إعلان

جبانة البجوات بالخارجة.. مكان يروي قصة صمود المسيحيون الأوائل في مصر -صور

11:16 ص الإثنين 04 نوفمبر 2024

الوادي الجديد – محمد الباريسي:

على بُعد ثلاثة كيلومترات فقط من شمال مدينة الخارجة، تقبع جبانة البجوات، التي تُعد إحدى أقدم المقابر المسيحية في العالم، ومزارًا فريدًا يحتضن عبق التاريخ ومشاهد من العهد القديم وأحداث خالدة رافقت الأنبياء.

تشهد جبانة البجوات بواحة الخارجة على فترات مضطربة في تاريخ مصر، حيث لجأ المسيحيون الأوائل إلى الواحات بحثًا عن الأمان والاستقرار، تاركين على جدرانها نقوشًا تحكي قصصًا من تاريخ مصر ومن الكتاب المقدس، تَروي جانبًا نادرًا من رحلة المسيحية وصمودها في واحة السلام.

صرح أثري

يؤكد الخبير الأثري بهجت أبو صديرة، مدير عام الآثار السابق بالوادي الجديد، أن جبانة البجوات، التي بُنيت على أنقاض جبانة مصرية قديمة، تحتضن حوالي 263 مقبرة تتنوع في تصميمها بين مقابر فردية صغيرة وأخرى عائلية واسعة، تبدأ حقبة استخدام الجبانة منذ القرن الثالث الميلادي، حيث اتبعت طقوس الدفن فيها أسلوبًا مشابهًا للدفن المصري القديم، عبر دفن الموتى في توابيت ترافقها مستلزمات جنائزية، وتُوضع في أرفف مُعدة أسفل الحفر، مع الاستمرار بممارسة التحنيط رغم توقفها في وادي النيل.

وأوضح أنه يمتزج الأسلوب المعماري هنا بين الفن المصري القديم والفن القبطي، مما يعكس تعايشًا ثقافيًا ودينيًا فريدًا شهدته مصر عبر العصور.

مزار الخروج

يقول محمد إبراهيم، مدير الآثار حاليا بالوادي الجديد، إن "مزار الخروج" يتربع كواحد من أهم المعالم في جبانة البجوات، والذي يحتضن مناظر شهيرة من العهد القديم، وعلى رأسها قصة خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى، والتي يعود اسم المزار إليها.

وقال محمد: " يزين سقف المزار قبة تتزين بشريطين يضمّان مشاهد تجسد لحظات خروج النبي موسى من مصر متجهًا إلى سيناء، وتلاحقه جيوش فرعون، ما يعيد للأذهان واحدة من أعظم القصص التاريخية والدينية التي ورد ذكرها في الكتب السماوية".

وأضاف محمد، أن جدران المزار تضم أيضًا رسومات لقصص أخرى من العهد القديم، منها قصة آدم وحواء، وفلك النبي نوح، وقصة النبي دانيال في جب الأسود، وقصة النبي يونس والحوت. تُجسد هذه الرسومات الجانب الفني والديني الذي عاشه المسيحيون الأوائل، وتبرز مدى تعلقهم بإرثهم الديني وتصميمهم على توثيقه في فترات الاضطهاد.

نقوش تروي معاناة المسيحيين الأوائل

أكد الأثري منصور عثمان، مدير الُاثار القبطية السابق بالوادي الجديد، إنه قد شهدت جبانة البجوات على معاناة المسيحيين الأوائل، الذين اضطروا للهرب من حكم الرومان والاستقرار في الواحات بحثًا عن الأمان، لتصبح الجبانة بمثابة موطن لهم بعيدًا عن الظلم والاضطهاد.

وعلى جدران المقابر نقشت صور ومشاهد معبرة عن معاناتهم وتاريخهم. تُظهر بعض النقوش المصورة باللغة القبطية معاناة المسيحيين الأوائل، وتتخللها مناظر دينية تُجسد قصصًا من الكتاب المقدس، مما يجعلها إرثًا لا يقدر بثمن لحقبة صمود المسيحية الأولى في مصر.

مزار السلام

ويؤكد منصور، إنه بالإضافة إلى "مزار الخروج"، يبرز "مزار السلام" كأحد المعالم الرائعة في جبانة البجوات. يعود تاريخ هذا المزار إلى القرن الرابع الميلادي، ويتميز بجدرانه المزيّنة بعقود ورسومات مستوحاة من رموز السلام، يتوسط المزار صينية كبيرة ويُزين الجدران طلاء باللون الأبيض الوردي، وتتزين الأركان برسم الطواويس ونقوش رمزية تعود إلى الكتاب المقدس، ما يعكس رغبة المسيحيين الأوائل في نقل رسالة السلام، التي كانت بمثابة بصيص أمل لهم في زمن الاضطهاد.

قيمة تراثية فريدة

يقول الأثري طارق القلعي، مدير متحف الآثار بالوادي الجديد، إنه تعد جبانة البجوات نموذجًا حيًا لفن المعمار القبطي المبكر، حيث تم بناؤها على شكل قباب، مستوحية اسمها من الطراز المعماري "القبوات"، وتضم أطلال كنيسة في وسطها، تعتبر من أقدم الكنائس القبطية في مصر، مما يعكس أهمية الجبانة كموقع ديني وتاريخي ذي قيمة ثقافية كبيرة.

ويؤكد، أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن المقابر الأخرى في الجبانة تحتوي على نقوش ملونة وكتابات قبطية تروي قصصًا لتاريخ المسيحية في مصر، وذكريات شهدتها جبانة البجوات منذ القرن الثاني الميلادي وحتى القرن السابع، وهي بذلك تُعد وثيقة حية نادرة تؤرخ لحقبة هامة من تاريخ مصر.

تظل جبانة البجوات بواحة الخارجة إرثًا مصريًا عالميًا، وشاهدًا على ترابط الدين والتاريخ والمعمار. إنها لوحة تاريخية فريدة تروي قصصًا للأجيال عن عصور الأنبياء ومقاومة المسيحيين الأوائل للاضطهاد، ما يجعلها ليس فقط موقعًا أثريًا بل معلمًا روحيًا يلهم الزائرين والسياح من مختلف أنحاء العالم.

ويستمر مزار الخروج، ومعه مزار السلام، في إلقاء الضوء على فصول عتيقة من حكاية مصر المليئة بالأحداث التاريخية والدينية، ليظل هذا الصرح شاهدًا على الأصالة والتراث المصري المتجذر عبر آلاف السنين.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان