إسرائيل تغيرت منذ ولاية دونالد ترامب الأخيرة، فهل تغيّر هو؟
بي بي سي
أحدث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تأثيرًا في الشرق الأوسط حتى قبل أن يبدأ ولايته الثانية كرئيس، إذ استطاع التغلب على أسلوب المماطلة الذي استخدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتعاون مع شركائه في الائتلاف القومي المتطرف، لتجنب قبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن على طاولة المفاوضات في مايو الماضي.
ويبدأ ترامب ولايته الثانية مدعيًا الفضل، مع مبرر منطقي، يتمثل في تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إذ تمكن من الضغط على إسرائيل لقبول الاتفاق، الشئ الذي لم تفعله إدارة الرئيس بايدن والتي استمرت في الضغط على حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى بدلًا من ذلك.
ومن ناحية أخرى، يواجه نتنياهو أزمة في الائتلاف الحكومي، ففكرة التوصل إلى صفقة مع حماس تعتبر مرفوضة تمامًا بالنسبة للقوميين المتطرفين، ومن أبرزهم وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، الذي أكد أن حزبه "القوة اليهودية" لن يستمر في دعم الحكومة إلا إذا استؤنفت الحرب، وقطعت جميع المساعدات عن غزة، وتم تدمير حماس. وإذا لم يتم ذلك، فسوف يستقيل.
وفي المقابل، فإن ذلك لن يكون له أي أهمية بالنسبة لدونالد ترامب. فقد كشفت المساعي من أجل وقف إطلاق النار في غزة أن ترامب سيعطي الأولوية لمصالح رئاسته على المتطلبات السياسية لرئيس وزراء إسرائيل.
ومن جهة أخرى، كان بايدن على استعداد للمخاطرة بأصواته في الولايات المتأرجحة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بسبب تصميمه على دعم إسرائيل، رغم قلقه من الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة وحرمانهم من الغذاء والدواء والرعاية والمأوى والمياه النظيفة.
وعقب فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر الماضي، ساد الفرح في أوساط اليمين القومي الإسرائيلي، معتقدين أنه سيمنحهم مزيدًا من الحرية مقارنة بما منحه بايدن. إلا أن الواقع قد يكون أكثر تعقيدًا من ذلك، فإسرائيل التي تركها ترامب خلفه عند مغادرته منصبه في عام 2021 قد لا تكون هي نفسها الدولة التي سيواجهها عندما يعود إلى الرئاسة.
لحظة تقسيم الشاشة
ظهرت أولى العلامات حول كيفية تعامل ترامب مع الشرق الأوسط كرئيس - والاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من ذلك - في يوم صيفي حار خلال العام الثاني من ولايته.
على أحد جوانب شريط الأخبار، كان يظهر الزوجان الأكثر شهرة في إدارة ترامب: الإبنة الأولى إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، الذي شغل أيضًا منصب كبير مستشاري الرئيس. وكانا يشاركان في حفل افتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في القدس.
وكان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من أبرز وعود حملة ترامب الانتخابية، التي كانت موجهة بشكل خاص إلى المسيحيين الإنجيليين الذين يشكلون جزءاً كبيراً من قاعدته الانتخابية.
بالنسبة للجمهور المتحمس من السياسيين الإسرائيليين والمتبرعين الأمريكيين الأثرياء لدونالد ترامب وإسرائيل، كان حضور إيفانكا وجاريد بمثابة التتويج لحلم طال انتظاره.
وعلى الجانب الآخر من الشاشة، كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار على غزة لقتل وجرح الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون اختراق السياج الحدودي.
ما أدى لاستشهاد ما بين 50 إلى 60 فلسطينيًا في ذلك اليوم، وإصابة عدد كبير بجروح خطيرة ، جاء ذلك في حدث أطلقت عليه حركة حماس اسم "مسيرة العودة الكبرى"، التي شهدت مشاركة الآلاف.
وكانت مجموعات صغيرة، أغلبها من الشبان، تتقدم نحو السلك الشائك. وعلى بعد نحو كيلومتر واحد، كان هناك الآلاف من المتظاهرين السلميين. كانت العائلات تتنزه على الرمال، وصرخوا وهربوا عندما قصفتهم الطائرات الإسرائيلية بدون طيار بالغاز المسيل للدموع.
ومن المؤكد أن قادة حماس استنتجوا أن الاحتجاجات الجماهيرية لن تكون كافية لاختراق إسرائيل.
في الـ7 من أكتوبر 2023، وفي هجوم أكبر وأكثر تنظيمًا فاجأ إسرائيل، تمكنت حماس من اختراق الحدود. وقتل مقاوميها حوالي 1,200 من الإسرائيليين، وأخذوا 251 آخرين أسرى إلى غزة.
وفي الحرب التي تلت ذلك، انتقمت إسرائيل بشكل مروع، حيث دمرت معظم أنحاء غزة وقتلت حوالي 50 ألف شخص، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
وفي المقابل، تصر إسرائيل على أن هذه الأرقام مبالغ فيها. ومع ذلك، تشير دراسة جديدة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية قد تكون قد أعلنت عن "نسبة وفيات أقل بنسبة 41 % من الرقم الفعلي".
جميع الرؤساء الأمريكيين يدعمون إسرائيل، لكن الدرس الذي استخلصه اليمين الإسرائيلي من جانبهم في الشاشة المنقسمة هو أن دونالد ترامب سيكون متساهلًا بشكل غير عادي.
ترامب المثير للاضطراب
أظهر نقل السفارة أن ترامب كان مستعدًا لتحدي الحكمة التقليدية التي كان يراها عائقًا أمام مصالح الولايات المتحدة.
تخلى ترامب عن السياسة التي يتعبها حلفاء إسرائيل الغربيين ومعظم الدول الأخرى، التي كانت تحتفظ بسفاراتها في تل أبيب حتى يتم تحديد الوضع الدائم للقدس من خلال اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
جاء الاحتفال بافتتاح السفارة بعد أسبوع من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، الذي وصفه ترامب بأنه "أحد أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازاً التي أبرمتها الولايات المتحدة على الإطلاق".
وكان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني بمثابة خاتمة مميزة لحملة طويلة قادها نتنياهو.
وفي مارس 2019، ذهب دونالد ترامب خطوة أبعد عندما اعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وهي الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل منذ حرب 1967.
ويختلف هذا الاعتراف بضم إسرائيل للجولان عن الإجماع الغربي منذ الحرب العالمية الثانية الذي يقضي بعدم جواز استيلاء الدول على أراضٍ عبر العمل العسكري.
إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط
وقد اتفقت إدارة بايدن على أن مفتاح الوصول إلى صفقة كبرى قد تغير الشرق الأوسط لا يكمن فقط في قبول العالم العربي لإسرائيل، بل في قبول إسرائيل بحقوق الفلسطينيين.
في 14 يناير، بينما كان يستعد لترك منصبه، أوضح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، هذا الموقف في خطاب ألقاه أمام المجلس الأطلسي في واشنطن. بلينكن، المعروف بتأييده القوي لإسرائيل، الذي قاطع خطابه في وقت سابق معترضون اتهموه بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وجه انتقادات شديدة لإسرائيل.
وقال: "على الإسرائيليين أن يحددوا نوع العلاقة التي يريدونها مع الفلسطينيين. ولا يمكن أن يستمر هذا الوهم بأن الفلسطينيين سيقبلون بأن يكونوا شعباً بلا حقوق وطنية."
وأضاف بلينكن، "7 ملايين يهودي إسرائيلي وحوالي 5 ملايين فلسطيني متجذرون في نفس الأرض، ولن يذهب أي منهما إلى أي مكان."
وأشار إلى أنه "على الإسرائيليين أن يتخلوا عن الوهم القائل بأنه يمكنهم تنفيذ الضم الفعلي دون أن يتحملوا تكاليف أو عواقب على ديمقراطية إسرائيل ومكانتها وأمنها."
كانت عمليات الضم الفعلي والمجاني هي تحديداً ما يطمح إليه العديد من اليمينيين الإسرائيليين المتشددين، خاصة وأن دونالد ترامب ليس من المؤيدين للفلسطينيين، لكن حلفاءه الغربيين يأملون أن يكون ترامب أكثر مرونة في المفاوضات مقارنة بجو بايدن.
ويعتبر السلام في الشرق الأوسط من أعظم المكاسب في الدبلوماسية العالمية، حيث إنه لا يزال بعيد المنال في الوقت الراهن.
فيديو قد يعجبك: