فى ذكرى ميلاده الـ106.. لا يزال ''قطب'' بين ''التكفير'' و''الشهادة'' !
تحقيق - هند بشندي:
''يصوره البعض شيخا من مشايخ الطرق الصوفية، ويصوره البعض مفكرا إسلاميا جاء في وقته للخروج من الجاهلية، ويصوره البعض متمردا سياسيا، لقد كان لسيد قطب أكثر من لون وأكثر من لقب؛ فهو معلم ومفكر وملحد ومتطرف ومبدع ومجاهد وشهيد!''.. هكذا لخص الكاتب عادل حمودة في كتابة ''من القرية إلى المشنقة'' سيرة الأب الروحي لجماعات العنف، والتضارب والاختلاف نحو سيد قطب.
وفي ذكري ميلاده.. نتعرف في السطور القادمة على فكر ورؤي قطب ومدي تأثيرها على جماعة الإخوان المسلمين حالياً...
هو سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي ولد بأحد قري محافظة أسيوط، 9 أكتوبر 1906 يقول عنه الدكتور صلاح الخالدي في كتابه (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) ''إن العظماء قد ولدوا عظماء وماتوا عظماء، سيد الطفل كان بالعاشرة من عمره محافظا على الصلوات تماما كالرجال ويجلس معهم إلى الساعة العاشرة بالمسجد بينما الأطفال يلهون ويلعبون، كان شجاعا لما دافع عن الفتيات في المرحلة الابتدائية ضد الفتيان الذين يعاكسونهم في المدرسة، هذا هو الطفل الرجل'' .
مراحل ''قطب''
تخرج ''قطب'' وعمل موظف بوزارة المعارف ثم ذهب بعثة إلى أمريكا لمدة عامين، وانضم إلى حزب الوفد المصري لسنوات وكان يضم وقتذاك الكاتب عباس محمود العقاد الذي كان ''قطب'' متأثراً بأدبه، وتركه عام 1942، لينضم بعدها لجماعة الإخوان المسلمين.
مر ''قطب'' بمراحل عديدة في حياته، بداية من المرحلة الأدبية التي تأثر خلالها بأدب العقاد ونشر خلالها العديد من المقالات والكتب، واهتم خلال بالشعر، ثم توجه للأدب الإسلامي وخلاله نشر كتاب في ظلال القرآن والعدالة الاجتماعية في الإسلام ومعالم في الطريق، وقد بلغت مؤلفاته في هذا المجال حوالي ستة وعشرين كتاباً .
من الثورة للإخوان
أيد قطب ثورة 23 يوليو في البداية حتي أطلق عليه أحد الكتاب اليساريين ''نيرابو الثورة المصرية''، لكن عام 1953 بدأت الخلافات تظهر واضحة في العلاقة بين عبد الناصر والإخوان المسلمين هنا فقط انضم ''سيد قطب'' رسميا إلى جماعة الإخوان وأعلن انشقاقه عن هيئة التحرير، في عام 1954، بلغ الصراع بين الإخوان وعبد الناصر ذروته بعد محاولة اغتيال ناصر في المنشية واتهام الإخوان بتدبير الحادثة.
واعتقل ''قطب'' بعد ''حادث المنشية'' وحكم عليه بالسجن 15 سنة وأفرج عنه بوساطة من الرئيس العراقي ''عبد السلام عارف'' في مايو 1964، بعدها قُبض عليه مرة أخرى عام 1965 وحكم عليه بالإعدام في 29 أغسطس 1966.
كلماته الأخيرة
ليله تنفيذ حكم الإعدام تم استدعاء شقيقته ''حميدة قطب'' وقيل لها أن هناك إمكانية لتخفيف الحكم بشرط أن يقول إن هذه الحركة كانت على صلة بجهة ما، وبعدها يتم الإفراج عنه بعفو صحي وفقا لرواية الداعية ''زينب الغزالي'' .
وتستكمل الغزالي في روايتها: ''لكنه رفض وقال لو كان هذا الكلام صحيحا لقلته، وقبل الإعدام بدقائق جاء له أحد القيادات العسكرية وقال له ''يا أخي.. يا سيد.. إني قادم إليك بهدية الحياة من الرئيس - الحليم الرحيم - كلمة واحدة تذيلها بتوقيعك، ثم تطلب ما تشاء لك ولإخوانك هؤلاء، اكتب يا أخي هذه العبارة فقط : لقد كنت مخطئا وإني أعتذر''، لكن كان رده ''أبدا.. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول !.. يا مرحب بالموت في سبيل الله''.
ثم قال ''إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، ليأبى أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغوت، اسمعوا يا من واليتم الطواغيت وجعلتموهم ذاتا مصونة لا تمس..! هكذا تكون العقيدة، لا مساومة فيها ولا مهادنة'' .
خارج عن السنة.. أم مظلوم
اعتبر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي أن ''قطب'' خرج عن أهل السنة والجماعة، مؤكدا أن قطب أخطأ في تكفير جموع المسلمين، بينما كتب عنه عادل حمودة قائلا:'' إن ''قطب'' كان الشماعة التي علق عليها أعضاء الجماعات المتطرفة عملياتهم وأخطائهم، مضيفا ''منتهي الظلم أن نترك كل ما أنتجه سيد قطب فكريا ونأخذ منه فقط ما قاله عن الجاهلية''.
وهو ما يؤكده القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين المهندس هيثم أبو خليل؛ حيث قال :'' إن الشهيد سيد قطب هو مفكر وأديب من الطراز الرفيع، لكن كان عنده إشكالية وحيدة جاءت نتيجة التعذيب الذي تعرض له في عهد عبد الناصر مما أثر على فكرة بطريقة سلبية''، مضيفا :'' لا نريد أن نظلم ونقول إنه مسئول عن انتشار الفكر التكفيري لكننا لا نخليه تماما من المسئولية لأنه لم يحسم الأمر حول ''جاهلية المجتمع'' بصورة قاطعة، وترك الأمر للتأويل مما دفع جماعات جهادية لفصل نفسها عن المجتمع وتكفيره واعتبار أنها الفرقة الناجية الوحيدة.
ويؤكد الكاتب - صلاح عيسي - أن قطب يمر بعدة مراحل حياتية مختلفة، قائلاً:'' أنه رسخ لمجموعة أفكار في المرحلة الأخيرة داعية للتكفير، لكن أنصاره حتي الآن يفرقون بين ما قاله وما فهم عنه مؤكدين أنه فكره كان تطوري'' .
وأضاف عيسي قائلاً:'' لكن أخطر أفكاره كانت أنه رسخ فكره أن إقامة دولة إسلامية هي جزء من العقيدة وليس من أمور التنظيم، بعدها انتشرت وتبناها البعض بشكل أكثر غلو مما طرحها مما أدي بنا للأفكار المتشددة الموجودة الآن في الساحة الإسلامية'' .
وعن فكرة تأثير التعذيب على فكر ''قطب'' في المرحلة الأخيرة، أوضح عيسي قائلاً:'' لم أتأكد من مدي صحة تعذيبه بشكل شخصي، لكن بالقطع كان هناك تعذيب في السجن الحربي لآخرين، فسواء تعرض له بشكل شخصي أو سمع عنه فهذا دفعه للطريق الضيق للتفكير، بعيدا عن رحاب الفكر الذي بدء بها حياته عندما كان يكتب عن نجيب محفوظ ويمارس الشعر''، مشيراً إلى أن التعامل البوليسي أفسد كل التيارات الفكرية التي تعرضت للعنف داخل السجون مما جعلهم يتجهوا لمزيد من التشدد في أفكارهم.
وينفي ''علي لبن'' - أحد قيادات الإخوان المسلمين وأحد المعاصرين لـ''قطب'' - كل ما يقال أن ''قطب'' صاحب منهج تكفيري متشدد، قائلاً:'' على ضوء ما كنا نسمعه منه مباشرة وما قرأته له أجده يدعو المجتمع برفق إلى التدين وكان يحثنا كدعاة أن لا نشعر الناس بأنهم أقل منا تفقها في الدين والعلم'' .
وأضاف:'' أنا عاصرته وعشت معه وأتذكر أخر حديث له عندما سأل أن هناك من يكفر الناس متأثرا بأفكارك وكتاباتك فرد وقال: ''وما ذنبي إذا كان أفكاري وكتابتي حملها حمار أعرج''، وقد نفي أن يكون قد ''كفر'' المجتمع، المشكلة تكمن في تأويل ما كتبه، مؤكداً:'' أنا عاشرته حتي أخر يوم في حياته وأصدق ما رأيته بعيني'' .
أما ما يقال عن تأثر فكر ''قطب'' بالتعذيب الذي تعرض له قائلاً: ''هذا كلام ''سقيم''، إن قطب تغير بسبب السجن، فقد سجن سنوات فلماذا في الشهور الاخيرة ينقلب رأسا على عقب، هناك خط لم يحيد عنه طوال حياته''.
فيديو قد يعجبك: