إعلان

أصبح مدير مصحّة.. رحلة شاب من "الإدمان" إلى "التعافي" استمرت 24 عامًا

03:43 م الأحد 04 فبراير 2018

محمد غريب حسن

الإسماعيلية - إنجي هيبة :

14 عامًا من إدمان المخدرات.. مات والديه حسرة عليه بعد فقدانهما الأمل في تعافيه من الإدمان، وكاد يفقد زوجته التي أوسعها ضربًا في ليلة شتاء باردة عندما استوقفته، وعاتبته بعد عودته من الخارج، ومعه "الاصطباحة".

رحلة كفاح

"الحمد لله.. تعافيت تمامًا من الإدمان، وصار عدوي الأول الذي سأظل أحاربه ما حييت".. بهذه الكلمات بدأ محمد غريب حسن، مدير عام مؤسسة الأصدقاء لمكافحة الإدمان، رواية قصته لــ"مصراوي"، وأسهب قائلًا "خلال 14 عامًا جربت كل أنواع المخدرات، حتى وصلت إلى الهيروين، 14 عامًا من الخسارة الفادحة المادية والمعنوية، خسرت والديّ، اللذين ماتا حزنًا عليّ، ولم أحضر عزائهما".

وقال "غريب" "حاولت زوجتي إقناعي بكافة الوسائل للإقلاع عن الإدمان، دون جدوى، كنت أتركها وأولادي كل ليلة للبحث عن جرعة المخدر، وفي ليلة باردة مظلمة، استوقفتني بعد عودتي وتشاجرنا، ودون وعي اعتديت عليها بالضرب، فانفصلنا".

وأوضح أنه كان له تجربة في الإقلاع عن الإدمان، عام 2005، لكنها لم تكلل بالنجاح، إذ عاد مرة أخرى لـ"الهيروين"، لكنه حاول مرة أخرى، عام 2007 في مؤسسة الأصدقاء، فدخل مركز سحب المُخدر، وبدأ رحلة العلاج، والتي كللت بالنجاح، وعادت له زوجته وأبناءه بعد إتمام التعافي.

وأسهب "محمد" "تعافيت منذ 9 سنوات و3 أشهر، حياتنا الحقيقية كمدمنين متعافين تبدأ من ساعة الإقلاع النهائي عن تعاطي المخدر، حينما تشعر أنك غير محتاج له، وغير مشغول به، وتسقط سنوات الإدمان من الذاكرة، وكأن نظام تشغيل جديد تم تحميله في المخ".

لفهمه طبيعة شخصية "المدمن" بعد تجربته المريرة، نجح في أن يرتقي في سلّم العلاج، إلى أن يتولى مهام في المؤسسة التي جرى علاجه فيها، بل وأن يُصبح مديرًا لها، إذ كرّس ما تبقى من عمره لمحاربة الإدمان بكافة أشكاله وأنواعه.

مراحل علاج الإدمان

وعن الحرب التي يقودها ضد "الإدمان"، قال محمد غريب، مدير مؤسسة الأصدقاء لمكافحة الإدمان، إن عصب العملية العلاجية في العالم قائم على المدمنين المتعافين لأنهم الأجدر على التعامل مع سلوك المدمن، وليس كل مدمن متعافي يصلح أن يُصبح معالجًا للمدمنين، ولكي يصل إلى هذه الدرجة، لابد أن يخضع لاختبارات نفسية، ويحصل على كورسات متقدمة، ويُلزم بالحضور في المؤسسات العلاجية، ويوضع تحت اختبار، وتدرج وظيفي، كمتطوع بلا أجر لثلاثة شهور، ثم متطوعًا بأجر، ثم مشرفًا، فنائب مدير، فمدير فرع، ثم مدير علاجي، إلى أن يصل إلى قمة هرم المؤسسة، وقد مررت بكل هذه المراحل.

وأضاف "غريب" أن علاج الإدمان يمر بمرحلتين رئيسيتين، وهذا قبل ظهور المخدرات المخلطة، والتي تُسبب أعراضًا نفسية، إضافًة إلى الجسدية، ومنها الاستروكس والفودو، وبعد ظهورها زادت المراحل إلى ثلاثة مراحل للعلاج، أولها مرحلة سحب المُخدر وتستمر من 10 إلى 15 يومًا، وتُجرى في مركز طبي وتحت إشراف طبيّ كامل دون تدخلٍ إداري، ومرحلة الإعداد النفسي، ويخضع فيها المدمن للعلاج النفسي الدقيق لمدة 6 أسابيع، لأن المرض النفسي من مسببات الإدمان، كما أن الإدمان يؤدي إلى المرض النفسي، ثم المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التأهيل السلوكي، وتجري تحت إشراف المدمنين المتعافين، والأخصائيين الاجتماعيين، والأطباء النفسيين، ثم مرحلة المتابعة طوال العام الأوّل من عمر امتناعه عن المخدرات.

تفاقم الأزمة

وأوضح مدير المؤسسة أن الحكومة وحدها غير قادرة على حل مشكلة الإدمان، فعدد المدمنين وصل إلى 10 ملايين مدمن، والمستشفيات المنوطة بعلاجهم لا تستوعب مليون واحد فقط من هذا الرقم، وبالتالي تلجأ المستشفيات الحكومية إلى قوائم الانتظار، إضافة إلى التشكيك في نظام العلاج المتبّع بداخلها، والذي يعتمد على الموظف أو الممرضين، وليس المتطوعين بدون وجود كنترول يمنع وصول المخدرات للمرضى بداخلها.

وفجّر "غريب" مفاجأة، قائلًا إن المخدرات زمان، كان يحصل عليها الطبقة القادرة، والطبقة الحرفية أو الكسيّبة، ومع انتشارها ورخص ثمنها، أصبحت متاحة لجميع أفراد وشرائح المجتمع، ففي عام 1990 كان جرام الهيروين يزن 300 جنيه، وفي 2018 وصل الجرام منه إلى 80 جنيه، إضافة إلى انتشار أنواع مختلفة، ومختلطة، ومع ارتفاع القوة الشرائية أصبح الـ80 جنيه مصروف شاب في اليوم.

عبقرية مصرية

واستعرض بعض التغييرات التي طرأت على سوق المخدرات موضحًا أن السوق شهد تنوعًا غير مسبوق، إذ كانت المخدرات في السابق تقليدية، أما الآن فتوجد أنواع مثل "الفلاكا" و"الفودو" والاستروكس" والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية، وأشدها فتكًا هو "الاستروكس" وهو مركب مصري، وتركيباته مختلفة، وتأثيره على يختلف من شخص إلى آخر، فالمصريون عباقرة في خلط المخدرات ببعضها للحصول على تركيبة جديدة، ويعتبر هذا المركّب من أخطر الأنواع التي ظهرت في المائة عام الماضية، وبعض تركيباته قد تكون الأولى والأخيرة.

وأضاف أنه وفقًا لإحصائيات دولية، احتلت مصر المرتبة الأولى عالميًا في استخدام الحشيش 2016، وكشفت أن المصريون ينفقون ما يُقارب 50 مليون دولارًا على المخدرات، في حين انخفض سن التعاطي لـ14 عامًا.

استعداد وراثي

ولفت إلى تعدد أسباب الإدمان، وإلى أن البعض لديهم استعداد وراثي للإدمان، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى المعروفة مثل أصدقاء السوء، والبطالة، والتفكك الأسري، والرغبة ففي الهروب، وأوضح وجود برامج متقدمة بالخارج يخضع لها الأطفال وهي برامج التعافي قبل التعاطي، وتقدم للطفل في سن 6 سنوات، لاستكشاف نسبة استعداده للإدمان، وعلاج الأمر مع الأهل.

نهاية الإدمان المحتومة

وأشار محمد إلى أهمية دور الأم، في استكشاف الأمر مبكرًا، مشيرًا إلى وجود علامات على الإدمان، منها وجود تغيير في السلوك، وتغيير في الأصحاب، بحيث يبتعد عن أصدقائه المألوفين له، ويدخل حياته أشخاص جدد، وتغيير ساعته البيولوجية والمرتبطة بساعات نومه وتوقيته، واحتياجه للأموال، وضعف عام في جسمه، والانفعال، والكذب والتبرير، مؤكدًا أن نهايات الإدمان في حالة عدم العلاج معروفة، وهي إما السجن أو المصحة النفسية أو العقلية أو الموت.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان