إعلان

"بـ100 راجل".. "مديحة" قضت نصف قرن في تصليح الأحذية وتحلم بـ"العمرة"

02:39 م الأحد 20 يناير 2019

الشرقية – فاطمة الديب:

"ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئًا نناضل من أجله".. حكمة وخلاصة تجارب لخصها الكاتب الروسي أندري تاركوفسكي قبل نحو قرن من الزمان، محاولًا وصف قيمة الحياة في ظل المعاناة، لكن الكلمات وجدت ضالتها في سيدة تتطابق عليه ما تصفه الحكمة، بل وتزيد معاناتها على مدار أكثر من 5 عقود تحملت خلالها مهنة والدها بثبات يُحسدها عليه الرجال.

على بُعد عدة أمتار من مدخل مركز ومدينة بلبيس في محافظة الشرقية، تعيش واحدة من السيدات التي لا تجد مبالغة إذا أطلقت عليه "مرأة حديدة"، فهي كما يقول أهل بلدها "ست بمية رَجل"، ورغم أنها من مواليد عام 1945، لكنها لا تزال كما "الوتد" لا تنفك من الجلوس أمام حانوتها تقضي حياتها في حرفتها التي أحبتها.

"أبويا اللي سقاني الصنعة".. قالتها "مديحة محمد"، أو "الحاجة" كما يُطلق عليها أهل المنطقة، لافتةً إلى أنها بدأت في تعلم مهنة تصليح الأحذية، كما يبدأ الأطفال دراستهم، في سن السابعة وبضعة أشهر، واعتادت الجلوس جوار والدها، والذي كان يمتلك محلًا للتصليح في إحدى المناطق التابعة لدائرة المركز، وقتها كنت تحاول تعلم أي شيء وتقليدها.

استمرت الطفلة في التعلم من والدها حتى "شربت الصنعة" وما أن أتقنت خياطة الأحذية وأجادت طريقتها اليدوية إلا وكانت على موعد مع فراق حتمي بوالدها، والذي اختطفه القدر وكتب الموت رحيله وهي "بنت 14 سنة" لا تزال في عمر الفتيات من أقرانها، واللاتي التحقن بالتعليم الثانوي، لكن "مديحة" وقفت مكان والدها وتحملت مهمة الإنفاق على أسرتها.

عمل الفتاة في المهنة لم يُقابل بالترحيب أو يكون طريقه مفروشًا بالورود، إلا أن الفتاة تحدت كل ما ولها وباتت بين عشيةٍ وضحاها مضرب الأمثال لأهل البلدة في تحمل الظروف، وعن ذلك تقول الحاجة مديحة: "وقفت مكان أبويا ومهمنيش اللي يقولوه الناس، والحمد لله ربنا كرمني وجوزت تلاتة من إخواتي ومع الوقت الناس كلها قدرت تعبي وبقى الكل يحترمني ويعمل لي حساب".

وتابعت: "كنا تسعة إخوات -3 ولاد و6 بنات-، لما أبويا مات كان فيه 5 اتجوزوا وفضلت أنا وإخواتي التلاتة اللي فوق مني، والحمد لله ربنا قدرني وجوزتهم".

ما أن أتمت الفتاة ربيعها العشرين، إلا وكانت على موعد مع ابتسامة رابعة أعقبت فرحتها بزواج أشقائها الثلاثة (ولد وبنتين) نجحت في تجهيزهم، قبل أن يرزقها الله بزوج يُقدر ما عانته، بل ولا يُمانع عملها في مهنتها التي أحبتها بعد الزواج، وعنه تقول مديحة: "علاء جوزي ابن حلال.. شغال مكوجي وعارف إن الشغل مش عيب، وفتح لي محل في البيت بعد الجواز على طول، وربنا كرمنا ورزقنا بولدين".

وعن مهنتها، تقول الحاجة مديحة: "بخيط الجزم وشنت المدارس وكل حاجة، والحمد لله لسه قادرة أخيط على إيدي من غير مكنة لكن كل حاجة وليها زبونها"، قبل أن تختتم حديثها بدعوة ترجو تحقيقها وأن يكتبها الله لها: "نفسي ازور بيت الله واعمل عمرة قبل ما أموت".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان