لماذا تخلت إيران عن بشار الأسد؟
كتبت- سلمى سمير:
بعد انهيار نظام الرئيس بشار الأسد الذي قامت ثورة قبل أكثر من 10 أعوام لإسقاطه، يظهر صدع واضح في الدعم اللامتناهي الذي تلقاه الأسد من أجل البقاء على كرسي الحكم، وعلى رأس هذا الصدع يبرز الدور الإيراني الذي يُعتقد أنه رفع يده عن الرئيس ولم يعد قادرًا على تقديم مزيد من الدعم لأجل إبقائه في السلطة.
تجددت الاشتباكات في سوريا بعد هدوء دام عدة سنوات بين الفصائل المسلحة التي تزعمتها جبهة "تحرير الشام" وبين الجيش السوري وحيدًا هذه المرة دون أي دعم آخر إلى جانبه، وهو ما لم يلبث حتى أعلن انسحابه من عدد من المدن السورية بعد اشتباكات مسلحة انتهت أخيرًا اليوم بدخول العاصمة السورية دمشق في وقت مبكر وإذاعة بيان النصر.
كانت إيران الداعم الرئيسي للأسد طوال سنوات الحرب، التي هدأت قبل نحو 4 أعوام، حدث فيها الكثير، مما يدفع التساؤل عن استمرار قوة العلاقة السورية الإيرانية وما إذا كانت إيران تخلت عن كونها الحليف القوي للأسد بسبب عدد من المتغيرات.
فتور سوري
لعبت طهران دورًا فاعلًا في استمرار بشار الأسد في سدة الحكم رغم المطالب الواسعة بإسقاطه، فدعمت إيران النظام بإرسال مستشارين عسكريين وقوات خاصة من الحرس الثوري الإيراني لتقديم الدعم الفني والتكتيكي للقوات السورية، كما لعبت الأذرع الإيرانية المدعومة من إيران، مثل حزب الله اللبناني، دورًا محوريًا في معارك حاسمة.
لكن تلك العلاقة التي شهدت استقرارًا لوقت طويل، بدأت تضعف، بسبب عدد من العوامل الجيوسياسية والاستراتيجية، رغم كونها أحد أبرز الداعمين لنظام الأسد خلال الحرب السورية، بسبب عدد من العوامل أهمها تراجع النفوذ الإيراني في دمشق، مع تزايد المؤشرات القوية التي تؤكد تقليص التواجد الإيراني في سوريا بما في ذلك إغلاق مدارس إيرانية حيث أغلقت دمشق مؤسسات تعليمية وثقافية تديرها إيران، مثل المدارس التي كانت تُستخدم لتعزيز النفوذ الثقافي الإيراني، وهي الخطوة التي أثارت استياء طهران، وذلك بحسب صحيفة "ذا سبيكتاتور"البريطانية.
إضافة لذلك، أبدت دمشق مظاهر عدم الترحيب لطهران، خاصة لدبلوماسييها، وذلك بتقليص مسؤولي الجمهورية الإسلامية الذين كانوا يعتبرون العاصمة السورية موطنهم، ودليل ذلك التشديد في منح الإقامات للإيرانيين حيث تراجعت قوات الأمن السورية عن منح الموافقات على إيجارات سكنية للمستأجرين الإيرانيين.
منذ اندلاع الحرب السورية، كانت قوات الأمن السورية تقوم بـ "عملية فحص أمني" لأي شخص يحاول استئجار مسكن في دمشق، وهي الإجراءات التي شملت لاحقًا المواطنين الإيرانيين الذين وجدوا صعوبة بالغة إن لم تكن مستحيلة في الحصول على موافقة لإدراج أسمائهم في عقد إيجار، بل وصل الحال بأن تجولت قوات الأمن السورية من باب إلى باب في أحياء دمشق تسأل أصحاب المنازل عما إذا كانوا يؤجرون لمواطنين إيرانيين.
إضافة لذلك عملت دمشق على إعادة هيكلة التحالفات السورية بتقليل اعتمادها على الوجود الإيراني، خاصة في المناطق الحساسة مثل العاصمة دمشق، والاتكاء بشكل أكبر على الوجود العسكري الروسي والذي أصبح أكثر بروزًا.
التحديات الأمنية المتزايدة
خلال الآونة الأخيرة شهدت سوريا عدد من الهجمات الجوية الإسرائيلية، استهدفت مسؤولين إيرانيين بعينهم، إضافة للعملية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل الماضي، والتي قُتل على إثرها عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني وهي الخطوة التي أعقبتها الرد بهجوم إيراني مباشر على إسرائيل للمرة الأولى في التاريخ، توترت العلاقات بين إسرائيل وإيران بعدها بشكل متسارع وكبير.
إضافة لذلك استمرت إسرائيل بشكل مكثف في استهداف المواقع العسكرية والمنشآت الإيرانية داخل سوريا، بما في ذلك قواعد ومستودعات أسلحة للحرس الثوري الإيراني والأذرع المدعومة من طهران، وهو ما تسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة، ويُعتقد أن السلطات السورية قد تكون ساهمت في الكشف عن بعض المواقع الإيرانية، مما أدى إلى توتر الثقة بين الطرفين، وذلك بحسب صحيفة "نيوز لاينز مجازين" الأمريكية.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن تكرار الضربات الإسرائيلية التي تزايدت حدتها خلال عام 2024، أضعفت قدرات إيران اللوجستية والعسكرية في سوريا.
التغيرات الاقتصادية والسياسية
سعى نظام بشار الأسد مؤخرًا إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية خاصة الخليج، والتوقيع على عدد من اتفاقيات التطبيع، والذي لا يخفى توتر العلاقات بينه وبين إيران، والتي سعت دمشق في ضوئه إلى تقليل الاعتماد على إيران لتجنب الصدام مع جيرانها العرب، الذين يعارضون النفوذ الإيراني في المنطقة.
إضافة لذلك أراد الأسد إعادة تأهيل نظامه إقليميًا ودوليًا لتحسين العلاقات السورية مع الدول الخارجية خاصة في وضع اقتصادي هش تشهده سوريا وارتفاع متسارع في أسعار السلع الغذائية وانهيار كبير لسعر الليرة السورية، وهو ما كان سيكون عبئًا إضافيًا على دمشق، في حال أبقت على علاقات وطيدة مع إيران، لذلك اتخذت خطوات جدية لتحسين علاقاتها بالجوار على حساب طهران مثل إعادة فتح السفارات مع الإمارات والسعودية.
فيديو قد يعجبك: