"جزمجي الخيول".. حكاية عم رضا ورحلة 50 سنة مع مهنة البيطار - صور
البحيرة - أحمد نصرة:
قاربت الشمس المغيب وبدأت عربات الكارو والحنطور في التوافد على كشك صغير متواضع بجوار مزلقان سيدي عدس بدمنهور، خيول تجر أقدامها بتثاقل، منهكة من أثر يوم عمل شاق، تبدو مشيتها متعثرة غير متزنة، في إشارة إلى خلل ما بنعالها الحديدية، وهو السبب الذي دفع بها لهذا المكان.
يجلس عم رضا البيطار على مقعد يرتفع سنتيمترات قليلة عن الأرض، ليستقبل زبائنه وفقًا لدورهم في الوصول، تمتد يده نحو صندوق خشبي بجواره مليء بالحدوات الحديدية، ينتقي واحدة منها، ويتفحصها بنظرة خبيرة، حتى إذا ما تبين ملاءمتها شرع فورًا في تهيئتها وتركيبها للحصان الماثل أمامه.
"ورثت المهنة عن أبويا وجدي، بقالي فيها ٤٥ سنة، بشتغلها من وأنا عمري ١٣ سنة وهي رزقي الأساسي ربيت منها أولادي ٣ بنات وولد، "ابني صنايعي ستائر، لكنه متعلم مهنة البيطار حب وغواية، وكل يوم بيخلص شغله وبعدين ييجي عليا يساعدني، وما شاء الله شاطر فيها" يتحدث عم رضا عن بدايته في مهنة البيطار.
ويضيف رضا: "أول ما اشتغلت كان سعر تركيب الحدوة ٢٠ قرشًا للأقدام الأربعة، دلوقتي السعر ٨٠ جنيه، الحديد والخامات سعرها زاد علينا، والمسمار اللي بنستخدمه مش زي المسامير العادية، وبيتجاب من السويد أو الهند".
وعن وضع مهنة البيطار الآن يقول رضا: "المهنة تراجعت كتير في المدينة بسبب الاعتماد على التاكسي والتروسيكل مكان الحنطور والكارو، دمنهور كان فيها أكثر من ٤ آلاف حنطور، دلوقتي ما يزيدوش عن ١٠ حناطير، لكن في الريف لا تزال المهنة شغالة كويس لانتشار الحمير والبغال والخيول واعتماد الفلاح عليها".
ويشرح رضا أهمية الحدوات للحصان:" تقدر تقول عليا جزمجي خيول، الحدوة للحصان زي الجزمة للبني آدم، ميعرفش يمشي على الأسفلت من غيرها، لأن ربنا خلق حوافره مهيأة للمشي على الرمال والتراب بس، وكل حصان له مقاس، والحدوة الأمامية غير الحدوة الخلفية، وحدوة حصان السبق فيها بروز من الأمام وتختلف عن حدوة حصان الشغل العادي".
"شغلانتنا محتاجة قوة ومجهود بدني كبير، والتركيز كمان مهم عشان منتعرضش لإصابات، وأي حد مهما كانت خبرته معرض للإصابة، مرة حصان طيرلي سنتي، ومرة تانية أخدت ٣ غرز في وشي" يتحدث رضا كاشفًا عن أسنانه.
ويستطرد رضا: " المساعد دوره مهم جدًا ولازم يمسك رجل الحصان بقوة وتكون ثابتة كويس عشان نعرف نشتغل فيها، ولو إيده مهزوزة ممكن الحدوة تتثبت غلط وتؤذي الحصان".
ويكمل: "أغلب الحوادث سببها حركة عشوائية مش مقصودة من الحصان لأنه بيكون عارف إننا بنعمل حاجة لمصلحته وعشان كده بيسلملنا نفسه، وبعض الخيول حافظة الطريق لما تحس بمشكلة في الحدوة، تلاقيها جابت صاحبها وجاتلنا من نفسها".
وعن الأدوات المساعدة في مهنة البيطار يقول رضا: "الأدوات إللي بنستخدمها سكينة وقصافة وكفة وجاكوش، وكل آداة لها دور معين سواء في تقليم حافر الحصان أو في تركيب الحدوة ".
ويوضح رضا:" حافر الحصان فيه جزء ميت وجزء حي، والحدوة بتتثبت في الجزء الميت، ولو المسمار اتدق في الجزء الحي الحصان يتعور ويحصله مشكلة في رجله".
وينهي رضا حديثه قائلًا "بعض الناس تتفائل بحدوة الحصان وتعتقد إنها تجلب الحظ، لو اتعلقت على باب البيت أو العربية، وناس بتجيلي تطلب حدوة طالعة من رجل حصان، بس لازم تكون من رجله اليمين".
فيديو قد يعجبك: