إعلان

الفدائي قناوي.. بطولة مصرية خلف خطوط العدو في 1973 (صور)

08:41 م الإثنين 11 أكتوبر 2021

السويس - حسام الدين أحمد:

لكل وطن جنود وأبطال، بعضهم معروف وكثير خبأ الزمن حكايات تطوعهم دفاعًا عن الأرض ممن نفذوا عمليات عسكرية بدقة أعجزت العدو، الذي وصفهم بالأشباح، وكان لهم دور هام في حرب الاستنزاف، ومهدوا لحرب أكتوبر بجمع المعلومات ومعرفة نقاط ضعف العدو، وكشف صورته الحقيقية أمام العالم.

أحد هؤلاء الأبطال الفدائي عبد المنعم قناوي، عضو منظمة سيناء العربية "أغسطس 1967، أكتوبر 1973" التابعة لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، والذي كان أحد عناصر الاستطلاع خلف خطوط العدو.

داخل منزله، نشرت صفحة مصراوي على موقع "فيسبوك"، بثًا مباشرًا لحوار مع الفدائي قناوي الملقب بـ"صقر السويس"، الذي روى ما عاشه قبل 48 عامًا، وكيف كان يجمع المعلومات التي حمت قيادة الجيش الثالث من القصف الإسرائيلي.

اضطره المرض وآلام الفقرات العنقية والعجزية أن يلازم السرير حتى أصبحت غرفته مقر إقامته الدائم في بيته، يستأنس فيها بصور الشهداء أبطال منظمة سيناء العربية الشهداء ومن قضوا نحبهم بمرور الزمن، بينما وضع صورتي الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية والكابتن غزالي شاعر المقاومة الراحلين يمين سريره وبينهما صورته.

عين على العدو

قبل حرب أكتوبر كانت إدارة المخابرات الحربية ترسل مندوبين لها في سيناء، مهمتهم جمع معلومات عن تحركات العدو وإرسالها بأجهزة "اللاسلكي". يقول عبدالمنعم قناوي: "قبل 6 أكتوبر بـ 22 يوم، في 14 سبتمبر 1973 جرى دفعه إلى سيناء عن طريق فنار أبو الدرك الذي يقع بين السخنة والزعفرانة بالضفة الغربية لخليج السويس".

يروى قناوي: "كان في انتظاري بالجانب الآخر من خليج السويس دليل من الأعراب، بالمنطقة الواقعة بين أبو رديس وأبو زنيمة، رافقته إلى مدخل ممر متلا، لنكشف كل التحركات داخل الممر الذي كان يستغله الإسرائيليون في التحرك والدفع بالإمداد لسيناء".

كانت معداته جهاز لاسلكي ببطارية صغيرة الحجم، ويعمل على مولد وكان يبذل طاقة كبيرة في شحن الجهاز، يستغرق ساعتين على بدال دينامو إذا أراد التحدث عبر اللاسلكي لمدة 10 دقائق، وكان مدى الجهاز يصل الى 500 كيلو، ومن أحدث الأجهزة المستخدمة.

رادارات بشرية

توضيحًا لدوره وغيره من مئات عناصر الرصد يذكر قناوي شهادة اللواء إبراهيم فؤاد نصار مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع خلال الحرب وهو يتحدث عن دور العيون الراصدة لخطوط العدو إذ قال "لأول مرة منذ الصراع العربي الإسرائيلي من نكبة 1948 وحتى حرب أكتوبر1973، يتم زرع رادارات بشرية في جميع أنحاء سيناء".

كانت سيناء لوحة مفتوحة أمام المخابرات الحربية، فإذا طلبت القيادة العامة للقوات المسلحة أية معلومات عن العدو في أي مكان في سيناء، فتكون هناك معلومات جاهزة، وفرتها العيون في سيناء، تمد بها القيادة عن طريق التواصل بأكواد خاصة والتخاطب عبر موجات الراديو برسائل مشفرة، وفى نفس الوقت كان يتلقى ومن يرصدون في أماكن أخرى الرسائل، والتكليفات والمعلومات المطلوب جمعها.

يروي لمصراوي أنه استمر في التحرك بناء على الأوامر والمعلومات المطلوب جمعها، حتى وصل إلى رأس البحيرات المرة فى الدفرسوار شرق القناة، وعقب وصوله صدرت له الأوامر بالعودة الى القاهرة يوم 16 أكتوبر 1973.

كان قريبا من القناة ويصعب أن يعود لخليج السويس مرة أخرى مكان نزوله بسيناء، واتضحت له الرؤية أن كل المعدات والتجهيزات العسكرية التي كانت أمامه لقوات إسرائيلية، هي التي عبرت من الثغرة عبر الكباري.

الكباري فارغة

العبور والعودة إلى غرب القناة كان مستحيلاً وسط قوات العدو التي عبرت من الدفرسوار، هذا ما يؤكده قناوي، لذلك ظل 72 ساعة يراقب الكباري، واكتشف أنه مع غروب الشمس ينتقل جنود العدو ويتركوا الكباري فارغة خشية وصول الضفادع البشرية المصرية إليها وتفجيرها ليلاً، ومع أول ضوء للنهار يعود الجنود إلى الكباري. "الجندي الإسرائيلي أغلى وأجبن جندي".

يستكمل "مررت ومعي الدليل أسفل الكوبري ليلاً، وتوغلت حتى وصلت إلى صحراء أبو صوير في الإسماعيلية، حتى وصلنا منطقة لتمركز القوات المصرية" طلبا للمساعدة.

ألقت القوات القبض عليه، وبتتبع التسلل القيادي والاتصال بقيادة المخابرات في القاهرة تأكد قائد اللواء من هويته، وتلقى تعليمات بتجهيز سيارة ونقله والدليل المرافق له إلى القاهرة.

مهمة جديدة

مساء يوم 16 أكتوبر وصل قناوي للقاهرة، وهناك ارتاح قليلا وكتب تقرير بآخر ما جرى واستطلاع وتحركات العدو، ثم جرى دفعه مجددًا بعد يومين إلى سلسلة جبال عتاقة تمهيدًا لدخول السويس وهناك قضى 100 يوم.

يحكي عبد المنعم قناوي أنه في ذلك الوقت انقطعت الاتصالات بين القاهرة والسويس، وكان العدو عبر غرب القنال وفشل في دخول الاسماعيلية بعدما تصدت له الفرقة 39 قتال، فعاد مجددا إلى الدفرسوار، وطور الهجوم جنوبا 65 كيلو قاصدا السويس، أملا في أن يحتل أقدم مدينة بخط القناة.

كان لابد أن يكون هناك عين في السويس، وكان قناوي سعيد بتكليف العودة إلى السويس، "سألنى القائد على القرائن الدالة على الطريق، وجرى الدفع بي مجددا، ومعي الدليل الشيخ سليم مطعان عواد" يحكي صقر السويس كيف بدأت مهمته الأخيرة، إذ قضى قناوي ودليله 100 يوم بجبل عتاقة وكان الأخير على دراية بالطبيعة الجغرافية لسلسلة جبل عتاقة يحكي قناوي بداية المهمة الجديدة.

أصعد الجبل

كانت الأوامر الجديدة أن يتحرك من القاهرة عبر سيارة، تتركه قرب محطة التدفيع والتقوية الخاصة بشركة أنابيب البترول بطريق "السويس- القاهرة"، ومن هناك يصعد جبل عتاقة ويتابع السير عبر الوديان ليصل إلى شركة النصر للأسمدة بعتاقة، وعند تلك النقطة ينزول نحو خط السكة الحديد.

كان خط السكة الحديد ينقل العمال والموظفين بشركة النصر للأسمدة، من قلب الأربعين إلى الشركة، ثم يتخذ خط سير إلى داخل مدينة السويس، متبعا خط السكة الحديد حتى يصل إلى مزلقان الشهداء بمنطقة زرب، وهناك يتجه لمنزل محمود عواد قائد مجموعة الفدائيين بالسويس في منظمة سيناء العربية، ثم يحقق اتصال من داخل المدينة من سطح منزل عواد، ويبدأ في جمع معلومات عن السويس.

مشاهد من 5 يونيو

نال الفضول من قناوي، لماذا يترك طريق "القاهرة_السويس" الممهد، ويتنقل بين الجبال كل تلك المسافة التي تستغرق الوقت والجهد، "مشيت على الطريق وجدت الرد أمام عيني، مشاهد يوم 5 يونيو 1967 كانت ادامي، دبابات ومدافع وسيارات مدمرة، وقتلى ومصابين من جنودنا".

كانت تلك هي القوات التي دمرها الطيران الإسرائيلي قبل دخول قوات العدو إلى السويس، حتى تكون المدينة خالية من أية قوات تأمين تصل للسويس من طريق القاهرة".

اتبع قناوي التعليمات وصعد الجبل " توجهنا إلى وادي حجول ومنه إلى سلسلة جبال عتاقة، حققت أول اتصال عبر اللاسلكي بقيادة المخابرات الحربية في القاهرة، أخطرتهم بمكاني، ووصفت لهم المشهد على الطريق.

وفي ذلك الوقت كانت قوات العدو منتشرة من محطة كهرباء عتاقة بطريق "السويس_ الأدبية" وعلى امتداد طريق شركة مصر إيران المؤدي إلى نقطة الكيلو 14 بطريق السويس – القاهرة"

"بعد الاتصال كانت كلمات حاول ربنا معاك اسمعها دائما من مساء ذلك اليوم 19 أكتوبر 1973، وحتى 29 يناير 1974 يوم عودتي للسويس بعد فك الحصار عن المدينة".

امتثل الفدائي للأمر الواقع، وسط ظروف المعيشة القاسية، يراقب تحركات العدو من فوق قمة جبل عتاقة، من جنوب الأدبية وحتى نقطة الكيلو 101 بطريق السويس – القاهرة.

الطبيعة الجغرافية لجبل عتاقة، كانت تكشف السويس كلها، بحسب قناوي فكان يرى بالنظارة المعظمة حتى العين السخنة جنوبا، وجنيفة شمالا إذ كانت تعطى صورة واضحة لمسافة لا تقل عن 30 كيلو، بجانب الكاميرا "زوركى" الروسي والتي كانت مزودة بعدسة تقريب يصل مداها الى 10 كيلو متر، وكانت الصورة ترسل باللاسلكى بطريقة معينة تعطي تفاصيل واضحة.

عين الصقر

أثناء المراقبة شاهد بالنظارة 5 أفراد داخل مخبأ في الجبل، "توجهت لهم ومعي الدليل، أجرينا مناورة للوصول إلى مخبأهم، وتحدثت معهم" يقول إنهم كانوا من الجيش المصري بينهم ضابط برتبة ملازم، وآخر مقدم كان ملحق على قيادة الجيش في الشلوفة، ودخل السويس أثناء الحصار.

يوضح أن ذلك الوقت شهدت السويس دخول قرابة خمسة آلاف ضابط وعسكري بعد حدوث الثغرة، وكانوا مؤخرات للجيش ضمن الفرق والوحدات التي تتحرك من غرب القناة لشرق القناة.

بعدما عرف نفسه وقدم ما يفيد مهمته، صاحبهم والدليل إلى أقرب مكان للقوات المصرية كان شاهده قبل ذلك في منطقة عُبيد، وعقب وصولهم شككوا فيه واعتبره جاسوس من العدو، فدار بينه والضابط جدل أنتهى بأن يقوده إلى قائد أمن الجيش ومنه على اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث في ذلك الوقت.

حديث مع واصل

عندما وصلا لقائد الجيش أعطى المقدم التحية، يتذكر قناوي ذلك الموقف، يقول " نظر إلًى اللواء عبد المنعم واصل ووضع يده على كتفي وقال لي:" قولي من الاخر انت معانا ولا معاهم"، رد قناوي أنه تابع لمكتب المخابرات الحربية في السويس، لكن جرى دفعه من القيادة في القاهرة ليدخل السويس ويجمع معلومات وأبرز الشهادة التي عليها صورته وختم القيادة العامة للقوات المسلحة.

دار بينهما حوار، سأله اللواء واصل عن أسماء قيادات مكتب مخابرات السويس، من حرب أكتوبر وحتى القائد أبان 5 يونيو، فأجاب قناوي لكن ذلك لم يقطع الشك لديه، فذكر قناوي موقف بعينه وسأل اللواء واصل" أين كنت يا سيادة القائد في 22 مارس 1973".

رد قائد الجيش الثالث مستنكرا "فكرني"، فأخبره قناوي إنه في ذلك اليوم كان مع قيادات الجيش والمحافظ ومدير الأمن في منطقة أرض المعارض يشهد احتفال السويس بالعيد القومي، والذي كان في ذلك الوقت مرتبط بيوم أن رفع الزعيم جمال عبد الناصر العلم المصري على آخر معسكر على القناة بعد جلاء القوات البريطانية.

ذكره قناوي بالصور التذكارية التي التقطتها في ذلك اليوم والختم البيضاوي عليها واسم المصور وكان هو نفسه "عبد المنعم قناوي السويسي"، صاحب الختم على الصور، اطمئن له القائد، وأمر بصرف تعيين له عن تواجد العدو في المنطقة.

قبل أن يتوجه قناوي إلى الخمسة الذين رآهم، كان قد رصد وجود 5 جنود من علم انهم من العدو يختبئون خلف تبه، ووضعوا خوذاتهم أمامهم على الأرض، وبجوارهم كانت هناك طائرة طراز بيل 205.

مركز تبادلي

أخبر قناوي قائد الجيش الثالث بما رآه، فطلب اللواء واصل العقيد قائد استطلاع الجيش الثالث الميدانى، سأله عن تمركز العدو، قال قائد الاستطلاع أن العدو متمركز بالكيلو 109، وفى عجرود، " حيكت لقائد الاستطلاع عن الجنود اللي شفتهم خلف التبه، فاستعان بنظارتي وشاهد خوذات الجنود، ثم ظهر ذيل الطائرة وهو يرتفع وعليه نجمة داود، ما يعني أنها ستقلع من المكان.

غادر قناوي بعد ذلك، ولم يعلم أن اللواء واصل أمر بنقل القيادة بالكامل من منطقة عُبيد لمركز تبادلي آخر بالروبيكي على مسافة 50 كيلو غربا من موقع القيادة السابق، استمرت عملية النقل من مساء ذلك اليوم حتى فجر اليوم التالي.

يخبرنا عم عبد المنعم إن الطائرات المعادية الميراج وسكاى هوك والفانتوم وصلت مع شروق الشمس ودكت موقع القيادة القديم بالكامل، بعدما رصدت عيونهم المتمثلة في جنودهم بالتبة تمركز القوات بذلك المكان حتى غروب الشمس، ولم يعلموا أن مقر القيادة انتقل لمكان اخر ليلا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان