بعد إدانة نجل بايدن.. ما القوانين التي تنظم حيازة الأسلحة بالولايات المتحدة؟
كتب- محمود الطوخي
سلّط القرار الصادر عن محكمة فيدرالية أمريكية، اليوم الثلاثاء، بإدانة هانتر بايدن نجل الرئيس الأمريكي في تهمة حيازة سلاح ناري بشكل "غير قانوني"، الضوء على ظاهرة انتشار الأسلحة النارية وتقنين حيازتها في الولايات المتحدة من جديد.
ومنذ سنوات عدة شكّلت ظاهرة انتشار الأسلحة النارية، معضلة للإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي يتضح حجمها من قول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما خلال مقابلة مع "بي بي سي" في عام 2015: "إنه أكثر ملف أحبطني، فالولايات المتحدة هي البلد المتقدم الوحيد الذي لا يملك قوانين (منطقية) لحماية المواطنين من عنف السلاح".
وفي عام 2022 أشارت تقديرات المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية، إلى أن الأسلحة النارية كانت سببا رئيسيا في موت الشبان الأمريكيين؛ إذ أن ما يقرب من 30% من الوفيات كانت نتيجة لحوادث إطلاق النار.
وتُقدّر أعداد الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، بنحو 393 مليون سلاح، في بلد يبلغ تعداد سكانه قرابة 341 مليونا 697 ألف مواطن، كما تتمتع بأعلى نسبة أسلحة مخصصة للأفراد بما يقرب من 120 سلاحا لكل 100 فرد، ما يفسر أعداد ضحايا العنف المسلح التي تبلغ حوالي 21000 شخصا كل عام، وفقا لتقديرات عام 2022.
وبالرغم من ذلك، فشلت الإدارات الامريكية المختلفة في إقرار تشريع يحد من انتشار تلك الأسلحة أو ينظم حيازتها من قبل المدنيين؛ حيث يكفل الدستور الأمريكي "الحق للمواطنين في حمل وتملك الأسلحة للدفاع عن النفس".
بينما طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الكونجرس في أبريل الماضي، بتشديد الرقابة على الأسلحة في أعقاب حادث إطلاق نار بولاية كارولينا الشمالية، ما أسفر عن مقتل 4 من عناصر الأمن وإصابة 4 آخرين.
نواة الأزمة
على الجانب الآخر، يعتمد مناصرو الحق في حمل السلاح داخل الولايات المتحدة، على التشريع الثاني للدستور الأمريكي والذي ينص على "إن وجود ميليشيا منظمة هو أمر ضروري لحفظ أمن ولاية حرّة، لذا.. فإن حق المواطنين في حيازة أسلحة وحملها لا يجب انتهاكه".
وقد أثار التعديل الثاني، جدلا واسعا في المجتمع الأمريكي منذ صياغته في عام 1789؛ إذ اختلف المؤيدون والمعارضون على نَص التشريع، فقد رأى مؤيدوه أنه يعطي حقا فرديا للمواطنين ليجعل أي تدخل حكومي "غير قانوني"
كما يتذرع المؤيدون بأن حمل السلاح يندرج تحت مظلة الدفاع عن النفس وكذلك ممارسو رياضات الصيد، مشددين على أن حيازة المواطنين للأسلحة يحول دون ارتكاب الجرائم.
فيما ذهب معارضو التشريع إلى أنه ينظم حمل السلاح من خلال الولايات الأمريكية المختلفة دون تدخل من الكونجرس كسلطة فيدرالية، مؤكدين أن عدم تنظيم تداول الأسلحة يعرقل الجهود الحكومية لتنفيذ مهامها.
المحكمة العليا الأمريكية
تضطلع بعض الولايات الأمريكية بتحديد طرق حيازة الأسلحة، غير أن المحكمة العليا الأمريكية لم تكن فصلت بشكل حاسم في الأمر حتى عام 2008؛ إذ تجلّى قرارها بشكل غير مباشر، حينما أصدرت حكمها بإحدى القضايا مستشهدة بأن "التعديل الثاني" للدستور يحفظ حق الفرد في حيازة السلاح، كما يضمن حقه في استخدامه بطرق قانونية كالدفاع عن النفس.
الكونجرس ومواجهات جمهورية ديمقراطية
عقب اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي في ستينيات القرن الماضي، طرح الكونجرس عام 1976 قانونا لتنظيم حمل الأسلحة، يقصر نقل الأسلحة بين الولايات المختلفة على المصنّعين المعتمدين وتجار الأسلحة والمستوردين، كما يحظر بيعها لجماعات محظورة.
لكن بعد نحو 10 سنوات، مرر الكونجرس قانون "حماية حائزي الأسلحة" والذي شكل مضادا للتحايل على القانون الأول أو أبطل مفعوله من الأساس، مدفوعا بضغوط من جمعية البنادق الوطنية التي حظيت بنفوذ واسع آنذاك، رغم أنه حظر تملّك البنادق الآلية غير المسجلة.
محاولات الكونجرس لم تتوقف، إذ عاود في عام 1989 تمرير قانون جديد لحظر الأسلحة الهجومية، يُمنع بموجبه تصنيع ونقل الأسلحة الهجومية شبه الآلية ومخازن الذخيرة كبيرة السعة للمدنيين، إلا أن مهلة سريان القانون انتهت عام 2004 وعجز عن تجديدها.
قانون برايدي
في عام 1993، أقر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قانون "برايدي لمنع عنف الأسلحة"، والذي يستلزم التحقق من الخلفية الجنائية لمن يسعون لحيازة الأسلحة، ما أدى إلى منع المُدانين والقصّر من شرائها.
لكن القانون لم يشمل 40% من مبيعات الأسلحة، حيث تتم بين أشخاص على مواقع إلكترونية خاصة تلعب دور الوسيط بين الطرفين، ولأن القانون لا يصل سوى للتجار المرخصين.
فشل أوباما
بدوره، حاول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، إصدار تشريع ينظم تداول الأسلحة وحيازتها في عام 2013، عبر إدخال عدة تعديلات على "قانون برايدي" وتصحيح القصور في آلية التحقق من الخلفية الجنائية.
لكن جهوده فشلت في النهاية، في ظل عجز المجلس التشريعي عن إقرار قانون يدعم خطته نتيجة الانقسامات الحزبية وضغوط جماعات الأسلحة نافذة السلطة، ما أثار غضب أوباما والذي اتضح من خلال حديثه لـ "بي بي سي" في 2015: "إن عدد من قُتلوا في هجمات 11 سبتمبر أقل من 100 فرد، بينما أعداد من قُتلوا في أعمال عنف الأسلحة تُقدّر بعشرات الآلاف، عدم مقدرتنا على حل تلك القضية يقلقني للغاية".
ترامب وقضية السلاح العابرة
شهد عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حادثتي إطلاق نار ترددت أصداؤهما في جميع الولايات الأمريكية، ما أجبره على حظر كافة الأجهزة التي تحوّل الأسلحة المسموح بحيازتها إلى بنادق آلية، بعد أن استخدمه أحد مرتكبي الحادثين.
وقد أصدرت وزارة العدل الأمريكية أمرا تنفيذيا يوجب تطبيق الحظر على تلك الأجهزة في عام 2018، دون طلب موافقة الكونجرس.
وعلى الرغم من ذلك، فإن جهود ترامب لم تكن تسعى إلى حظر تداول الأسلحة أو تنظيمها بشكل عام.
لوبي الأسلحة الأمريكي
تعتبر جمعية البنادق الوطنية الأمريكية "إن آر إيه"، أحد أسباب الإخفاق الرئيسية في إقرار قانون ينظم حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة، نظرا لما تتمتع به من نفوذ داخل المجلس التشريعي في الكونجرس.
وكان السبب الرئيسي لتأسيس الجمعية في عام 1871، هو الترويج لحيازة الأسلحة، إلى أن اتجهت إلى الدخول في عالم السياسة وتلاقت أهدافها مع الحزب الجمهوري عام 1970، إذ موّلت الحملات الانتخابية لعدد من المرشحين المؤيدين لامتلاك الأسلحة.
وكان على رأس قائمة من تلقوا مساعدات مادية من الجمعية، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فقد تلقت حملته الانتخابية أكثر من 30 مليون دولار من الجمعية.
ودلالة على سطوتها داخل الكونجرس، توضح أرقام صادرة عن مراكز بحثية، أن 88% من الجمهوريين و11% من الديمقراطيين، حصلوا على إسهامات من الجمعية خلال فترات عملهم السياسية، كما قدمت تبرعات لما يزيد عن 50% من أعضاء الكونجرس.
كذلك سعت الجمعية الأمريكية التي لم تخسر أي مواجهة تشريعية منذ عام 1994، إلى فصل "حق حيازة الأسلحة" عن سوء استخدامها في حوادث إطلاق النار، حيث اتجهت إلى الترويج لفكرة تسليح الأساتذة بالمدارس، والتي لقيت انتقادات كبيرة.
الولايات الأمريكية وتفاوت التشريعات
لا تتفق جميع الولايات الأمريكية في قانون موحّد ينظم حيازة الأسلحة أو تداولها بين المدنيين، إذ أن 32 ولاية تسمح بحمل الأسلحة علانية بدون ترخيص، بينما تمنع 6 ولايات ذلك وهي (فلوريدا - مقاطعة كولومبيا - كاليفورنيا - نيويورك - كارولينا الجنوبية – إلينوي).
فيما تستوجب 13 ولاية أخرى ترخيصا لحمل الأسلحة أو حيازتها وهي (أوكلاهوما – مينوسوتا – ماريلاند – تينيسي – ماساشوستس – نيوجيرسي – جورجيا – هاواي – أيوا – يوتا - رود إيلاند – إنديانا – تكساس).
فيديو قد يعجبك: