالي.

وفي علاقتها بدول حوض النيل، بدا واضحا قوة العلاقات الإثيوبية مع معظم تلك الدول في موافقة 5 دول، هي: ''كينيا وأوغندا وبوروندي وتنزانيا ورواندا''، بالإضافة لإثيوبيا نفسها، على اتفاقية عنتيبي عام 2011، مع تصريح مسؤولين من جنوب السودان بالموافقة المبدئية على التوقيع، وذلك دون التفات للرفض المصري، وهو ما يجعل هذه الدول تشكل أغلبية أمام مصر..

وفي الصومال تبدلت العلاقات بين إثيوبيا والسلطات الصومالية من حرب مباشرة متبادلة إلى تحالف ثنائي ضد الحركات الصومالية المتمردة،  حتى أن إثيوبيا أرسلت قوات تعاون مقديشو في حربها ضد تلك الحركات.

وعلى الساحة الدولية، أصبحت إثيوبيا في عهد زيناوي دولة محورية، ومثلت إفريقيا في المحافل الدولية، وخاصة في مجموعة الـ 8، ومجموعة الـ 20 الكبرى، وذلك لكونها مقرا للاتحاد الأفريقي، كما حسنت من علاقاتها مع الغرب، إضافة إلى تحسين علاقاتها أيضا بالدول العربية، باستثناء مصر وليبيا في عهد الرئيس السابق  معمر القذافي.

وفي ضوء ما سبق من معطيات يمكن القول بأن مواجهة مصر المرتقبة مع إثيوبيا حول سد الهضة في المحافل القارية والدولية ستكون صعبة بالنسبة للقاهرة، ويبقى الحوار والتفاوض هو الخيار الأسلم لحماية مصالح البلدين، خاصة وأن مصر الآن في أوضاع سياسية داخلية متصدعة وحالة اقتصادية متدهورة لن تمكنها من بث الهيبة في نفس إثيوبيا حين تلوح باستخدام الخيار العسكري.

كما أن الأوضاع المصرية الحالية تجعل من دعوات أو حتى تهديدات بعض القوى السياسية المصرية بدعم المتمردين في إثيوبيا ضد حكومة أديس أبابا ضربا من الخيال خاصة مع وقوع إريتريا - التي تستضيف بعض حركات التمرد الإثيوبية- تحت وطأة أزمات داخلية متعددة وعزلة إقليمية.

يضاف إلى ذلك اتجاه إثيوبيا إلى المصالحة مع المتمردين، حيث نجحت بالفعل، الأسبوع الماضي، في التوصل لاتفاق سلام مع حركة ''حركة تحرير بني شنقول جمز'' التي تتركز في إقليم يحمل نفس الاسم، وهو الإقليم الذي يقام فيه سد النهضة؛ ما يعني أن إثيوبيا تسعى لرأب الصدع في جبهتها الداخلية في الوقت الذي تتزايد فيه الفجوة بين الحكم ومعارضيه في مصر.

وأعلنت إثيوبيا الشهر الماضي، بشكل مفاجئ، بدء تحويلها مجرى نهر النيل الأزرق (أحد روافد نهر النيل)؛ تمهيدا لبناء سد النهضة لتوليد الكهرباء، وهي الخطوة التي تسببت في غضب شعبي واسع في مصر وتحفظ رسمي، خشية تأثيره على حصة مصر من المياه.

وتنوعت ردود فعل المسؤولين المصريين ما بين التهدئة والتأني إلى التلويح بالخيار العسكري، غير أن إثيوبيا؛ استشعارا لقوتها الناعمة الإقليمية، واجهت هذه الردود بإعلان إصرارها على الاستمرار في بناء السد، وقولها في بيان لوزارة خارجيتها بأن المطالب المصرية بوقف بناء السد ''عفا عليها الدهر ولا مكانة لها في القرن الـ 21''، وإثيوبيا ''ترفض وقف العمل في بناء مشروع سد نهضة إثيوبيا ولو لثانية واحدة''.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان