إعلان

من ألمانيا إلى سيناء عبر القدس.. رحلة نجّار ألماني على ظهر حمار

12:22 ص الخميس 25 أكتوبر 2018

جنوب سيناء – آية السيد:

شغله البحث عن الحقيقة، عن الراحة، عن السعادة، فزهد في الحياة العصرية، وقرر الهجرة إلى أطهر بقاع الأرض، القدس.. إنه كوزمس بيرنهارد، نجّار ألماني مؤمن، قرر الرجل الأربعيني وزوجته خوض رحلة من وطنهما ألمانيا إلى المدينة المقدسة، على ظهري بغل وحمار.

يتجاوز "بيرنهارد" الآن 60 عامًا، وبدأ رحلته قبل نحو عقدين، إذ صنع عربة خشبية، "كارتة"، لتكون له ولزوجته بمثابة بيت متنقل، تضم كل ما يحتاجانه في رحلة طويلة انطلقت عام 1997، من قلب أوروبا، إلى الشرق الأوسط، فاخترق وزوجته بحماره وبغله وعربته غابات النمسا والمجر وبلغاريا وعبر إلى آسيا في تركيا، ومنها إلى سهول سوريا فالأردن ليصل أخيرًا إلى وجهته في القدس فيجد أبوابها موصدة بقرار قوات الاحتلال الإسرائيلي، فغير مسار رحلته ليستقر به المقام في وادي شريج، التابع لمدينة سانت كاترين في جنوب سيناء.

شعر ولحية بيضاء وعيون زرقاء.. راحة نفسية وطمأنينة في مكان طاهر مقدس، بين جبال سيناء الشاهقة، في منزل غرفتين وصالة، ملحقة به حديقة صغيرة بها أشجار الرمان والزيتون والمشمش، وكلب حراسة، فيما غابت الزوجة عن المشهد، رافضة الحديث، أو الظهور، كأنها تُصر على امتلاك خصوصية فريدة أقيم من أي كلام وأي ظهور.

قال "كوزموس" في حديثه لــ"مصراوي": "بدأت رحلتي للوصول إلى القدس عام 1997 وكانت بعض الدول التي أصل إليها تعطيني هدايا تذكارية مازلت أحتفظ بها مررت بالنمسا ومنها إلى المجر ثم رومانيا فبلغاريا وبعدهم تركيا ثم سوريا فالأردن، وهناك حاولت أن أدخل القدس لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي رفضت فقررت التوجه إلى مصر بعدما سألت وعرفت أن سيناء هي أرض مباركة أيضًا، ويوجد مكان كلّم الله فيه موسى النبي، فقررت الوصول إلى هذا المكان، واتضح أنه مدينة سانت كاترين التي تتميز بالجو الروحاني والطاقة الإيجابية .

تابع الرحّالة الألماني: "هنا وجدت السلام والمحبة والهدوء.. هنا التآخي بين الجميع في بلد تجلى فيها الله لنبيه، استقريت بالمدينة، ولم أجد من يعترض على وجودي بها، أنا وزوجتي وحيواناتي كما فعل الإسرائليون بل وجدت آل مسعود، عشيرة من قبيلة الجبالية بسانت كاترين احتضنتني وقدمت لي المساعدة، ومازالت تقدم".

استكمل حديثه قائلًا: هناك تفاصيل كثيرة نسيتها بالفعل لكني مازلت أتذكر وقوف الراحل الملك حسين، ملك الأردن إلى جانبنا، حيث استطعنا دخول القدس بالأتوبيس وبقينا هناك يومين فقط، رفض الإسرائيليون بقاءنا هناك، وعندما عدنا إلى الأردن مضطرين، فشلنا حتى في العودة إلى ألمانيا، فقررنا العبور إلى مصر، لما سمعته عنها خاصة مدينة سانت كاترين، وعندما تأكدت أن المدينة وجبالها مقدسة، هدأت روحي فيها، وشعرت بالسلام الداخلي الحقيقي.

واستطرد الحديث بصوت هادئ "أحب النجارة وأقوم بمساعدة أهل المدينة على تعلم هذه الحرفة المهمة حتى يستطيعون الاعتماد على أنفسهم".

ثلاثة شهور ونصف حتى وصل "كوزمس" مدينة السلام سانت كاترين ليبني منزلًا في وادي من أهم وديان المدينة، البيت تزيد مساحته عن 100 متر بقليل، له حديقة أمامية محاطة بسور من أحجار كاترين، وأسلاك شائكة فوق السور، مكوّن من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ، وفي الخلف يوجد اسطبل صغير للحيوانات، وحديقة مزروعة بأشجار خضراء مثمرة مثل الرمان والتين والزيتون والمشمش وكلب حراسة للمكان.

محمد محمود الجبالي، أحد سكان المنطقة من البدو، قال إن شقيقه "فرج" احتضن الرجل الألماني وزوجته، منذ وصولهما وساعدهما في بناء المنزل بجوار مخيم فوكس، لافتًا إلى قوة علاقتهم بالرجل وزوجته.

وأضاف "الجبالي" أن "كوزموس" اندمج مع الحياة البدائية، والعيش وسط القبائل البدوية، حيث أنه يحصل على الماء من البئر، ويحيى حياة الصحراء التي تتميز بالحرية وعدم الخضوع لتعقيدات التكنولوجيا .

أما الشيخ أحمد أبوراشد، مستشار دير سانت كاترين فقال إن "كاترين" لا تفرق بين أي إنسان وآخر، مهما كان لونه أو دينه طالما يعيش بسلام معنا.

وأضاف "أبوراشد" أن "كوزمس" نموذج للرجل الطيب الذي يعيش في هدوء وسلام، ويساعد أبناءنا في تعلم حرفة مهمة وهي النجارة، يصنع الأبواب والشبابيك لغير القادرين دون مقابل، يحضر احتفالاتنا ومناسباتنا، ويأكل معنا باستمرار، ومازال يحتفظ بعربته الخشبية داخل المنزل، وكل ما حصل عليه من هدايا تذكارية أثناء رحلته من أوروبا إلى هنا.. إلى أرض السلام.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان