يلتقط وجوههم دون علمهم.. كيف تراقب إسرائيل الفلسطينيين بـ" الذئب الأحمر"؟
كتبت- سلمى سمير:
في الوقت الذي يريد فيه عيسى عمرو، الناشط الحقوقي، العبور إلى وجهته التي يقصدها، عن طريق حواجز التفتيش، وسط كاميرات مراقبة متناثرة في كل مكان، يُقال له أنه ممنوع من العبور، وعند سؤاله عن السبب يكتشف أن تقنية جديدة تدعى "الذئب الأحمر"، تعرفت عليه بناء على ملف خاص به متوافر لديها بمنعه من المرور.
لا يتوافر لدى النظام ملفات عن عيسى فقط بل كل من تطأ قدمه منزل الناشط الحقوقي، كما ليست المرة الأولى التي يُمنع فيها عيسى من العبور، حيث يمنع النظام عبور أي وجه جديد، غير مسجل لديه، مع قوله لإحدى شبكات التليفزيون، بتتبع قوات الاحتلال لكافة تحركاته ومنعه عدة مرات من العبور، مما يزيد تخوفاته من مراقبته وتسجيل كافة خطواته.
يسطر بذلك "الذئب الأحمر" الذي يعمل به الاحتلال منذ عام، سطراً جديداً في التكنولوجيا التي يستخدمها لتتبع الفلسطينيين، مع السماح بالتقاط صوراً لوجوههم دون علمهم أو موافقتهم، وتخزينها لدى قاعدة بيانات النظام، وعند الوصول لنقاط التفتيش للمرور لوجهتهم يقوم النظام بمطابقة وجوه الأشخاص باستخدام نظام التعرف على الوجه المتقدم، والسماح بمرورهم أو منعهم من العبور أو القبض عليهم كنوع من الملاحقة.
النظام المُدعم بمنظومة كاميرات مراقبة واسعة تعمل بالذكاء الاصطناعي، مزروعة بحوالي كاميرتان كل ٥ أمتار على الأقل، يهدف لإبقاء الفلسطينيين تحديداً في الخليل بالضفة الغربية، تحت المراقبة الدائمة حتى في أبسط تفاصيل حياتهم العادية، حسبما ذكر تقرير منظمة العفو الدولية، والذي ندد بأن نظام المراقبة الجديد قائم على قاعدة بيانات تقتصر فقط على الفلسطينيين، مما يعزز الادعاءات التي تتهم دولة الاحتلال بالفصل الآلي العنصري، والتي بدورها نفت كل ذلك مبررة استخدام التكنولوجيا لضمان سلامة مواطنيها، في وقت فند فيه الناشط الحقوقي عيسى عمرو كل تلك الادعاءات قائلاً إن التكنولوجيا الجديدة لم تستخدم لمعرفة منفذي العمليات الإرهابية من المتطرفين الإسرائيليين، وذلك حسب تصريحات أدلى بها لصحيفة "التايمز".
من جهتها قالت منظمة العفو الدولية إن الذئب الأحمر مدعمة ببنية تحتية واسعة من أجهزة المراقبة، وذكر التقرير أن عدد كاميرات المراقبة ازداد بشكل واضح عقب الاحتجاجات التي شهدها حي الشيخ جراح اعتراضاً على عمليات الإخلاء القسري، وتحدث فلسطينيون للمنظمة، عن مواجهتهم خطر التعقب بواسطة خوارزمية جديدة تمنعهم من دخول منازلهم بناء على قاعدة البيانات التمييزية المتوافرة لدى النظام، بما يتنافى تماما مع حقوق الإنسان.
تطور أنظمة المراقبة لدى الاحتلال
الذئب الأحمر ليس بسابقة غير معهودة لدى الاحتلال، والذي سعى باستمرار لتطوير تكنولوجيا التجسس الخاصة به، فاعتمد سابقاً النسخة الأقل تطوراً عُرفت باسم "الذئب الأزرق"، وُصف سابقاً بسر الجيش الإسرائيلي عن الفلسطينيين، في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، وهو عبارة عن تطبيق استُخدم على هواتف الجنود يحدد هويات الفلسطينيين المارين، ليسطع الجهاز بألوان مختلفة لدى وصول فلسطيني لينبه الجندي ما إذا كان سيتم القبض عليه أم يترك وشأنه.
وفي سبيل بناء حجر الأساس للذئب الأزرق، عمل الجيش الإسرائيلي، على بناء قاعدة بيانات واسعة، غير مبالي بخصوصية الشعب الفلسطيني، عن طريق تكليف الجنود بالتقاط صور للفلسطينيين من جميع الأعمار بما فيهم الأطفال دون علمهم، عهد في مقابلها بجوائز كبيرة كتحفيز للجنود لالتقاط أكبر عدد ممكن من الصور والتي لم يتضح عددهم حتى الآن، لكنها قُدرت بالآلاف حسب تقرير "واشنطن بوست" لعام 2021.
وذكر مصدر لم تسمه منظمة العفو الدولية، أن كاميرات التعرف على الوجه قبل سنة 2021 كانت موجودة فقط عند نقاط التفتيش أما الآن فهي أصبحت متوافرة في كل مكان، ليتغير بموجبها شوط جديد يخوضه الشعب الفلسطيني في كفاحه على أرضه، مع مواجهتهم نظام أُنشأ ليتم تطويره تلقائياً دون تدخل بشري، للتعرف على وجوه الأشخاص، حسبما ذكر قائد عسكري في جيش الاحتلال، لبرنامج "بريكنج ذا سايلنس".
المعارضة للنظام
كثيراً ما لاقت أنظمة التعرف على الوجه معارضة صارمة في عدة مناطق حول العالم، أبرزها منع استخدام النظام في مالا يقل عن اثنتي عشر ولاية في الولايات المتحدة أهمها بوسطن وسان فرانسيسكو، كما دعا البرلمان الأوروبي لحظر استخدام الشرطة لأنظمة التعرف على الوجه في المناطق العامة.
لكن الأمر مختلف على الأراضي المحتلة، حيث عارضت سابقا الوكالة الحكومية الإسرائيلية المسؤولة عن حماية الخصوصية، مقترح بخصوص إدخال كاميرات التعرف على الوجه في المناطق العامة والذي أثير من قبل مسؤولي إنفاذ القانون، لكن ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن سلطات الاحتلال تطبق الأمر بمعايير مزدوجة في مناطق تواجد الفلسطينيين.
كما أشارت صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل" إلى مخاطر تكنولوجيا التعرف على الوجه، مع تراجع كبار شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة وهي الحليف الأكبر لإسرائيل عن توفير تكنولوجيا التعرف على الوجه لأجهزة الشرطة الإسرائيلية مشددين على خطورتها، كما ذكرت الصحيفة.
كما قال أفنير جفارياهو، المدير التنفيذي، لبرنامج "بريكنج ذا سايلنس"، الذي استضاف جنود إسرائيليين تحدثوا، عن تعاملهم مع أنظمة التعرف على الوجه، "إن هذه التكنولوجيا في الضفة الغربية هي مجرد أداة إضافية لقمع الفلسطينيين" وأضاف "عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين فإن حقوق الإنسان الأساسية لا وجود لها".
تاريخ مظلم
لصناعة تكنولوجيا التعرف على الوجه والمراقبة في إسرائيل تاريخ أسود، حيث حُظرت مجموعة "إن إس أو" المؤسسة من كبار الشخصيات في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، من قبل السلطات الأمريكية في نوفمبر عام 2021، لصناعتها برامج يمكنها التجسس على الهواتف المحمولة، كما رفعت شركتي فيسبوك وآبل، دعاوى قضائية على الشركة، لاكتشافها برامج تجسس على أجهزة مملوكة لمعارضين وصحفيين ونشطاء في جميع أنحاء العالم، وفقاً لصحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل"
وبلغت قيمة صناعة التعرف على الوجه حوالي 3.7 مليار دولار عام 2020 حسب شركة "موردر إنتلجينس" والتي تتوقع ارتفاع قيمة صناعة تكنولوجيا التعرف على الوجه إلى 11.6 مليار دولار عام 2026.
فيديو قد يعجبك: