إعلان

مصر التي لم يحكمها الدولار.. مصانع الستينيات يأكلها الصدأ -(تحقيق)

10:09 م السبت 29 أكتوبر 2016

تحقيق وتصوير - محمد عامر ومحمد أحمد:
أمة تأكل مما تزرع لا يحكمها "الدولار".. هذا ما أدركت دول وصلت بماكيناتها إلى الاستغناء، وهذا ما حلمنا به يومًا فكانت الستينيات من القرن الماضي شاهدًا على خطوات جادة إلى نهضة صناعية حقيقية، أخفت الألفينيات ملامحها تمامًا، فتوارت صروحًا عاشت منتجاتها في ذاكرتنا لسنوات.

مصنع المنظفات ينتج مزيلات دم وبقع يعتمد عليها عدد من مستشفيات الجمهورية

ما إن تطأ قدماك منطقة السيوف شرقي محافظة الإسكندرية إلا وتصدمك الدهشة بفعل الصمت الساكن حاليًا مصانع الشركة "المصرية للنشا والخميرة والمنظفات"، التي كانت يومًا صرحًا تختلط داخله أصوات ماكينات مدت السوق المحلية بمنتجات كان بعضها "نجم شباك" والبعض الآخر شريان حياة لعدد من الصناعات الأساسية.

أصحاب "رابسو وزال"
"رابسو وزال" أشهر منتجات مصنع المنظفات التابع للشركة، والمسؤول عن إنتاج 28 نوعًا مختلفًا من مساحيق الغسيل وسوائل المنظفات، إلا أنهما ليسا الأهم إذا ما قورنا بالمنتجات المخصصة للمستشفيات، حسبما يؤكد رئيس الشركة المحاسب محمد عبد الباقي، موضحًا أن المصنع ينتج مزيلات دم وبقع يعتمد عليها عدد من مستشفيات الجمهورية لقلة تكلفتها، منها منتج "نيستابون" على سبيل المثال الذي تفوق في كفائته على مُثله من المنتجات المستوردة، بعبوتيه زنة 3 كيلو بسعر 30 جنيه، والـ 750 جرام بسعر 7,5 جنيه.

المصنع الوحيد في مصر
وتمتلك الشركة أيضًا مصنعًا للنشا، هو الأكبر في مجموعتها والوحيد من نوعه في مصر المهيأ لاستخلاص وصناعة النشا من الأرز، كما يقول رئيس الشركة، متحدثًا عن نوعين من النشا ينتجمهما المصنع أحدهما للطعام باسم (كريستال والفراشة)، والثاني صناعي تحت اسم (إميدال)، يستخدم في مصانع الغزل والنسيج والمطابع الورقية والحبال والغراء.

مصنع النشا الوحيد من نوعه في مصر المهيأ لاستخلاص وصناعة النشا من الأرز

البنك المركزي يعتمد علينا
أما مصنع الكيماويات، فينتج تركيبة خاصة من "الزيت التركي الأحمر" لصالح البنك المركزي، تستخدم في تثبيت ألوان طباعة العملات الورقية والحفاظ عليها من عوامل التآكل والظروف البيئية. كما أن المصنع ينتج عددًا من المواد الأخرى المساعدة في تخصصات مصانع أخرى منها "المحلة، والعامرية للغزل والنسيج، وأبو قير للأسمدة"، ما يوفر -حسبما يؤكد رئيس الشركة- فائضًا للدولة يغني عن الاستيراد بنسب تتراوح ما بين 12 و20%. وهذا كله إلى جانب المعجون الخاص بطلاء السفن الذي يحميها من التآكل والعوامل البيئية المختلفة التي تواجهها في البحار.

65 % من سوق الخميرة
وعلى الجانب الآخر، فإن مصنع الخميرة كان مسيطرًا في الماضي على نحو 65% من السوق المحلي، إلا أنه تراجع إلى 25%، بفعل المنافسة الشرسة من بعض شركات القطاع الخاص الأجنبية التي دخلت السوق المحلية بتقنيات حديثة وعالية أرهقت المصنع المحلي الذي أسس في العام 1927، ولم يشهد أي تطوير في ماكيناته إلى الآن.

ويضيف محمد عبد الباقي -رئيس الشركة- "بعد أن كنا ننتج ألف طن شهريًا صرنا ننتج 400 طن فقط، رغم أن السوق المحلي يحتاج إلى نحو 1200 طن من الخميرة كل شهر. نعمل حاليًا بـ 40% من طاقتنا الإنتاجية على الرغم من تميزنا بإنتاج الخميرة الطازجة على عكس المنافسين من الصين وفرنسا الذين ينتجون الخميرة الجافة ويروجون الشائعات حول مصير شركتنا وأنها على وشك الإغلاق".

الشركة تفتقد ميزانيات الدعاية فى التليفزيون أو الراديو أو حتى الصحف

ولا يقتصر الحال السيئ على مصنع الخميرة فقط وإنما تعاني مصانع الشركة الثلاثة الأخرى عدة أزمات رئيسية، إذ وصل الإنتاج في مصنع النشا إلى 150 طنًا فقط مقابل 300 طن، متأثرًا بتدهور صناعة الغزل والنسيج التي اعتمدت بشكل كبير عليه، فضلاً عن تفاوت أسعار الأرز الذي كان عاملاً أيضًا في زيادة حجم الفجوة بين قدرات المصنع ومنافسيه من المصانع الأخرى التي تعتمد في صناعتها على الذرة لثبات أسعارها.

كما أن إنتاج مصنع الكيماويات بات يقتصر حاليًا على "الطلبيات" القادمة من الجهات المختلفة، ونسي الإنتاج المتواصل بسبب الأزمة التي تعانيها مصانع الغزل والنسيج.

"فيسبوك" المتنفس الوحيد
مواقع التواصل الاجتماعي هى المتنفس الوحيد للدعاية لمنتجات الشركة، يؤكد محمد عبد الباقي -رئيس الشركة- على عدم وجود ميزانيات للدعاية فى التليفزيون أو الراديو أو حتى الصحف، مضيفًا بالقول "طبعًا فيسبوك غير مجدي بالمرة.. لأن المنتجات غير متوفرة فى السوق بالشكل الكافي بعد أن تراجع الموزعين عن شرائها وطرحها فى الأسواق"، وعلى الرغم من دخول بعض المنتجات إلى منظومة التموين إلا أن ذلك أثر بالسلب على الشركة، وذلك لأن الدكتور خالد حنفى وزير التموين –وقتها- قرر بيع الكيلو من "الرابسو" بسعر موحد 5 جنيهات، دون مراعاة فرق التكلفة وزيادة الأسعار والأجور"، على حد قوله "عبدالباقي".

وفجّر رئيس الشركة مفاجأة قائلاً "إن الشركة نفذت عمليات توريد لمنتجاتها في منظومة التموين بقيمة 17 مليون جنيه، لم تتحصل منها سوى على 6 ملايين جنيه فقط"، ما دفع الشركة إلى التوقف عن مدّ منظومة التموين بأي منتجات من مصانعها، بعد إجبارها على بيع منتجات بأقل من قيمة التكلفة الأصلية لها بنسب تتراوح بين 20 إلى 30 %. وأشار "عبدالباقي" إلى أن منظومة التموين كبدّت الشركة خسائر فادحة بدلا من أن تساعد فى عودة المنتجات بالأسواق، وأعطت ميزات أفضل للشركات المنافسة، وذلك رغم أنه من المفترض أن تدعم وزارة التموين الشركات التي تتبعها.

الشركة تكبدت خسائر بلغت 33 مليون جنيه فى العام المالى الماضى فقط 

الخميرة والمنظفات والدولة
"الدولة المسؤول الأول عن منح الدعم، وإذا قررت دعم الشركات والمصانع التابعة لها بالدعاية اللازمة حتى لو من خلال وسائل الإعلام الحكومية بالإضافة لتوفير الآليات الكافية لتداول منتجات الشركة.. أو حتى مساعدتنا فى الحصول على توريدات الجيش والشرطة وقطاعات مصلحة السجون باعتبارها أكبر قطاعات مستخدمة للمنظفات والخميرة".. كلمات بدأ بها المحاسب شكري يحيى، العضو المنتدب المالي والإداري للشركة المصرية للنشا والخميرة والمنظفات، حديثه مع مصراوى.

وأضاف "يحيى" أن الشركة تكبدت خسائر بلغت 33 مليون جنيه فى العام المالى الماضى فقط، مرجعًا ذلك إلى الزيادات السيادية – الصادرة بقرارات الدولة - في أجور العاملين، فضلا عن زيادة عناصر التكلفة في الكهرباء والماء والغاز، وزيادة أسعار الخامات ومستلزمات الإنتاج خاصة المستوردة منها مع الأخذ في الاعتبار بفارق سعر العملة.

وأشار إلى أن من أسباب الخسائر أيضًا ثبات حوافز الإنتاج شهريا ، حيث أصبحت الحوافز عنصر ثابت مثله مثل الأجور الأساسية، بغض النظر عن حجم الإنتاج نفسه أو عن تقييم أداء العاملين، بالإضافة إلى كساد صناعة الغزل والنسيج التي أدت لتوقف مصنعين هما مصنع النشا و مصنع المواد المساعدة، حيث تم تخفيض الإنتاج في المصانع لتعمل بطاقة إنتاجية 20% فقط، وكذلك والمنافسة الشرسة في سوق المنظفات.

محاولات لفتح باب التصدير
وحول وجود أسواق خارجية لمنتجات الشركة، كشف "يحيى" عن وجود محاولات لفتح باب لتصدير للمنظفات لعدد من الدول الإفريقية والعربية، منها فلسطين، معترفا بوجود صعوبات فى ذلك لكون الشركة غير قادرة على المنافسة في الخارج في حالة عدم توافر خطة للإنقاذ وتحديث المصانع.

الناس يتعاملون مع منتجات رابسو وزال باعتبارها ماتت وانتهت وهذا يرجع لقيود الدولة

وردًا على سؤال سبب إختفاء المنتجات الشهيرة للشركة ومنها "رابسو" و"زال"، أوضح أن الشركة لا تمتلك سوى 4 فروع فى القاهرة والإسكندرية فقط، وبعض المتاجر الشهيرة تفرض شروط لعرض منتجات الشركة، منها معاملة المنتجات على أنها منتجات مغمورة أو غير معروفة للمستهلك رغم أن منتجات الشركة أقل في التكلفة وأعلى في الجودة.

وأضاف العضو المنتدب للشركة: "بعض الناس يتعاملون على أن منتجات مثل "رابسو" و "زال" ماتت وانتهت، وهذا يرجع لقيود الدولة، وإن حاولت الشركة عمل دعاية يتم محاسبتها من الدولة وكأنه إهدار للمال العام بدعوى وجوب خضوع تلك الإجراءات للروتين"، مطالبًا الحكومة بدعم الشركة لمدة عامين فقط للرجوع للسوق ولكسب ثقة المستهلك.

جولة "مصراوي" فى مصنع المنظفات والتي رافقنا خلالها كلا من المهندس أحمد عبد العزيز رئيس قطاع مصنع المنظفات، والمهندس صفوت صبحي مدير عام المصانع، كانت وحدها كافية لنعرف سر عدم وجود"رابسو" وغيره من منتجات الشركة في الأسواق، فالمواد الخام التي كان يتم تصنيعها داخل الشركة، أصبح يتم استيرادها من الخارج، فيما أصاب وحدات إنتاج المعجون الصوديومي الصدأ.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان