حمزاوي: على الإسلاميين تحديد موقفهم من الحريات الشخصية
كتب - سامي مجدي:
كنت قد اتفقت معه على أن نبدأ سلسة حوارات يحكي فيها عن تجربته مع أول برلمان منتخب انتخاب حر، بعد ثورة أذهلت العالم أجمع، إلا أن الأحداث الجارية والمستجدات على الساحة السياسية، وبخاصة الحادث المأسوي الأخير الذي لم تقتصر تداعياته على منطقة حدوثه فقط، بل تعتدها إلى كافة أرجاء الوطن، وربما تخطت هذه التداعيات الحدود الجغرافية لتطرح تساؤلات عدة حول مدى التزام تيارات الإسلام السياسي بكافة أشكالها بالديمقراطية والحريات العامة والشخصية.
الحادث الذي لم تنته فيه تحريات الشرطة ولا تحقيقات النيابة العامة بعد، هو مقتل شاب في مقتبل العمر يدرس الهندسة، من محافظة السويس، على أيدي ثلاثة ملتحين، وفقًا لما أكدته خطيبته التي كانت بصحبته وقت وقوع تلك الجريمة النكراء، في شهادتها أمام النيابة.
شاب السويس
في البداية سألته عن مدى تأثير تلك الأحداث على المشهد السياسي، وهل تزيد من مخاوف الأقليات، وبخاصة المسيحيين، من صعود تيارات الإسلام السياسي لسدة الحكم، فرد الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس الشعب المنحل، بالقول إنه بعيدًا عن تحقيقات النيابة العامة المنوطة بكشف ملابسات الحادث وأحكام القضاء، فإن هذا يمثل ''بدايات هجمة على الحريات والحقوق الشخصية للمواطنين''.وأوضح حمزاوي أن هذه الاعتداءات لا تحدث إلا على من يبدو - في نظر البعض - أنه يسلك سلوكًا مخالفًا للقيم الدينية أو للأعراف المجتمعية، مؤكدًا أن كل هذه الأمور غير مقبولة، وتعني أيضًا - في نظر حمزاوي - أن البعض في المجتمع يرغب في التحول إلى حكم ومنفذ للأحكام دون أي شرعية، وفرض نمط واحد من الفعل على المساحة الشخصية والعامة، دون النظر إلى التنوع والتعدد الذي هو دومًا سمة من سمات المجتمع المصري.
شيء آخر تحدث عنه الدكتور عمرو حمزاوي، وهو أن هؤلاء الذين يرتكبون هذه الاعتداءات يفعلونها باسم الدين، وهو زور وبهتان، مؤكدًا على ضرورة مواجهة الأمر بصورة حقيقة، موضحًا: ''فالدفاع عن الحرية الشخصية هو خط الدفاع الأول عن الحريات العامة''، وأشار إلى أن المجتمع لو تنازل عن حرية النساء والحريات الشخصية سيتنازل عن الحريات العامة فيما بعد، على حد قوله.
''جرس إنذار''
وأكد حمزاوي على أن هذه الحادثة لابد أن تكون ''جرس إنذار'' للأحزاب السياسية المدنية والمجتمع المدني من أجل الدفاع عن الحريات الشخصية والعامة بصورة واضحة، لافتًا إلى ضرورة تنظيم وقفات وتظاهرات احتجاجية سلمية، والعمل على الأرض لـ ''مواجهة هذا الانتقاض من الحريات الشخصية''.أما التيارات الإسلامية ومؤسسة الرئاسة التي ينتمي رئيسها إلى جماعة الإخوان المسلمين، فطالبها حمزاوي بالتحدث بالصراحة وتوضيح موقفها من الحريات الشخصية والعامة، ''فاللبس هنا غير مقبول''.
يؤمن الدكتور عمرو حمزاوي أن عملية التحول الديمقراطي في مصر تحتاج إلى مشاركة أوسع من قبل الناخبين المصريين، ويؤمن أيضًا أن ذلك لن يكون إلا بنشاط الأحزاب السياسية.
وفي هذا الصدد يقول: ''بالنظر إلى أن نسبة المشاركة تراوحت في حدود 50 بالمئة في الانتخابات الرئاسية وقبلها البرلمانية، بما يعني أن نصف الهيئة الناخبة لا يشارك في الانتخابات، وأنا مؤمن أن عملية التحول تحتاج إلى استدعاء النصف الذي لا يشارك، ورهاني في ذلك على أن الممارسة تجتذب أعدادًا أكبر، وكلما كان أداء السياسي إيجابيًا كلما تشجع الناس على المشاركة في العملية الانتخابية''.
وعن سبب ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية عنها في البرلمانية، رأى الدكتور عمرو أن مجلس الشعب قبل حله لم يكن على مستوى توقعات الناس وأدائه كان غير منضبط، مما يزيد من شكوك المواطن في قدرة المؤسسات المنتخبة على أن تحقق الأهداف المرجوة منها وتلبية مطالب الناس، يضاف إلى ذلك وجود تراث تراكم خلال السنين الماضية أن المؤسسات المنتخبة ما هي إلا ديكور، والقرار يتخذ في مكان آخر''.
نشأة التيار الثالث
أما تحليله لنتائج الجولة الأولى والخيارين الذين وُضع أمامهما الشعب المصري، فقال حمزاوي أن الجولة الأولى أسفرت عن أن هناك 9 ملايين صوت ذهبوا لمرشحين غير الدكتور محمد مرسي (ممثل الإخوان المسلمين)، والفريق أحمد شفيق (ممثل مصالح النظام القديم)، ومشكلة هذه الكتلة التصويتية أنها ''مفتتة'' وتكالب عليها أكثر من مرشح أفضلهم أداءً كان حمدين صباحي.وتابع: ''هذه الكتلة أظهرت رغبتها في أن ينضووا تحت تنظيم يعبر عن تفضيلاتهم الانتخابية ويمثلها من غير تفتيت ومن هنا بدأت فكرة ما يسمى الآن بـ (التيار الثالث)''.
أمرٌ آخر أفرزته الجولة الأولى هو أن ''مرسي وشفيق'' لم يكونا الخيار المفضل بالنسبة لقطاع عريض من المصريين، الذي رأى في البداية ''خطر هيمنة فصيل واحد (الإخوان) على الحكم''، وفي الثاني ''خطر إعادة إنتاج النظام القديم''.
''أخطر اللحظات''
وعن حالة الانقسام التي خلفتها الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، قال حمزاوي إنها كانت ''من أخطر اللحظات السياسية التي مرت بها مصر منذ 11 فبراير حتى الآن''، موضحًا أن المتعاطفين مع الثورة وأهدافها شعروا أنهم أمام اختيار وحيد، تمَثلَ في الدكتور محمد مرسي باعتبار أن الإخوان المسلمين في صلب الجماعة الوطنية، وشاركت في الثورة.إلا أن الإخوان - كما يقول الدكتور عمرو - غلَبت الموائمة الحزبية على المصلحة الوطنية في الكثير من الملفات، وهذه الموائمات كانت على حساب الدفاع المبدئي عن أهداف الثورة، موضحًا أن تعامل الإخوان من التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها وتبني خطاب الاستقرار ''الزائف'' في مواجهة شارع يحتج ضد انتهاكات لها صلة بحقوق الإنسان والتعامل مع مجلس الشعب وتوزيع اللجان داخله، كل هذه الأمور زرعت شكوكًا - لدى قطاع واسع من الشعب المصري - ضد الإخوان وحزب الحرية والعدالة.
وأضاف حمزاوي: ''أما الفريق شفيق، الذي كان يُمثل النظام القديم وإعادة إنتاجه بوجوه جديدة، فإنه لم يكن يؤيده إلا مجموعة المصالح خلال الخمس سنوات الأخيرة من حكم مبارك، وهذا الاختيار كان صعبًا على قطاع عريض من المصريين''.
خياران
وبالنسبة للقوى الوطنية المحسوبة على التيار المدني، فقال حمزاوي: ''إنها انقسمت إلى قسمين: الأول فضل الانحياز لمرشح الإخوان وحزب الحرية والعدالة وإن كانت علاقة الجماعة والحزب قد ارتبكت، أما القسم الآخر ، ففضل المقاطعة إيجابيًا بإبطال الصوت أو سلبيًا بعدم الذهاب من الأساس، وبالنسبة لي فقاطعت إيجابيًا، وكنت أرى أن الهدف الرئيس هو منع إعادة إنتاج النظام القديم''.وأضاف الدكتور عمرو حمزاوي، عضو البرلمان المُنحل، أن حالة الانقسام ما بين تأييد مرسي أو المقاطعة الإيجابية أو السلبية كان لها امتدادات، وأن القطاع المدني الذي أيدَ مرسي قبل انتخابات الإعادة وحاول أن يصور شكل هذا التأييد على أنه جبهة وطنية، وهذه الجبهة تفاوضت مع مرسي للحصول على ضمانات محددة بشأن الفريق الرئاسي وتشكيل حكومة ائتلافية واسعة''.
وأشار إلى أن مشكلة هذه الجبهة ليس في تأييدها لمرسي؛ ''فهذا حق سياسي مشروع''، لكن المفاوضات التي أجرتها لم تسفر حتى الآن عن نتائج محددة، وبالتالي فإن الحديث عن فريق رئاسي أو حكومة ائتلافية ضبابي، وقال: ''أخشى أن خبرة الإخوان هي خبرة استئثار وهيمنة تضع المتحالفين معها في مواقع صغيرة تمامًا كما حدث في القوائم الانتخابية لمجلس الشعب ولجانه''.
أما الجانب الذي قاطع إيجابيا أو سلبيا، فحاول أن ينظم نفسه على الأرض فيما يسمى بـ ''التيار الثالث''، كما قال حمزاوي، مشيرًا إلى أن هناك رهان على أن الثمانية أو التسعة ملايين ناخب الذين لم يصوتوا لمرسي ولا لشفيق في الجولة الأولى.
امتداد آخر تحدث عنه الدكتور عمرو حمزاوي، خلال النقاش العام؛ حيث قال ''إن هناك محاولات للضرب تحت الحزام، فالقوى المدنية التي أعلنت تأييدها لمرسي انتُقدت على اعتبار أنها التحقت بحزب الحرية والعدالة أو (ماشية في ديل الإخوان)، مشيرًا إلى أن التأييد في حد ذاته أمر سياسي ومشروع، أما الفريق الثاني الذي قاطع، فاتُهم بأنه كان يؤيد شفيق من الباطن، ''وهذا ظلمًا وبهتانًا''.
رؤيتان سياسيتان
وفي تحليله للمشهد السياسي الراهن، قال حمزاوي أن هناك رؤيتان الأولى ترى أنه من الأفضل لمصر وللإخوان أن يكون هناك تحالفًا وطنيًا واسعًا لإدارة المرحلة الانتقالية الثانية - كما سماها – في ظل وجود تحديات وطنية كبرى مثل رفض الإعلان الدستوري المكمل وعدم وجود تسليم فعلي للسلطة وكذلك عدم اكتمال المؤسسات المنتخبة.إلا أن مشكلة هذه الرؤية، كما يراها حمزاوي، هي أن الإخوان المسلمين يذهبون إلى هذه التحالفات وهم على درجة عالية من القناعة بأنهم الطرف الأكبر، وما على الآخرين سوى قبول ما تحدده الجماعة.
وبالنسبة للرؤية الثانية، من وجهة نظر حمزاوي، فتنطلق من ''تحديات وطنية يجب على الجميع الدفاع عنها''، مثل عدم وجود إجراءات استثنائية أو تسليم كامل للسلطة ولا تطويل للمرحلة الانتقالية الثانية.
وقال حمزاوي ''هذه قضايا وطنية نتعاون فيها مع الإخوان والمتحالفين مع الإخوان، إضافة إلى قضايا أخرى مثل الدستور وضمانات الحقوق والحريات وعدم التحايل على حكم الدستورية العليا بحل البرلمان''.
في الجزء القادم.. لعبة الكراسي الموسيقية بين المجلس العسكري والمؤسسات المنتخبة وصعوبات أمام التيار الثالث.
اقرأ أيضا:
حمزاوي : أرفض وصف الرئيس المنتخب بالقائد وقسمه الرمزي كان ضروريا
فيديو قد يعجبك: