بالصور- من العريش للبحيرة.. "المندي" أكلة بدوية اختارت البقاء رغم أنف الإرهاب
البحيرة – أحمد نصرة:
ضاقت به سبل العيش في مدينة العريش بسبب الأحداث الإرهابية، ووجد نفسه مضطرًا لإغلاق مطعمه المتخصص في الأكلات البدوية، لم يكن أمامه الكثير من الخيارات، فكان قراره الحاسم بالانتقال بمهنته إلى مكان آخر أكثر استقرارًا.
من العريش إلى وادي النطرون، انتقل "هاني العرايشي" ومعه أسرته بحثًا عن حياة ومصدر رزق جديدين، ليبدأ على الفور في إنشاء "مفاعل وادي النطرون" وهو ليس مفاعلاً نوويًا بالتأكيد، ولكنه الاسم الذي اختاره ليقدّم من خلاله "المندي"، وهي إحدى الأكلات البدوية القديمة التي تعتمد في طهيها على أفران من نوع خاص، طوّرها وحملها من مسقط رأسه بالعريش إلى مدينة وادي النطرون بالبحيرة.
يقول هاني: "بدأنا هذا المشروع في العريش، وهو الوحيد على مستوى الجمهورية الذي يقدم المندي بالطريقة الصحيحة وبمذاق لا يختلف عن المذاق البدوي الأصيل، ولكن مع عدم استقرار الأوضاع هناك بسبب العمليات الإرهابية، فكرنا في نقل نشاطنا لمكان آخر وكان الاختيار وادي النطرون التي سبق لي العيش فيها وأعرفها جيدا".
ويضيف: "المندي أكلة بدوية كانت تطهى في أفران طينية مدفونة بالأرض، وما فعلناه أننا طورنا هذه الأفران وأدخلنا عليها بعض التعديلات، فجعلناها من الطوب وداخلها تايمر، وبأحجام تستوعب أعدادًا أكبر، فعلى سبيل المثال الفرن من الممكن أن يتسع لـ 30 دجاجة، في حين أن الفرن البدائي التقليدي أو البرميل لا يستوعب سوى 5 دجاجات على الأكثر".
ويستطرد: "هذه الطريقة تعتمد على طهي اللحوم في درجة حرارة عالية تصل إلى 240 درجة مئوية، ويجب أن يكون الفرن محكم الإغلاق حتى لا تحترق اللحوم، فالمهم هنا توفير درجة صهد عالية، وهناك أفران بأحجام مختلفة، فرن للضأن وآخر للرومي وثالث للدجاج، وكل نوع يستغرق وقتًا مختلفًا للتسوية، فالضأن يتطلب 3 ساعات، والرومي ساعتين والدجاج 45 دقيقة.. الخ".
ويوضح العرايشي الطريقة القديمة لعمل المندي داخل الأفران التقليدية قائلا: "يجري تجهيز الطعام بإشعال حطب داخل البرميل، وعند تحوله إلى جمر يوضع اللحم داخل البرميل فوق الجمر بوجود سلة معدنية أو لف الطعام بورق قصدير، ومن ثم إغلاق البرميل بغطائه، وبعدها وضع الرمل أو التراب فوق الغطاء بما يتوازى مع سطح الأرض، ويؤدي الإغلاق المحكم للبرميل إلى منع دخول الهواء، وبقاء الحرارة الشديدة، فينضج الطعام عن طريق الحرارة العالية".
وحول طعم اللحوم المطهوة بهذه الطريقة، قال إنه يختلف اختلافًا جذريًا عن طعم اللحوم العادية، لافتا إلى أن من يتذوقها يدرك الفارق ولا يقبل بعد ذلك أن يأكل سواها، ولصنع المندي يتبل اللحم بالإضافات قبل وقت مناسب من بدء الطهي، ثم يعلق في السيخ داخل الفرن، ومن أسفله الأرز وبهذه الطريقة يندى الدهن من اللحم وينساب إلى الأسفل على الأرز أو الفريك، وكلما كان اللحم دسمًا كلما كان الطعم أفضل.
ويشرح العرايشي: "حاولنا في مشروعنا تقديم تجربة تتيح لصاحبها معايشة البيئة البدوية تماما، فبخلاف الطعام، جرى تجهيز المكان كله بديكورات بدوية ويستطيع كل شخص صنع الشاي بنفسه بالطريقة التقليدية على الجمر".
ويختتم العرايشي حديثه قائلا: "واجهت وأسرتي بعض الصعوبات في البداية، كان أبرزها عدم تأقلم ابني وابنتي مع مدارسهما الجديدة وحزنهما على مغادرة العريش، ولكن الأمور أصبحت أفضل وأكثر استقرارًا، وتعودنا على الحياة هنا بفضل أهل البحيرة الكرماء، الذين كانوا أكثر من أهل لنا".
فيديو قد يعجبك: