حصان طروادة سقوط الأسد.. ما هي جبهة "تحرير الشام"؟
كتبت- سلمى سمير:
مع سيطرة فصائل المعارضة السورية على دمشق وهروب الرئيس السوري بشار الأسد إلى خارج البلاد، دخلت سوريا مرحلة جديدة من التحولات الكبرى التي أذهلت العالم، وفي خضم هذا التحول، برزت "جبهة تحرير الشام" كأحد أبرز اللاعبين في الحرب السورية، بعدما تمكنت من فرض وجودها على الساحة وخاصة في مراكز ثقلها في إدلب.
تأسست "جبهة تحرير الشام" في سياق النزاع السوري المعقد، وهي تنظيم يتسم بتوجهات متشددة، برزت خلال السنوات الأولى من الحرب التي اندلعت منذ 2011 ورغم التغيرات التي شهدها التنظيم، من الارتباط بتنظيم القاعدة إلى محاولات فك الارتباط به، ظل اسمه مرتبطًا بالصراع العنيف من أجل السيطرة على الأراضي السورية.
شهدت "جبهة تحرير الشام" التي شكلت محورا رئيسيا في صراع استمر لأكثر من 10 أعوام، محطات بارزة من القتال والمعارك في وجه النظام السوري، وواجهت تحديات خارجية وداخلية على حد سواء، بدءًا من التوترات مع الفصائل الأخرى وصولًا إلى التصنيف الإرهابي الدولي.
البداية والنشأة
مرت الجبهة بعدد من الأطوار حتى وصلت لمرحلتها الحالية، ففي البداية نشأت تحت اسم "جبهة النصرة" التي كانت فرعًا لتنظيم "القاعدة" في سوريا، والتي أسسها القيادي محمد الجولاني.
تأسست "جبهة النصرة" عام 2012، في بداية النزاع السوري، ومنذ اللحظة الأولى لظهور "النصرة"، قدمت نفسها كبديل للجماعات الإسلامية المعتدلة، مدعمة أيديولوجية جهادية تهدف إلى إسقاط النظام السوري وإقامة دولة إسلامية. وبفضل أيديولوجيتها المتشددة، حظيت بشعبية واسعة في المناطق المعارضة للنظام السوري، وتمكنت من الاستحواذ على عدة مناطق استراتيجية.
خلال السنوات الأولى من الحرب، تصاعدت قوة "جبهة النصرة" بشكل ملحوظ، حيث أصبحت واحدة من أكبر الفصائل العسكرية، وعُرفت بمشاركتها الفاعلة في معارك حلب وإدلب، وكذلك في مناطق أخرى من الشمال السوري.
فك الارتباط بالقاعدة وتأسيس "جبهة تحرير الشام"
عام 2016، قرر محمد الجولاني فك ارتباط "جبهة النصرة" بتنظيم القاعدة وتغيير هويتها بشكل جذري، وذلك في محاولة لتحسين صورتها في الداخل السوري وبين المجتمع الدولي.
وفي 2017، تم الإعلان عن تشكيل "جبهة تحرير الشام"، وهو تحالف من عدة فصائل إسلامية وجهادية تحت قيادة الجولاني، ورغم محاولات الجولاني للتأكيد على استقلالية تنظيمه عن القاعدة، إلا أن العديد من التقارير الخارجية ظلت تربط "تحرير الشام" بأيديولوجيات جهادية مشابهة لتلك التي يتبناها تنظيم القاعدة، بل وطالت الجبهة عقوبات أمريكية أدرجتها على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وعرضت مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى القبض على مؤسسها عام 2018.
القيادة والتطورات في السنوات الأخيرة
خلال فترة قيادة محمد الجولاني، حققت "جبهة تحرير الشام" نجاحات كبيرة على الأرض، خاصة في الشمال السوري حيث سيطرت على إدلب وعدد من المناطق الاستراتيجية.
في الوقت ذاته، كان التنظيم يخوض صراعات داخلية مع جماعات أخرى من المعارضة السورية، حيث نشأت توترات بين "جبهة تحرير الشام" والفصائل المعتدلة بسبب محاولات الجولاني فرض الهيمنة على مناطق السيطرة.
في السنوات الأخيرة، ومع تزايد الضغوط العسكرية والسياسية من جميع الأطراف، سعى الجولاني إلى تبني خطاب معتدل بعض الشيء، حيث بدأ يظهر علنًا في مقابلات مع وسائل الإعلام الغربية، سعيًا لتحسين صورة "جبهة تحرير الشام" وتقديمها كقوة محلية تسعى إلى تحقيق أهداف إسلامية محضة داخل سوريا، بعيدًا عن أهداف خارجية.
معارك مع الفصائل الأخرى
في سبيل بسط سيطرتها وتعزيز نفوذها، ظهرت خلافات بارزة بين "جبهة تحرير الشام" والفصائل المسلحة الأخرى، بهدف تأمين الموارد واختلاف الأيديولوجيات والهيمنة العسكرية والسياسية، وهي الأسباب التي خاضت على إثرها الجبهة عدد من المعارك في سبيل تعزيز بقائها في مناطق سيطرتها، حيث شهد الشمال السوري عدة مواجهات دامية بين جبهة تحرير الشام وفصائل أخرى.
عام 2017 خاضت الجبهة معركة باب الهوى، والتي سيطرت بها الجبهة على معبر باب الهوى الحدودي والذي شريان حيوي بعد مواجهات عنيفة مع حركة أحرار الشام، في خطوة عززت نفوذها الاقتصادي والعسكري في المنطقة.
ثم خاضت الجبهة بعد ذلك معارك أخرى مع الجبهة الوطنية للتحرير عام 2019، وقعت على إثرها اشتباكات متكررة بين الطرفين، خصوصًا في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي، حيث سعت جبهة تحرير الشام إلى توسيع سيطرتها، وهي الخطوة التي أثارت استياء الفصائل المدعومة من تركيا.
ثم بعد ذلك ورغم محاولات التهدئة، اندلعت مواجهات محدودة بين جبهة تحرير الشام وفصائل محسوبة على الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، مما زاد من تعقيد الأوضاع على الأرض.
فيديو قد يعجبك: