مصراوي يرصد التفاصيل الكاملة لمقتل شاب الأميرية على يد ضابط شرطة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب - محمد منصور:
المشهد يبدو طبيعياً، السيارات تمشى فى هدوء - رغم الزحام- بشارع المصانع؛ أحد شوارع منطقة الأميرية، شاب يجلس بجانب رجل أربعيني العمر داخل سيارة نصف نقل، صوت مغنى شعبي في الخلفية، ينظر السائق إلى الشاب للحظة خاطفة، تصطدم فيها سيارته بسيارة ''ملاكي'' ماركة ''رينو''، يضغط على دواسة الفرامل للتوقف سيارته في عنف، يهبط من السيارة الأخرى شاب في مقتبل عمره، لا يميزه عن بقية الشباب سوى ''بدلة ميري'' مُرصعة بـ''نجمتين'' عند الكتف، بخطوات عسكرية صارمة، يتوجه ضابط الشرطة نحو السائق، سُباب بذئ ينطلق من فم مرتدى الزى الميري، ينزل شاب أخر فى مقتبل عمره من السيارة ليمنع الضابط من التعدي على السائق، ''اللي أنت عايزه هتاخده'' يقول ''عبد الرحمن''.
لحظات، وبحسب محمد سمير أحد شهود العيان، وجاءت العائلة بأكملها، الأب ''طارق محمود عامر'' أحد أكبر ''تجار الخضروات'' بسوق الأميرية، والعم ''حسن''، شريك الأب في تجارته، يضع يديه على كتف الضابط الذى يمسك ''أبن أخيه'' من رقبته، يحاول استدراك الأمر ''سيب الواد ولو عايز عربية أحنا نجيبلك تلاته'' يرفض الضابط ''لازم تيجوا على القسم''.
يتجمهر الأهالي حول الحدث، مسدس ميري من عيار 9 مليمترات يخرج من غمده ''مش هتاخدوا الواد غير جثة'' يهدد الضابط، الغضب يتصاعد، في الوقت الذى يسحب فيه الضابط ''أجزاء المسدس''، الطلقة تتحرك من مستودعها إلى ''ماسورة'' المسدس، يسمع رنينها الجميع بينما يستمر الضابط في تهديده، حسب شهود العيان.
يضع يديه على ''الزناد''، يسحبه للخلف، تدوى صوت الطلقة الأولى في الفضاء، تتبعها الثانية فالثالثة، الرابعة وجدت مقصدها، تدخل إلى عُنق الشاب ذو السبعة عشر ربيعا، تتصاعد الصرخات، يسقط الشاب أرضاً مضرجاً بالدماء، تتشنج قدماه، يجاهد لالتقاط الأنفاس، ثم ينتفض انتفاضة الأخيرة لتصعد الروح إلى بارئها في لحظات.
''البقاء لله''
الوالد يتمسك بالأمل، فلم يكن يستطيع أن يُصدق أن ولده رحل بغير عودة، يحمله إلى المستشفى القريب، يصرخ في طاقم الاستقبال، نظرة يلقيها طبيب على الشاب لتخرج بعدها الكلمة ''البقاء لله'' ينهار الأب، يخرج من المستشفى متجها إلى مكان الواقعة، الضابط في يد الأهالي يسومونه سوء العذاب، يتقدم ببطء، يُخلص الضابط من أيديهم ''هاخد حقي بالقانون''، يضعه في السيارة، ويقطع أمتار لا تتعدى الخمسمائة، وصولاُ إلى البيت في الوقت الذى تجمهر فيه الأهالي حول سيارته محاولين القضاء على الضابط، الفاقد الوعى بشكل كامل، قبل وصول النجدة، يُبلغ الأب الشرطة، التي أتت على وجه السرعة، ''يستلمون'' ضابطهم، ويتجه الآب والعم معهم إلى ''قسم الأميرية'' لتحرير محضر بالواقعة.
''أحنا تُجار كبار وكنا نقدر نعمله قسم بحاله، مش نجيبله حتة عربية''، يقول حسن محمود عنتر، عم القتيل، الذي يؤكد أن ''عبد الرحمن الله يرحمه'' كان طالباً مجتهداً في الصف الثالث الثانوي.
يقول ''مكنش ليه في أي حاجة، الظاهر أن ربنا أختاره شهيد''، مشيراً أن يعتبر ما حدث ''كابوس وهنفوق منه'' فالأمر لم يكن يستدعي ''القتل''، على حد قوله، فـ''العربية محصلش فيها حاجة، الشنطة اتطبقت وبسببها ابن أخويا راح''.
أمام بوابة مستشفى الزيتون التخصصي، وقفت مجموعة من النسوة المتشحات بالسواد، حول سيدة ثلاثينية حافية القدمين ترتدي زياً ملوناً، فقد غادرت المنزل على عجل فور سماعها قصة ''إصابة ابنها''، أتت إلى المستشفى لتقابل عم الشاب على الباب، نظر إليها لحظة واحدة وضع بعدها عيناه بين قدميه.
''ابني حصلوه أيه، أتعور جامد؟'' تسأله؛ فجاء الرد ''تعيشي أنتِ''، تدوي الصرخة في أرجاء المستشفى وتردد أصدائها في المنطقة المحيطة، تسقط الأم مغشيا عليها، ممرضات يهرولن، يجلسونها على كرسي مطاطي، تحضر نسوة من أهالي مرضى المستشفى لتقديم العزاء ومواساة الأم المكلومة، تمر دقائق، تزدحم المستشفى بأقارب القتيل، يعم السواد المبنى، وينتشر الحزن في أرجاء المكان.
''مستحيل يكون ده حصل''، بصوت مبحوح من كثرة الصراخ والعويل تقول ''عمة'' القتيل، والتي توجهت إلى قسم شرطة الأميرية فور سماعها الخبر ''أحنا مش إرهابيين ولا جايين نتجمهر، أحنا عايزين حق ابن أخويا'' تردد السيدة وهى تواجه مأمور القسم، والذي ترتسم على وجهه ملامح القلق نتيجة للجموع الموجودة أمام القسم.
''والله النيابة هتجيب حقكم''، يقول المأمور، لحظات ويدخل ضابط برتبة لواء، يسأله مصراوي عن حقيقة الواقعة فيرفض الإدلاء بأي تصريح مستكفياً بعبارة ''النيابة جاية''.
المنزل رقم 86
مبنى أصفر اللون، مكون من أربعة طوابق، يحمل رقم 86، هنا كان يعيش ''عبد الرحمن''، مازالت رائحة المدخل تحمل عبقه، فلم يمض على رحيله سوى ساعات، أصدقاء الطفولة التي ولت بدون رجعة يتذكرون أمسهم القريب، أحمد، صديق الشاب الأقرب، تفيض عيناه بالدمع ''كنت لسه قاعد معاه النهاردة الصبح''، يتحدث عن رفيقه الذى خطفته ''رصاصة الغدر'' ، حسب أحمد، الذى يقول ''أنا خسرت أهم صاحب ليّ، ربنا يرحمه، ويارب يعدموا الضابط المجرم اللي قتله''.
سيارة بيضاء اللون وبدون لوحات معدنية، تقف تحت ''تنده'' القسم الداخلية، بجانبها يقف ''عسكري'' يحمل سلاحاً آليا، تحمل أثار حادثة ''هي دي عربية الباشا'' يقول وليد رجب موسى، أحد شهود العيان على الواقعة، والذي يؤكد أن السيارة أثناء الحادثة ''مكنش فيها لوحة أرقام''، ينظر الرجل إلى ''الخبطة'' ويتحسر ''بسبب شنطة العربية وقع عبد الرحمن قتيل وخسر الضابط مستقبله''.
يتذكر الرجل الثلاثيني اللحظات الفاصلة ''لما الضابط طلع مسدسه كانت ايده بتترعش، ضغط على الزناد رغم أن الحج طارق كان بيحاول يهديه، معرفش ازاي جاله قلب يقتل شاب زيه''.
شاهد عيان أخر يؤكد أن السيارة ''ملك مأمور قسم الأميرية مش بتاعت الضابط''، مشيراً إلى أنه، بحكم جيرته للقسم، يرى السيارة كل يوم تدخل وتخرج من مبنى القسم.
''الداخلية هيّ هيّ''
''الضابط مش من هنا، ده من قسم الحدائق'' يقول المأمور مخاطباً أهالي القتيل في محاولة لتهدئتهم، إلا أن غضبهم يتأجج غضبا على غضب ''الداخلية هيّ هيّ'' يهتفون في ثورة. الجموع تزداد أمام القسم، ويبدأ الأهالي في قطع الطريق، طلقة ''خرطوش'' تدوي، فقد قرر أحدهم ''مجاملة'' العائلة الكبيرة.
صمت يُغلف المكان بعد صوت الطلقة المفزع، قوة القسم تدخل إلى ساحته مغلقة الأبواب، العم يخرج ويهدئ الجميع ليتبعه ضابط المباحث الذى وقف بين الأهالي وهتف قائلاً ''الضابط مات ياجماعة.. اهدوا بقى''.
نحو السابعة، بدأت التعزيزات في الوصول، سيارات ''مُدرعة'' وأخرى تحمل عساكر الأمن المركزي، أهالي منطقة الأميرية يقطعون الطريق ويشعلون إطارين للسيارات، تصل ثلاث سيارات إسعاف، تدخل واحدة إلى ساحة القسم، تسود إشاعات ''هينقلوا الضابط فيها''، لحظات ويبدأ تبادل لإطلاق النار، دفعات من المدافع الرشاشة تتبادل بين الأهالي والشرطة، تخرج عربة الإسعاف في حراسة مدرعتين، تشق طريقها وسط الجموع بسرعة، لتتجه إلى مكان غير معلوم.
''ضحكوا علينا'' يقول محمود كامل إبراهيم، أحد جيران شاب الأميرية القتيل، والذى يؤكد استحالة موت الضابط ''هو اتضرب آه، بس مش لدرجة الموت''، يشير ''محمود'' إلى رغبة الأهالي في الفتك بالضابط، إلا أن العم ''منعهم''، مؤكداً أن عائلة ''عنتر'' كانت تحمي القسم عندما يتم الاعتداء عليه ''لما كان يحصل قلق رئيس المباحث كان بيتصل بيهم، لكن آخرة خدمة الغُز علقة''.
أحد المتواجدين، رفض ذكر اسمه لمصراوي، يمسك بيده اليمنى ''كارنية الضابط'' في الوقت الذى تلوح فيها يسراه ''ببطاقته'' قائلا ''أحنا خدنا الكارنية والبطاقة بتاعته عشان نقدمها للنيابة، الداخلية ممكن تتستر عليه''، يتخوف الرجل من ''تلبيس'' تهمة للقتيل فـ''الشرطة بتحمي رجالتها''، على حد قوله، وربما تتهم الشرطة عبد الرحمن بكونه ''إخواني'' أو ''تاجر مخدرات''، ويؤكد الرجل أن ''طبنجة'' الضابط في حوزة ''واحد مننا''، مشيراً إلى أنهم يحتفظون بتلك الأغراض ''لتسليمها للنيابة عشان الداخلية ممكن تلعب فيها''.
دقت العاشرة، شباب بأعداد قليلة حول قسم الأميرية، يهتف أحدهم ''الداخلية بلطجية''، يُكرر الهتاف، تخرج مجموعة مكون من عدة أفراد من مباحث القسم، يتفرق الشباب، يرفع أحدهم السلاح ويُسرع خلف ''الهتيف''، يمسكه من رقبته، يُساعده أخر ويلف ساعده حول رقبة الشاب ''تعال معانا'' يصطحبونه بحزم لا يخلو من قسوة إلى داخل القسم، بصوت جهور يهتف احدهم ''كله يمشى من هنا''، الأعداد القليلة شجعت رجل الشرطة المتمترسين حول القسم على الصياح، حسب أحد الواقفين أمام القسم، والذى يؤكد أن الرجل ''مكنش يجرؤ يقول كده من ساعة واحدة''، ينفض الجمع، وتهدأ الأجواء.
''هنا يرقد عبد الرحمن بسلام''، فالمكان مشرحة مستشفى الزيتون التخصصي الواقعة ببدروم المستشفى والتي تحتضن اليوم جثة وحيدة، يقف أحد أقارب القتيل على بابها المُغلق برتاج ثقيل، يفتح القفل لمن يريد أن يلقي نظرة الوداع على الشاب المغدور، داخل أحد أدراج الثلاجة والتي تقع في أقصى يمين الغرفة المربعة تتسجى الجثة، يفتح القريب الدرج لقريب أخر، اقتراب، قبلة على الجبين، دعاء بالرحمة، دموع ثم وداع.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة..للاشتراك... اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: